
القطاع السياحي يدق ناقوس الخطر ..ويسجل تراجعا متأثرا بالتوترات الإقليمية

يشهد القطاع السياحي انتكاسة جديدة بسبب تصاعد التوترات في المنطقة، حيث ألقى اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل، تأثيرات سلبية على الحركة السياحية الوافدة، وسط موجة إلغاءات واسعة للحجوزات وتراجع غير مسبوق في نسب الإشغال، خاصة في المواقع السياحية الكبرى.
ففي الوقت الذي كان فيه القطاع السياحي يسعى إلى التعافي البطيء من آثار جائحة كورونا، جاءت هذه الأزمة السياسية لتضيف عبئا جديدا يهدد استقراره، رغم مساهمته الكبيرة في الاقتصاد الوطني بنسبة تتجاوز 14% من الناتج المحلي الإجمالي.
موجة إلغاءات من اليوم الأول للحرب
منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، بدأ القطاع الفندقي في الأردن بتسجيل تراجع حاد في النشاط السياحي، وسط استمرار تداعيات الحرب في غزة، وفق ما يؤكده نائب رئيس جمعية الفنادق الأردنية، حسين هلالات.
ويقول هلالات في حديثه لـ "عمان نت" إن القطاع كان يعاني منذ بدء الحرب في غزة، إلا أن التأثير الفعلي الأكبر جاء مع اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية، حيث بدأت منذ يوم الجمعة الماضية موجة إلغاءات كبيرة للحجوزات، رغم أن الموسم الحالي كان بالأصل ضعيفا.
ويضيف قمنا في جمعية الفنادق بتفعيل غرفة عمليات لحصر أعداد السياح والأجانب في المملكة منذ بداية التصعيد الأخير، وتبين أن العدد لا يتجاوز 3500 سائح من مختلف الجنسيات الأوروبية والأمريكية، وهو رقم منخفض جدا مقارنة بالمواسم المعتادة.
خسائر فادحة ونسب إشغال شبه معدومة
بحسب تقديرات الجمعية، فإن الخسائر التي لحقت بالفنادق خلال أيام قليلة من التصعيد كانت كبيرة، إذ وصلت نسبة الإشغال في بعض الفنادق إلى ما دون 10%، وتسجل إلغاءات يومية واسعة.
في ظل استمرار التصعيد، تراجعت نسب الإشغال في الفنادق بشكل حاد، وبلغت في مدينة البترا أقل من 6%، فيما هبطت في عمان إلى مستويات أدنى من 34%.
كما توقفت بعض شركات الطيران، خاصة منخفضة التكاليف، عن تسيير الرحلات إلى الأردن حتى منتصف الشهر المقبل على الأقل، مما عمق الأزمة.
ويشير هلالات إلى أن البحر الميت سجل تراجعا إلى 25% في نسب الإشغال، في حين تواجه مناطق مثل البترا احتمالية الوصول إلى إشغال صفري، مما قد يضطر بعض الفنادق إلى الإغلاق المؤقت.
وبالمقارنة مع العام 2023، تسجل معدلات الإشغال الحالية تراجعا يزيد على 90%، حيث تضررت حتى السياحة العربية، وسط موجات من الإلغاءات من السياح القادمين من شمال إفريقيا ودول الجوار.
صورة الأردن في نظر السائح: غير آمنة رغم الاستقرار
رغم أن الأردن يتمتع بأمن داخلي مستقر، إلا أن الأحداث الإقليمية تعكس صورة مغايرة في أذهان السياح الأجانب، كما يوضح المستثمر في القطاع السياحي، حسن العبابنة.
ويضيف العبابنة أنه منذ اللحظة الأولى للتصعيد، بدأ عدد كبير من السياح الأجانب بإلغاء زياراتهم أو قطعها قبل اكتمالها، خاصة مع اضطراب حركة الطيران من وإلى المملكة، وهو مما جعل نسب الزوار الأجانب تقترب من الصفر في بعض المواقع السياحية.
ويرى العبابنة أن الأزمة الحالية لا ترتبط بقرارات محلية أو إجراءات من وزارة السياحة فقط، بل تعود أساسا إلى تسارع الأحداث في الإقليم، وما تتركه من أثر فوري وسريع على صورة الأردن كوجهة سياحية.
وحول أثر الأزمة على العاملين في القطاع، يشير العبابنة إلى أن أكثر من 60,000 عامل يعتمدون بشكل مباشر أو غير مباشر على السياحة، بينهم أسر كاملة تعيش من هذا القطاع، مضيفا حتى الموردين للمنشآت السياحية من مزودي الخضار واللحوم إلى الخبز والمستلزمات الأخرى سيتأثرون في حال استمر التراجع أو أغلقت بعض المنشآت.
الرهان على السياحة المحلية والعربية
وفيما يتعلق بإمكانية تجاوز هذه الأزمة، يرى العبابنة أن السياحة المحلية والعربية يمكن أن تشكل بديلا جزئيا، مستشهدا بتجربة وزارة السياحة خلال جائحة كورونا، حيث أطلقت برنامج "أردننا جنة" لدعم السياحة الداخلية.
كما يأمل أن يتم تفعيل برامج مشابهة خلال هذه المرحلة، وأن تساهم في تخفيف الخسائر، ولو بشكل جزئي، عبر تعزيز حركة الأردنيين داخل المملكة، وتشجيع السياحة من الدول المجاورة القريبة.
ويشير إلى أن الصيف الحالي كان من المتوقع أن يشهد نموا في السياحة العربية، ولكن التطورات الأمنية أعادت الحسابات، مؤكدا أن الاعتماد على السوق المحلي والعربي بات ضرورة، لكنه لن يعوض كليا عن غياب السياح الأجانب.
ودعا العبابنة الحكومة والجهات المعنية إلى اتخاذ خطوات عملية وسريعة لدعم المستثمرين في القطاع، والحفاظ على استقرار المنشآت السياحية، مؤكدا أن الصبر وحده لا يكفي، بل نحتاج إلى إجراءات ملموسة، ودعم فعلي يخفف من أثر الأزمة، ريثما تعود المنطقة إلى حالة من الهدوء والاستقرار.
من جهتها، عقدت جمعية الفنادق الأردنية اجتماعات مع وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة للبحث عن إجراءات عاجلة لمواجهة الأزمة. ويؤكد هلالات أن الرهان حاليا على السوق المحلي والسياحة العربية، لكن ذلك لا يمكن أن يعوض بالكامل خسارة السياحة الدولية، وسط أمل بعدم طول أمد الحرب وعودة الاستقرار للمنطقة، بحسب هلالات.
ويحذر هلالات من هشاشة قطاع السياحة بسبب موقع الأردن الجغرافي، الذي يجعله من أكثر الدول تأثراً بأي تطورات سياسية أو أمنية في المنطقة.
أرقام ما قبل الأزمة .. السياحة كانت تنتعش
قبل الأزمة الأخيرة، كانت مؤشرات السياحة تسجل أداء إيجابيا وارتفاعا كبيرا في أعداد الزوار والدخل السياحي، فقد أظهرت بيانات وزارة السياحة أن عدد الزوار الدوليين خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2023 بلغ نحو 3.72 مليون زائر، بزيادة بلغت 51.3% عن الفترة نفسها من عام 2022.
كما ارتفع عدد سياح المبيت إلى أكثر من 3.08 مليون سائح، محققا زيادة نسبتها 47%، وسُجلت أعلى معدلات نمو في أعداد الزوار من الدول الآسيوية بنسبة 145.9%، تليها الأوروبية 85.8%، ثم الأمريكية 78.1%.
ووفقا لبيانات البنك المركزي، ارتفع الدخل السياحي خلال النصف الأول من عام 2023 بنسبة 59.4% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، ليصل إلى نحو 2.45 مليار دينار ما يعادل 3.46 مليار دولار.