حين بدأنا العمل في راديو البلد وعمان نت في 2000 كنا ندرك أن مهمتنا تتجاوز بث الأخبار أو الموسيقى. كنا نبني فضاءً عامًا يتيح للناس، وبخاصة أولئك الذين لم يكن لهم صوت في الإعلام السائد، أن يُسمعوا. لم تكن الصحافة بالنسبة لنا مجرد مهنة، بل رسالة ومسؤولية تجاه المجتمع. ولهذا، وضعنا لأنفسنا ميثاقًا واضحًا يحدد من نحن، وما نلتزم به، وما نرفضه.
أولوياتنا كانت واضحة: ثقة الناس هي رأس المال الحقيقي لأي مؤسسة إعلامية. لذلك، جعلنا الحقيقة بوصلتنا في كل خبر، ونقلنا الأحداث كما هي، دون تزييف أو تجميل، مع الحرص على الإنصاف والاستماع لجميع الأطراف، وخاصة للفئات الأكثر ضعفًا. لم يكن الإنصاف مبدأً مهنيًا فقط، بل قيمة إنسانية نعيشها يوميًا في عملنا.
الصدق والاستقلالية كانا حجر الأساس. رفضنا أي تضارب مصالح أو محاولات للتأثير على محتوى برامجنا. لم نسمح لأحد أن يشتري ضمائرنا، وظللنا نتمسك بالاستقلال مهما كلف ذلك من خسارة إعلانات أو ضغوط خارجية. وفي الوقت نفسه، وضعنا مبدأ المحاسبة أمام جمهورنا: إذا أخطأنا، نعترف ونعيد التصحيح، وإذا اختلفنا مع مستمع أو قارئ، نستمع ونعيد التفكير. الصحافة بالنسبة لنا حوار مستمر مع الناس، لا مجرد منبر فوقهم.
لم نكن ناقلين للأخبار فحسب، بل صناع فضاء يعكس تنوع مجتمعنا، من شوارع عمان إلى أحيائها، بما فيها البسيط والمعقد من هموم الناس اليومية وفرحهم وغضبهم. 85% من محتوى إذاعتنا ركّز على الشأن المحلي، مع إبقاء أعيننا على ما يحدث في المنطقة والعالم، لأن الأردن جزء من سياق أوسع. وحتى اختيار الموسيقى لم يكن عشوائيًا؛ فقد فضّلنا الأصوات الجديدة والجادة، وابتعدنا عن الإسفاف التجاري، مع الحرص على قيم التسامح والحوار ورفض أي خطاب للكراهية.
في ظل الثورة الرقمية، وجدنا فرصًا جديدة للوصول إلى الناس بطرق لم نكن نحلم بها قبل عقد من الزمن. الأردن مطلع 2025 يضم أكثر من 10.7 مليون مستخدم للإنترنت بنسبة انتشار 92.5%، بينما يشهد يوتيوب 6.45 مليون مستخدم، وفيسبوك 5.45 مليون، وإنستغرام 4.05 مليون، مع نمو ملحوظ أيضًا على لينكدإن ليصل إلى مليونين. هذه البيئة الرقمية المتنامية منحتنا أدوات إضافية لإيصال صوت الفئات المهمشة، سواء عبر المقالات، الفيديوهات، أو البث المباشر، مع الحفاظ على المصداقية والإنصاف كمبدأ أساسي.
الرقمنة لم تكن مجرد تحديث تقني، بل فرصة لإعادة تعريف العلاقة بين الإعلام والمجتمع. فقد أصبح بإمكاننا الوصول مباشرة إلى القرى النائية، إلى الشباب الذين يعانون البطالة أو يشعرون بالعزلة، إلى النساء اللواتي يواجهن تحديات يومية في التعليم والعمل، وإلى الأطفال الذين يحتاجون من يسمع أصواتهم بعيدًا عن السياسة والمناكفات. كل مشاركة، كل تعليق، كل رسالة من مستمع أو قارئ أصبحت جزءًا من الحوار، وأداة لتحسين عملنا اليومي.
الشفافية في التمويل كانت جزءًا لا يتجزأ من التزامنا: جميع مصادرنا، المحلية والدولية، إضافة إلى الإعلانات، خاضعة للمراقبة والمحاسبة. لم نسمح للمال أن يملي علينا محتوى برامجنا، وظللنا نؤمن أن الصحافة الحرة قادرة على تغيير حياة الناس، ولو بقدر بسيط.
الميثاق الذي وضعناه لم يكن وثيقة جامدة على الجدار، بل بوصلتنا اليومية في كل تقرير، كل نشرية، وكل برنامج. هو وعد لنا ولجمهورنا: أن نكون صادقين، مستقلين، وأوفياء لمهمة الإعلام المجتمعي في الأردن، وتمكين كل من لم يُمنح فرصة أن يُسمع صوته.
ومع كل تحدٍ يفرضه العصر الرقمي، ومع كل منصة جديدة تظهر، ظلّ راديو البلد وعمان نت ملتزمين برسالتهم: أن يكون الإعلام أداة للناس، لا أداة عليهم، وأن يخلق مساحة يتساوى فيها الجميع أمام الحقيقة والعدالة. لأن الإعلام المجتمعي، عندما يُمارس بمسؤولية، ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل قوة تغيّر الواقع، تصنع حوارات، وتعيد الثقة بين الناس ومؤسساتهم، وتمنح الفئات المهمشة الأمل في أن صوتها مسموع، وأن وجودها مؤثر.












































