الثوب الأردني يعود إلى الواجهة ومطالبات بتعزيز حضوره في الأسواق العالمية

الرابط المختصر

من صندوق خشبي قديم احتفظت به في منزل العائلة، بدأت قصة نساء أردنيات في بعث الحياة مجددا في الأثواب المطرزة التي كانت يوما زينة الجدات، لتتحول لاحقا إلى مشروع وطني يسعى للحفاظ على الهوية التراثية ونقلها للأجيال الشابة بروح عصرية.

اليوم، لم يعد الثوب الأردني حكرا على المناسبات التقليدية، بل عاد بقوة إلى الواجهة، خاصة بين جيل الشباب، كرمز للأناقة، حيث تتفاوت أسعار هذه الأثواب بين 100 إلى 1000 دينار أردني للأثواب اليدوية الدقيقة، بينما تتاح خيارات أرخص تبدأ من 40 دينارا للمنتجات المصنعة على الماكنة.

ومع تنامي الاهتمام المحلي والعربي بهذا الفن، يبرز الثوب الأردني كمنتج ثقافي وسياحي قادر على أن ينافس عالميا، في ظل الحاجة إلى دعم ممنهج وتحفيز للإنتاج اليدوي، بحسب الباحثة في التراث الأردني الدكتورة فاطمة النسور.

 

من صندوق الذكريات إلى مشروع وطني

 

وتستذكر النسور كيف كانت بدايتها، قائلة منذ نعومة أظافري أحببت الملابس التراثية، عشت بين جيلين، جيل الجدات حيث كن يجلسن معا للتطريز والخياطة، وجيل الحداثة، وكنت أرافق والدتي لشراء الأقمشة من أسواق السلط.

وتضيف النسور بأنه بعد وفاة والدتها، وجدت صندوقا مليئا بالثياب القديمة المطرزة من مختلف مناطق الأردن مثل السلط ووادي شعيب، وأخرجت هذه الكنوز وأدركت بأنها لا تستطيع الاحتفاظ بها لنفسها فقط، فقررت إنشاء جمعية تهتم بهذا التراث وتحافظ عليه وتنقله للأجيال.

 


 

تطوير الثوب دون طمس هويته

 

عن كيفية الجمع بين الحداثة والأصالة، تشير النسور إلى أن رؤيتها في تصميم الأزياء تنبع من حبها للوطن والتراث، موضحة بدأت بإعادة تصميم الأثواب بما يتماشى مع الذوق الحديث، لكن دون التنازل عن الروح الأصلية لها، موضحة أن الجيل الجديد يحب الموضة، لذلك حاولت أن تقدم لهم هذه الأثواب بشكل عصري يحاكي التراث.

وتستشهد بتجربة لها عام 2005 في المغرب، حيث مثلت الأردن في مهرجان ثقافي، وتقول بأنه "عندما رأوني بالثوب المطور عرفوا فورا أنني من السلط، بسبب اللون الأزرق المميز والأردان الطويلة"، وتضيف بأنه" كان ثوبا عصريا لكنه حافظ على هويته التراثية، وقد نال إعجاب الحضور المغربي رغم غنى ثقافتهم بالزي التقليدي".

 

 

ماذا يميز الأثواب الأردنية عن غيرها؟

 

تصف النسور الثوب السلطي بأنه أحد أبرز رموز الأزياء التراثية الأردنية، موضحة أنه يتكون من 16 ذراعا من قماش الغزالين، ويتميز بلونه الأزرق وتطريزاته الفريدة التي تستوحي من الزهور والطبيعة المحيطة بالمرأة السلطية، مشيرة إلى أن الردن يوضع على الرأس مع العصبة، بينما يتميز الثوب بتفاصيل دقيقة تبرز أنوثة المرأة وهويتها المحلية.

يتميز الثوب الأردني بحسب النسور بدقة القطبة وطبيعة الزخارف، مثل "القناطر" و"الحروزة" و"المنجل" الرفيع الذي لا يتجاوز المليمترين، بخلاف التصاميم الفلسطينية على سبيل المثال، كما يختلف شكل القبة، التي تكون مستطيلة وطويلة لتتناسب مع "الدلق" الذي يزين صدر المرأة، مضيفة بأن لكل منطقة أردنية طابعها، ففي معان مثلا، نجد القطب الممتدة التي تقطع بطريقة فنية، وفي إربد تدمج الأقمشة البيضاء أو الخضراء في الأكمام والجناب، ما يمنح الثوب تميزا محليا واضحا.

 

الجيل الجديد يعود للتراث

 

ترى النسور أن هناك إقبالا متزايدا من الشباب على ارتداء الأزياء التراثية، خاصة في الأعراس والمناسبات الوطنية، لما تحمله من جمالية وخصوصية، موضحة أن الثوب اليدوي مكلف، لكنه يحمل روحا لا توجد في الثياب الجاهزة، كل قطبة تحمل قصة، وكل خيط يحاك بحب.

وتأمل النسور أن تعود المصممات الأردنيات إلى الخياطة اليدوية والابتعاد عن الإنتاج التجاري الرديء، فالثوب الأردني قادر أن يغزو العالم مثل القفطان المغربي، كما تدعو السفارات الأردنية في الخارج إلى اعتماد الزي الوطني في المناسبات، لنشر الثقافة الأردنية بطريقة راقية ووطنية.

من جانبه يشير عضو غرفة تجارة عمان وممثل قطاع الألبسة، أسعد القواسمي، إلى أن الأثواب التراثية والشعبية باتت تتصدر المناسبات الاجتماعية والوطنية والسهرات الرمضانية، حيث أصبحت النساء يحرصن على ارتدائها لإضفاء لمسة من البهجة والتميز، مضيفا أن هذه الأزياء لم تعد مقتصرة على السيدات المتقدمات في السن، بل باتت تجذب الفتيات الصغيرات بفضل التطويرات الحديثة التي أدخلت عليها، مثل الألوان الزاهية والتطريزات الملفتة، إضافة إلى استخدام التكنولوجيا في تصميمها.

ويوضح القواسمي أن الطلب على هذه الأثواب يشهد ارتفاعا ملحوظا خلال مواسم معينة مثل رمضان والصيف ومناسبات الأعراس، مبينا أن الأزياء دخلت في طور جديد يشمل تصاميم عصرية مثل "الأوفرهول" والأطقم القصيرة، والتي أصبحت رائجة في حفلات السيدات، خصوصا في فصل الصيف، كما ظهرت تصاميم شتوية ثقيلة تناسب أجواء البرد والصهرات الخارجية.

 

 

 


أسعار متفاوتة وفرص تصدير واعدة

 

بحسب القواسمي، فإن أسعار الأثواب التراثية تختلف بشكل كبير بحسب طريقة تصنيعها. فالثوب اليدوي المصنوع بدقة عالية ويستغرق إنجازه من أسبوعين إلى شهر، قد يصل سعره إلى ما بين 300 إلى 800 دينار أردني، وأحيانا يتجاوز الألف دينار إذا ما استخدمت فيه خامات فاخرة، أما الثوب المصنع جزئيا باستخدام الآلات، فيتراوح سعره بين 70 إلى 150 دينارا.

ويشير إلى أن هناك تفاوتا كبيرا في الأسعار بين الأثواب اليدوية المصنوعة بدقة عالية وتستغرق أسابيع لإنجازها، وبين الأثواب المنتجة جزئيا أو كليا باستخدام الآلات، والتي يمكن إنتاج العشرات منها يوميا، ويرى أن هذا التفاوت صحي ويتيح خيارات مناسبة لمختلف القدرات الشرائية، خصوصا أن بعض الأثواب اليدوية قد تصل أسعارها إلى مئات الدنانير.

 

 


 

وفيما يخص التصدير، يؤكد القواسمي أن هناك اهتماما خارجيا بالأثواب الأردنية، لا سيما من دول شمال أفريقيا ودول الخليج، لكن حجم التصدير لا يزال دون الطموح، مطالبا  بضرورة دعم هذا القطاع من خلال تخفيض ضريبة المبيعات وكلف الطاقة، ودعم اليد العاملة، مما سيعزز من قدرته على المنافسة الخارجية ويساهم في تحويله إلى اقتصاد قائم بحد ذاته يخلق فرص عمل محلية ويظهر التراث الأردني على الساحة العالمية.