العمالة الوافدة: حقوق منتهكة وملامح عبودية!

وثائقيات حقوق الانسان- صبا ابو فرحة وأسماء رجا
رغم العمل الطويل والأجر الزهيد والحرمان من الإجازات والتأمين الصحي والضمان، والعديد من الحقوق الأخرى، إلا أن الشاب المصري عباس الدسوقي لا يتذمر، بل هو لا يستطيع ذلك، لانه يعمل من دون تصريح.

ويمثل الدسوقي الذي حضر الى الاردن قبل ستة اشهر ويعمل حاليا في مقهى سياحي في عمان، نموذجا لمئات الاف العمال الوافدين الذين يتعرضون لصنوف من الاستغلال على يد أصحاب العمل بسبب وضعهم المخالف للقانون.

يوجد في الاردن مليون و250 الف عامل وافد، نحو مليون منهم يعملون من دون تصاريح، وذلك وفق أرقام رسمية.

كما ان هناك عاملات المنازل، او الخادمات، اللواتي يصل عددهن الى 45 الفا ليس لديهن تصاريح، في مقابل40 الفا يحملنها.

ويشكل المصريون الغالبية الساحقة من العمالة الوافدة في البلاد، بعدد يبلغ حوالي 700 الف، لكن الحاصلين على تصاريح منهم لا يتجاوزون 176 الفا.

وتجازف النسبة الاكبر من العمال الوافدين بالعمل من دون تصاريح بسبب كلفتها المالية العالية. وهم على الدوام مهددون بالتسفير ودفع غرامات باهظة في حال ضبطهم من قبل الجهات الرسمية.

وكما هو الحال مع الدسوقي (30 عاما) ، فان فرق العملة هو ما يداعب احلامهم بجمع ثروات متواضعة تعينهم لاحقا على اقامة مشاريع صغيرة في وطنهم.

ولكن هذه الاحلام، تصطدم على الدوام بصخرة الواقع المرير في سوق العمل الاردني، واحيانا تتحول الى كوابيس.

على ان ذلك كله لا يثنيهم عن الاستمرار، كما هو الامر مع الدسوقي الذي يلخص عزمه على مواصلة السعي وراء حلمه مهما كان الثمن ويقول "جئت الى هذا البلد من اجل العمل، وكل ذلك لا يهم".

ويعبر مواطن له يدعى مصطفى الشيخ عن موقف مماثل قائلا "أوفر في الأردن لأعيش حياة كريمة في مصر".

غير ان مصطفى الذي حضر الى المملكة منذ ما يزيد على العام، يبدى استياء من اهانات يقول انه يتعرض لها من قبل بعض زبائن المطعم الذي يعمل فيه، ويضطر الى تجرعها بصمت نتيجة ضعف موقفه لعدم حيازته على تصريح.

ويتهم مصطفى صاحب المطعم بتعمد عدم استصدار تصريح له حتى لا يتكبد كلفة رسومه التي تصل الى 300 دينار.

الا ان صاحب المطعم نايف حجاية، الذي اقر بتشغيل عمال لا يحملون تصاريح، ينفى هذه التهمة ويلقى باللائمة على العمال انفسهم في مسالة عدم الحصول على التصاريح بسبب "عدم اكتمال اوراقهم الثبوتية" على حد تعبيره.

كما يقلل حجاية من شأن الاهانات التي اكد مصطفى انه يتعرض لها، قائلا ان "البشر أصناف، إن قام أحدهم بالإساءة لموظفي فلا يعني هذا أن كل الزبائن متشابهون، وربما موظفي أخطأ".

في العادة، يفضل اصحاب العمل العمالة الوافدة على المحلية لرخص اجورها وتوفر الخبرة والدقة في الإنجاز، والطاعة والانضباط في مواعيد العمل، والاستعداد للبقاء فيه مدة أطول بدون إجازات وقبول التنقل حسب متطلباته.

العمالة المصرية يعتبرها البعض افضل حالا من العمالة السورية التي تتعرض لابشع حالات الاستغلال قد تصل الى الاستعباد كما هو حال السوري علي .

يعمل علي لدى شركة محلية ساعات عمل طويلة تتجاوز عشر ساعات يوميا ،وفي المساء يستغله صاحب العمل لتلبية طلبات عائلته وتنظيف المنزل وبصورة تعجيزية كما يصفها لنا مقابل تامين غرفة له يعيش فيها.

يعمل علي من الساعة السابعة والنصف صباحا لغاية السادسة مساءا كمراسل في شركة وبراتب يصل مئتين وأربعين دينار، وضمن هذا الراتب اقوم بعمل بتنظيف منزل صاحب العمل وتلبية طلبات عائلته ومن دون حساب لي إضافي".

يؤمن صاحب العمل لعلي لي غرفة صغيرة بالتسوية مقابل ذلك يطلبني باي ساعة خلال الليل لتلبية طلباته ، خلال العاصفة الثلجية الاخيرة طلب مني تنظيف الثلج من امام منزله ، كاني يوم عذاب ".

علي كحاله كثيرين من العمال السوريين كما يؤكد لنا،والسكوت عن هذا الوضع مرده الى حاجتهم الى العمل وتامين لقمة العيش لعائلاتهم التي تقطعت بها السبل .

معضلة التصاريح
وتتكرر الشكوى من معضلة التصاريح على لسان عامل الإنشاءات محمد السمري المصري الجنسية والبالغ 35 عاما، والذي يقول انه حضر الى الأردن بعدما ترك عمله في السعودية اثر خلاف مع كفيله هناك.

وايضا يثيرها محمد البدر (40 عاما) وهو عراقي الجنسية، والذي يقول ان كلفة التصريح تفوق استطاعته المالية.

وكما يخبرنا البدر، فهو يحضر الى الاردن ليعمل شهرين او ثلاثة، مستفيدا من فترة الاقامة المسموحة له بحسب تاشيرة الدخول، ثم يغادر ويعود مجددا لتكرار ذات الامر، وكل ذلك حتى يتجنب الاضطرار الى استخراج تصريح.

ووفق تعديلات جديدة اقرتها وزارة العمل، فقد رُفعت قيمة رسوم التصريح في العام الأول من 300 دينار إلى 400 دينار، وفي الثاني إلى 600 دينار، وفي الثالث إلى 800 دينار.

وتقول الوزارة ان هدف هذه الخطوة هو تنظيم سوق العمل واحلال العمالة الأردنية مكان الوافدة لمواجهة البطالة وتحديات سوق العمل في مختلف القطاعات.

ويؤكد وسام الريماوي مدير العمالة المهاجرة في وزارة العمل ان عملية منح التصاريح "لا تتم بسهولة، وذلك حتى لا يتم التلاعب بها من خلال أصحاب الأعمال، أو الإتجار بها من خلال العمال أنفسهم، طبعاً بالتعاون مع صاحب العمل".

ويضيف الريماوي انه للحد من مثل هذه الممارسات، فإن الوزارة تدقق في "مدى حاجة المؤسسة للعمالة، وهذا التشديد يكون سبباً في تفضيل تشغيل الأردنيين".

ووفقا لما يبينه تقرير لمركز تمكين للمساعدة القانونية، فان الثغرات التي تشوب طرق استقدام العمالة فتحت الباب أمام السماسرة لجني ملايين الدنانير مما بات يعرف بتجارة العقود.

وكما يؤكد التقرير، فان هذه التجارة تنشط خصوصا في مجال تصاريح العمل للقطاع الزراعي بسبب سهولة الحصول عليها في ظل الشروط التفضيلية التي يتمتع بها هذا القطاع، وانخفاض رسوم تصاريحه مقارنة مع القطاعات الأخرى.

وتشير احصاءات رسمية الى ان عدد العاملين في الزراعة من الوافدين يتجاوز 80 الفا غالبيتهم الساحقة من المصريين.

اتجار بالبشر
وفي ذات السياق، يشير تقرير اخر اصدره المرصد العمالي الأردني الى وجود شبهة اتجار بالبشر، تمارس على نطاق واسع ويكون ضحاياها في الغالب من عمال الزراعة المصريين.

ويؤكد تقرير المرصد ان نسبة كبيرة من هؤلاء العمال ترزح تحت وطأة ظروف عمل شاقة، كما يلفت الى حالات بيع تصاريح عمل للمصريين بمبالغ مالية تتراوح بين 500 و1000 دينار لتصريح الواحد.

ويعدد التقرير اصنافا من الانتهاكات التي يتعرضون لها ومنها ان اصحاب العمل يشغّلونهم اكثر من 13 ساعة يومياً من دون اجازات اسبوعية، وذلك في مخالفة صريحة لقانون العمل.
وتصف شيرين مازن مديرة برنامج الراصد العمالي الوضع في سوق العمل في ظل هذه الانتهاكات بانه عبارة عن "فوضى" تتحمل مسوؤليتها وزارة العمل.

وتؤكد مازن ان هذه الفوضى سمحت لأرباب العمل بإنتهاك حقوق العمال بشكل صارخ، من خلال إستغلال الثغرات في القوانين الناظمة للعمل في البلاد.

ولا يقف الامر عند هذه الانتهاكات، حيث يرصد تقرير مركز تمكين انتهاكات اخرى بحق العمال الوافدين مثل “حجز جوازات سفرهم وأجورهم، وظروفهم المعيشية الصعبة”.

وينتقد التقرير خصوصا تعليمات تنظيم الدخول والخروج والإجازات والعودة للعمال والتي تشترط إجراء مخالصة بين العامل وصاحب العمل، وموافقة الأخير، وهو الامر الذي “يوقع العمال ضحايا لابتزاز أصحاب العمل".

كما يستهجن تقرير مركز تمكين استثناء العمال الوافدين من الحد الأدنى للأجور الذي رفعته الحكومة إلى 190 ديناراً.

وهذا القرار يشكل بحد ذاته مخالفة صريحة للمواثيق الدولية التي صادق عليها الاردن، ومنها اتفاقية العمل الدولية بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وتشير مديرة مركز تمكين ليندا كلش الى ان الانتهاكات التي يتعرض لها العاملون الوافدون تتخذ في بعض الاحيان اشكالا اشد قسوة وتتمثل في الاعتداءات الجسدية واللفظية والنفسية.

ومن جانبه، يقر المسؤول في وزارة العمل وسام الريماوي بوجود هذه الانتهاكات لكنه اعتبر انها "لا تشكل ظاهرة".

وقال ان معظم هذه الإنتهاكات يتعرض لها الأردنيون ايضا، مؤكدا انه في حال "تقديم أي شكوى للوزارة فإنه لا يوجد تفريق في المعاملة بين العامل الوافد والاردني".

وفيما يؤكد مراقبون ان وضع العمالة الوافدة في الاردن لا يمكن وصفه باقل من انه سئ، الا انهم يحذرون من اتجاهه الى الاسوأ نظرا لعدم جدية الحكومة في وقف الانتهاكات التي يتعرضون لها سواء المخالفون منهم او حملة التصاريح.

لا بل ان مراقبين يذهبون الى ما هو ابعد من وصم الحكومة بالتقاعس عن ردع هذه الانتهاكات، ويتهمونها بالدخول على خط استغلال العمالة الوافدة عبر توظيفها كورقة ضغط سياسية، كما حصل عندما شنت حملة على العمالة المصرية ابان ما عرف بأزمة انقطاع الغاز.

أضف تعليقك