في يومهن العالمي.. نساء ذوات الإعاقة يواجهن ضربة مضاعفة من العنف الرقمي

الرابط المختصر

"ليش تشتري شوزات كثير؟ ما إنت ما بتمشي… شوز واحد بكفيك ويوفر على أهلك "، هذه واحدة من عشرات التعليقات التي كانت تتلقاها ياسمين العويني، صانعة محتوى وناشطة معروفة على منصات التواصل الاجتماعي، كلما شاركت جزءا من تجربتها الشخصية كنافذة لرفع الوعي بالتعايش والاندماج مع الأشخاص ذوي الإعاقة.

تقول ياسمين إن رحلتها لم تخل من المحطات القاسية، فالتنمر جزء شبه يومي في حياة أي شخص ناشط على وسائل التواصل، لكن الأشخاص ذوي الإعاقة بنتلقى الضربة مضاعفة، على حد وصفها.

وتروي أمثلة بسيطة لكنها تحمل وقعا مؤلما، ففي آخر فيديو نشرته عن السفر، كتب أحدهم "معاقين وسافروا وإحنا لسه"، وفي مقطع آخر تحدثت فيه عن شغفها بتنسيق الملابس، جاءها تعليق، "ليش طالعة من البيت؟ اللي زيك بضل بالبيت" مضيفة  "مرات بسمع نفس الكلام بالشارع أو بالمطاعم، الكلمة شكلها بسيطة بس تأثيرها كبير".

ورغم قسوة هذه الألفاظ، تؤكد ياسمين أن خطورتها تكمن في أثرها النفسي العميق، "مرات بجد بتردد إني أظهر، بس شخصيتي قوية، وهذا اللي بخليني أكمل وأنشر الوعي أكثر". 

وتقول إن رسائل الدعم تمنحها القوة للاستمرار، "كثير بنات بيحكولي إنهم تعلموا مني كيف الأشخاص ذوي الإعاقة عايشين حياتهم طبيعي، بس للأسف في ناس تانية بتنسحب وما بتطلع من البيت بسبب التنمر"، مشيرة إلى أن خوف البعض من التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة يمثل مشكلة متجذرة، "لما واحد يحكيلك حرام أو بدكم مساعدة بتحسي إنه شايفك حالة إنسانية مش إنسانة طبيعية، إحكوا معنا، جربونا، إحنا جزء من الحياة".

وعن أدواتها في مواجهة العنف الرقمي، تقول إنها تمزج بين التجاهل والرد الواعي "في ناس هدفها الأذى هدول بتجاهلهم، وفي ناس برد عليهم بفيديو فيه وعي الغلط برد عليه بالصح"، مضيفة أنها تتابع إجراءات قانونية بحق مسيئين، "القانون طريقه طويل، بس لازم نأخذ حقنا أنا رافعة قضايا وماشية فيها سنة كاملة".

ومن أصعب التجارب التي مرت بها عندما تعثرت وسقطت أمام الكاميرا، فلم تكن مجرد سقطة عابرة، بل تحولت إلى موجة عالمية من التنمر وصلت إلى 17 مليون مشاهدة "كلها ضحك ومسخرة"، وفق قولها. 

وبرغم كل ما واجهته، ما تزال ياسمين تقف بثبات أمام العنف الرقمي، لتسمع صوت آلاف النساء والفتيات ذوات الإعاقة مؤكدة بأن وجود ذوي الاعاقة ليس مخيف ولكن تجاهلكم لحقوقهم هو المخيف.

وتأتي قصة ياسمين بالتزامن مع إحياء الأردن لليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، الثالث من كانون الأول، ومع حملة الـ16 يوما لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات تحت شعار "مساحة أمان"  في وقت تكشف فيه الدراسات العالمية زيادة مقلقة في معدلات العنف الرقمي ضد النساء.

تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن ما بين ثلث إلى نصف النساء عالميا يتعرضن لشكل من أشكال العنف الرقمي، مثل التحرش والمطاردة الإلكترونية والابتزاز.

أما النساء ذوات الإعاقة فتتعرضن  بحسب دراسات دولية  لمخاطر أعلى بمعدل 2 إلى 5 مرات مقارنة بغيرهن، ويكون العنف في كثير من الحالات مركبا.

وتظهر تقارير إقليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن ما يقارب نصف مستخدمات الإنترنت يشعرن بعدم الأمان بسبب التحرش أو الكراهية على المنصات الرقمية.

كما تشير أوراق بحثية إلى أن نسبة من النساء ذوات الإعاقة الذهنية أو الحركية تعرضن لإيذاء نفسي أو رقمي يتجاوز 60% في بعض الدول، نتيجة هشاشة الحماية القانونية وضعف جاهزية منصات الإبلاغ.

هذه الأرقام تظهر أن ما تعرضت له ياسمين ليس حالة فردية، بل جزء من ظاهرة عالمية تتضاعف آثارها على الفتيات والنساء ذوات الإعاقة، اللواتي يواجهن التمييز والتحرش والتنمر والابتزاز داخل الفضاء الرقمي وخارجه.

 

في اليوم العالمي لذوي الإعاقة… تصاعد للعنف الرقمي

يشارك الأردن، إلى جانب دول العالم، إحياء اليوم العالمي لذوي الإعاقة الذي يصادف الثالث من كانون الأول، وتأتي هذه المناسبة في ظل تزايد مقلق لمظاهر العنف الرقمي، لا سيما ضد النساء والفتيات ذوات الإعاقة، حيث تمتد آثار هذا النوع من العنف إلى ما هو أبعد من التعليقات الإلكترونية.

ويؤكد المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أنه يعمل بشكل مستمر على تعزيز الوعي وضمان وصول النساء والفتيات ذوات الإعاقة إلى فضاء رقمي أكثر أمانا وسهولة، ضمن جهود واسعة لحمايتهن من العنف الرقمي عبر تحسين قابلية الوصول إلى المواقع والمنصات الإلكترونية.

ويقول الناطق الإعلامي للمجلس، رأفت الزيتاوي، في حديث لـ"عمان نت" إن دور المجلس يمتد عبر مسارات عدة تبدأ بوضع معايير تهيئة المواقع الإلكترونية، وفحصها عبر مختصين للتأكد من ملاءمتها للأشخاص ذوي الإعاقة، سواء كانت الإعاقة بصرية أو سمعية أو حركية أو ذهنية.

كما تشمل جهود المجلس وفق الزيتاوي  تدريب الأشخاص ذوي الإعاقة على آليات التبليغ والشكوى، والتوعية بأشكال الانتهاكات الرقمية وأساليب الاحتيال، وكيفية التحقق من المعلومات، مشيرا إلى أن النساء ذوات الإعاقة يتعرضن غالبا لتمييز مركب، ما يجعل آثار العنف الرقمي عليهن مضاعفة.

 

 

تشديد للعقوبات وشراكات وطنية

وفي الجانب التشريعي، يوضح الزيتاوي أن المجلس عمل على الدفع باتجاه تشديد العقوبات في حال كان المجني عليه من الأشخاص ذوي الإعاقة، بحيث يتم تطبيق الحد الأعلى للعقوبة في جرائم الاحتيال أو الاستغلال.

ويضيف أن المجلس يرتبط بشراكات قوية مع مؤسسات وطنية عدة، منها وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، ووحدة الجرائم الإلكترونية، لتلقي شكاوى العنف الرقمي والتمييز ضد الفتيات والنساء ذوات الإعاقة.

وفيما يتعلق بأكثر أشكال العنف انتشارا، يبين الزيتاوي التنمر المباشر، والعنف اللفظي والنفسي، والاحتيال الإلكتروني، ونشر المعلومات المضللة.

كما يوفر المجلس آليات تبليغ مهيأة، عبر منصات متاحة لذوي الإعاقة ومحتوى توعوي يتضمن أرقام الجهات المختصة.

ويشدد الزيتاوي على أن مواجهة العنف الرقمي تتطلب رفع الوعي المجتمعي وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من معرفة أنواع الانتهاكات، إذ قد لا يدرك بعضهم أن ما يتعرضون له يشكل عنفا أو استغلالا، معتبرا أن وجود عقوبات رادعة ضرورة للحد من هذه الجرائم، خصوصًا مع ازدياد أعداد الأطفال والفتيات المستخدمين للإنترنت.

ويشير الزيتاوي إلى برامج مستمرة ينفذها المجلس بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والجامعات الحكومية والخاصة، لترسيخ الوعي وتهيئة البيئة التعليمية، مؤكدا أهمية توفير محتوى بلغة الإشارة للصم، وتقنيات مساعدة للمكفوفين، باعتبار أن التكنولوجيا المهيأة تعزز الاستقلالية وتحد من فرص التعرض للعنف، موضحا إلى وجود تحسن ملحوظ في تناول الإعلام لقضايا الإعاقة، ما ساهم في تعزيز الوعي وإبراز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء أصيل من التنوع البشري.