ترقب للأمطار وسط قلق من تأخر موسم الهطول وتأثيراته البيئية والزراعية

الرابط المختصر

مع بداية موسم الشتاء، يترقب الأردنيون الأمطار التي تشكل جزءا أساسيا من حياتهم بالاضافة إلى الزراعة وتوفير المياه في المملكة.

هذا العام لاحظ البعض تأخرا في الهطول مقارنة بالمواسم السابقة، الأمر الذي يثير القلق حول تأثير ذلك على المخزون المائي والمحاصيل الزراعية والبيئة بشكل عام.

وبحسب وزارة المياه والري، بلغ الهطول المطري الإجمالي في نهاية الموسم الماضي نحو 340 ملم في شمال المملكة، وهو أقل من المعدل السنوي المعتاد الذي يتراوح بين 400 و600 ملم، ما انعكس سلبا على المخزون المائي والزراعة، خاصة المحاصيل البعلية.

 

متى يبدأ الموسم المطري؟

تؤكد الأرصاد الجوية أن فترة هطول الأمطار في الأردن تمتد عادة من تشرين الأول وحتى منتصف أيار، وأن الهطول الغزير في بداية الموسم يعرف في التراث العربي باسم «الوسم»، إذ يترك أثرا على الأرض ويحفز نمو النباتات. 

ويشير مستشار التنبؤات الجوية، الدكتور جمال الموسى، إلى أن العرب القدماء كانوا يقدرون حلول الوسم بالملاحظة، بينما يعتمد اليوم على أجهزة قياس المطر الحديثة، حيث يعرف بأنه أول هطول في الموسم يتجاوز 10% من المعدل السنوي ويستمر لثلاثة أيام متتالية على الأقل، على ألا يعقبها جفاف يزيد عن عشرة أيام.

ويضيف أن الوسم المبكر، عادة في منتصف تشرين الثاني، هو الأفضل للمزارعين لأنه يعزز نمو النباتات والأعشاب، بينما يؤدي تأخر الهطول إلى ضعف النمو وتأخير موسم الزراعة، وحتى الآن، لم يشهد الأردن هطولا كافيا، مما جعل الأرض في حاجة ماسة للأمطار.

تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن نحو 75% من الهطول المطري في الأردن يتركز خلال فصل الشتاء، مما يعكس اعتمادا كبيرا على الأشهر الباردة، بينما أظهرت دراسة علمية أن انخفاض الهطول بنسبة 20% يؤدي إلى انخفاض الجريان السطحي بنسبة تصل إلى 52.8%، ما يقلل تغذية الأودية والمياه الجوفية ويزيد من مخاطر الجفاف.

كما أن توزيع الهطول السنوي متفاوت بين الأشهر، إذ يمثل نحو 3% في شهر تشرين الأول، و10% في تشرين الثاني، فيما يشكل كانون الأول والثاني وشباط معا نحو 65% من الهطول السنوي، بينما تقل النسب في اذار إلى 12%، ونيسان 6%، وأيار 4% فقط، بحسب الموسى 

 

 

تأثير تأخر الأمطار على الزراعة والمياه

ويقول الموسى إن قلة الأمطار تؤثر بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي، مشيرا إلى أن موسم الزيتون هذا العام يعاني من نقص في المحصول بسبب الجفاف، كما أن التذبذب في الهطول من سنة لأخرى يزيد من صعوبة التخطيط الزراعي.

ويضيف أن هذا التغير مرتبط بالتغيرات المناخية العالمية الناجمة عن النشاط البشري وارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروجين، ما أدى إلى تقلبات حادة في الطقس، تشمل ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة، وأمطار غزيرة أو ضعيفة، وعواصف رملية وجفاف متكرر.

من جانبه، يشير الخبير البيئي الدكتور محمد الخشاشنة، إلى أن هذه التغيرات تؤثر بشكل مباشر على المزروعات البعلية، خاصة الزيتون والبرتقال في مناطق مثل أربد وجرش وعجلون، التي تعتمد على الزراعة المطرية، حيث أصبح بقاء الأشجار على قيد الحياة أكثر صعوبة، مضيفا أن المزارع المروية في شرق المملكة، مثل المفرق، تمكنت من الصمود نسبيا بفضل مياه الري، لكنها لا تعوض الفاقد الناتج عن تأخر الأمطار.

ويوضح الخشاشنة أن الموسم الماضي شهد نقصا في الهطول في شمال المملكة، حيث تتراوح معدلات الأمطار السنوية عادة بين 300 و600 ملم، إلا أن الكميات الفعلية كانت أقل بكثير، ما انعكس سلبا على الأشجار والمحاصيل الزراعية، بما في ذلك الحمضيات في الأغوار.

كما يشير إلى أن قلة الهطول تؤثر على المخزون المائي في الأودية والخزانات والسدود، فالأمطار السنوية التي تهطل على الأردن تبلغ نحو ثمانية مليارات متر مكعب، ويخزن جزء منها في سدود لا تتجاوز طاقتها الاستيعابية 300 مليون متر مكعب تقريباً، بالإضافة إلى الحفائر والسدود الترابية، وعندما يكون الموسم ضعيفاً تبقى هذه المنشآت شبه فارغة، مما يحد من القدرة على ري المزروعات وضمان توفر المياه للمنزل والزراعة.

 

 

الحلول الممكنة للتكيف مع التأثيرات

يؤكد الخشاشنة أن مواجهة التغيرات المناخية تتطلب مسارين متوازيين، وهما مسار للتخفيف، عبر الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، رغم أن حصة الأردن من الانبعاثات العالمية لا تتجاوز 0.06%، وهو ما يمثل نموذجا يحتذى به، ومسار للتكيف مع الأنماط الجديدة للطقس، يشمل إعادة جدولة استخدام المياه، تقليل اعتماد الزراعة كثيفة الاستهلاك للمياه، وتشجيع الزراعات الذكية واللامائية التي توفر 50 إلى 90% من استهلاك المياه.

ويشدد على دور الجامعات ومراكز البحوث الزراعية في إنشاء مزارع نموذجية لتطبيق هذه التقنيات، ليتمكن المزارعون من الاطلاع على التجارب وتنفيذها، مؤكدا ضرورة دمج هذه الأساليب في خطط الأمن الغذائي الوطني لضمان إنتاج مستدام وموثوق في ظل التغيرات المناخية المتسارعة.

هذا ويذكر تقرير دولي أن الأردن يعد من بين الدول الأكثر عرضة للجفاف والكوارث الطبيعية، مع توقع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 3–4°م بحلول عام 2050 في سيناريو انبعاثات عالية، مما يزيد الحاجة إلى خطط التكيف المستدامة.