
في اليوم العالمي للامتناع عن التدخين.. تحذيرات من حملات شركات التبغ المضللة

بدأ عاصم تدخين السجائر في طفولته، متخفيا عن الجميع، لكن بعد وفاة والده بسبب السرطان، تحول التدخين علنيا كوسيلة للتنفيس عن ألمه، ومع مرور السنوات، أصبح الدخان جزءا لا يتجزأ من يومه، يفتتح به صباحه ويختتم به ليله
في عام 2021، تلقى صدمة تشخيص إصابته بسرطان الدماغ، وبعد خضوعه لعملية جراحية، حاول الإقلاع عن التدخين، لكنه عاد إليه بعد أيام.
لكن في عام 2024، بدعم من زملائه في مركز الحسين للسرطان، اتخذ قرارا حاسما بإنهاء رحلة الإدمان التي امتدت 36 عاما، ليعيش عاصم حياة أكثر صحة وهدوءا، يتنفس بسهولة، ويتمتع براحة جسدية ونفسية لم يعرفها من قبل، على حد وصفه.
قصة عاصم هي واحدة من آلاف القصص التي تعكس المخاطر الحقيقية للتدخين، وقد رواها بنفسه في منشور مؤثر نشره مركز الحسين للسرطان عبر صفحته على فيسبوك، موجها نصيحة "إذا بتحب حالك، خلص حالك من الدخان. هو سم بطيء، وإنت بتستاهل تعيش".
وهم الترويج... وواقع المرض
في الحادي والثلاثين من أيار من كل عام، والذي يصادف هذا العام يوم السبت المقبل، يحتفل الأردن والعالم بـ"اليوم العالمي للامتناع عن التدخين"، تحت شعار "فضح زيف المغريات".
يهدف هذا الشعار إلى تسليط الضوء على الأساليب التي تتبعها شركات التبغ لاستدراج فئات معينة من المجتمع، خصوصا النساء والشباب، نحو منتجاتها، من خلال حملات ترويجية مضللة، وأغلفة جذابة، ونكهات مغرية.
تؤكد أمين سر جمعية "لا للتدخين" الدكتورة لاريسا الور، في حديثها لـ "عمان نت"، أن شركات التبغ لم تتوقف، منذ أكثر من قرن، عن استخدام استراتيجيات خادعة للترويج لمنتجاتها، رغم معرفتها المسبقة بالأضرار الكارثية الناتجة عنها، ومنها سرطان الرئة وأمراض القلب والشرايين، بالإضافة إلى ارتباط التدخين بنحو 22 نوعا من السرطان.
وتضيف الور شركات التبغ لا تبيع الإدمان فقط، بل تبيع الوهم أيضا، فهي تغلف منتجاتها بألوان زاهية ونكهات حلوة وتعد بتقليل المخاطر، في حين تثبت الدراسات أن هذه المزاعم مضللة.
وتلفت الور إلى أن هذه الشركات تستهدف بشكل خاص المراهقين من خلال المنتجات الحديثة مثل السجائر الإلكترونية، التي تصمم بأشكال وألوان مستوحاة من ألعاب الطفولة أو الأجهزة الإلكترونية المحببة، مما يجعلها جذابة لفئة اليافعين، وتعيد استدراجهم إلى الإدمان بعد تراجع معدلات التدخين التقليدي، محذرة من الأساليب النفسية المستخدمة، مشيرة إلى أمثلة على ألعاب مدمجة داخل السجائر الإلكترونية، تجعل المستخدم يشعر بأنه يحافظ على "حياة" رقمية مرتبطة بكمية استهلاكه، ما يعزز الاعتماد النفسي ويعمق الإدمان.
تهريب، تضليل... وغياب رقابة
أما على صعيد التشريعات، فتشير الور إلى أن هناك تجاوزات واضحة للقوانين في ما يتعلق بتصنيع وتصدير هذه المنتجات، خصوصا من دول مثل الصين، حيث يسمح بتصنيعها لأغراض التصدير، رغم منعها محليا، حيث تدخل هذه المنتجات إلى الأردن عبر طرق غير مشروعة، مثل التهريب، رغم أن بعض الأنواع كالمقلدات والمنتجات التي تستهدف الأطفال محظورة.
وتوضح الور أن المعلومات المطبوعة على عبوات هذه المنتجات عادة ما تكون مضللة أو غير مفهومة للمستهلك، مثل نسب النيكوتين وعدد "النفخات" (puffs)، حيث لا يدرك الكثيرون أن 1000 "نفخة" تعادل تقريبا استهلاك 100 سيجارة تقليدية.
حول السياسات الحالية في الأردن ترى الور بأنها بحاجة إلى تشديد وتفعيل، مؤكدة أن الإجراءات الحكومية يجب أن تكون أكثر صرامة، خصوصا في ما يتعلق بالسجائر الإلكترونية والمعسل، اللذين أصبحا يجتذبان الأطفال والنساء بشكل غير مسبوق.
وتقترح الور حظر جميع النكهات، وتوحيد التغليف بلون موحد داكن، مع تغطية ثلاثة أرباع العلبة بصور تحذيرية، بالإضافة إلى معاملة تهريب منتجات التبغ والنيكوتين معاملة تهريب المخدرات، وتغليظ العقوبات بحق المروجين والموزعين، خاصة أولئك الذين يستهدفون الفئات الصغيرة في السن.
أرقام مفزعة من الأردن
بالتزامن مع الاحتفال بيوم مكافحة التبغ تطلق مؤسسة الحسين للسرطان حملة "ما تنخدع كلها أمراض، كلها سموم، كلها إدمان" بهدف نشر الوعي حول مخاطر التدخين وإدمان النيكوتين الذي يتواجد بتراكيز مختلفة بكافة أشكال وطرق التدخين. إضافة إلى ارتباطه بشكل مباشر بـ 16 نوعا من السرطان وهو سبب رئيسي للإصابة بسرطان الرئة الذي يعد السبب الثاني للوفاة بعد أمراض القلب.
ويذكر أن معدلات التدخين بين الشباب في الأردن وصلت إلى 59% للفئة العمرية بين (25-34) عاما، و50% للفئة العمرية بين (18-24) عاما، و31% للفئة العمرية بين (15-17) عاما. إضافة إلى ذلك، بدأ 38.6% من المدخنين بالتدخين وتعاطي النيكوتين قبل سن 18 عاما، الأمر الذي يؤثّر سلبا على تطوّر وبناء الدماغ، وعلى قلة التركيز والشعور بالقلق وضعف التحصيل الدراسي للطلبة خلال فترة الطفولة والبلوغ.