انعقاد القمة العربية — الإسلامية في الدوحة جاء في أعنف ظرف إقليمي منذ سنوات: ضربة إسرائيلية استهدفت مقر قادة حركة حماس في العاصمة القطرية وأثارت سخطاً إقليمياً واسعاً، فهل ستترجم هذه الصدمة إلى قرار عمليّ بتأسيس قوة عربية عسكرية مشتركة قادرة على الردّ وردع أي اعتداء مستقبلي؟
باختصار: احتمال إعادة إثارة فكرة «قوة عربية» حقيقي ومباشر اليوم أكثر من أي وقتٍ منذ 2015، لكن تحويل الخطاب إلى تركيبة قتالية فعّالة ومؤثرة يواجه عقبات تقنية وسياسية عميقة تجعل إقامة قوة شاملة على طراز «ناتو عربي» أمراً صعباً في المدى القريب. (مصادر إخبارية وتقارير تحليلية أظهرت تزايد الدعوات لإحياء الفكرة عقب الهجوم).
العامل التحفيزي واضح: اعتداءٌ على عاصمة عربية سيادة دولة عضو في المجلس العربي أمر استثنائي يثير ردود فعلٍ شعبية وسياسية شديدة ويولّد حاجة ملحّة لردّ جماعي لحماية السيادة والكرامة الإقليمية.
ثانياً، مصر ودول إقليمية أخرى أعادت طرح فكرة قوة إقليمية سريعة التدخل بعد أحداثٍ سابقة (مقترحات مماثلة طُرحت في 2015)، والحدث الراهن أعطى دفعاً سياسياً لاستعادة النقاش وتحريك ملف الأمن الجماعي. أخيراً، الرغبة في إيجاد آليات تعاون عسكري ومخابراتي سريعة للردّ على اختراقات سيادية باتت مطلباً واقعياً للأطراف التي شعرت بأن الردود الدبلوماسية وحدها غير كافية.
الخيارات المطروحة أمام القادة العرب والإسلاميين تتراوح بين قرارات سياسية عاجلة وخطوات أمنية متدرجة وصولاً إلى إحياء مشاريع عسكرية مشتركة. المرجّح أن تبدأ القمة بإدانة سياسية قوية تترافق مع قرارات دبلوماسية رادعة، مثل المقاطعة أو تعليق بعض أشكال التعاون، وهي أدوات اعتاد النظام الرسمي العربي اللجوء إليها في أزمات مماثلة. هذه المسارات تُعطي انطباعاً فورياً بالتماسك وتسمح للعواصم العربية بأن تُظهر موقفاً موحداً أمام الرأي العام.
في الوقت نفسه، يُتوقع أن تُفتح ملفات التنسيق الأمني والاستخباراتي، إذ يمكن إنشاء وحدات أو منصات مشتركة لتبادل المعلومات وتنسيق الإنذار المبكر، مع تسهيل قواعد العبور الجوي والبحري في حالات الطوارئ. مثل هذه الخطوات تبدو أقل تكلفة سياسياً، ويمكن أن تُنفذ بسرعة نسبية إذا توافرت الإرادة السياسية وتقاطعت مصالح الأجهزة الأمنية في الدول المعنية.
أما على الصعيد العسكري الأوسع، فهناك احتمال لإحياء فكرة «القوة العربية السريعة»، لكن بصيغة محدودة لا تصل إلى مستوى جيش موحد كامل. من المرجح أن يُطرح تصور يقوم على تجميع وحدات وطنية من فرق خاصة أو ألوية تدخل سريع أو وحدات بحرية محددة، تشارك فيها بعض الدول العربية بشكل طوعي. هذه الصيغة قد تُعرض كحل وسط بين الطموح السياسي والقدرات الواقعية المتاحة حالياً.
مع ذلك، تواجه أي محاولة لتشكيل قوة فعلية عقبات جوهرية. الخلافات السياسية بين الدول العربية، واختلاف أولوياتها وتحالفاتها الدولية، تجعل الوصول إلى قواعد اشتباك مشتركة أمراً بالغ الصعوبة. يضاف إلى ذلك سؤال القيادة والهيكل القانوني: من سيتولى إدارة هذه القوة؟ وهل ستكون تحت مظلة جامعة الدول العربية أم من خلال إطار جديد؟ ثم تأتي المعضلة المالية واللوجستية، فالتجهيز والتدريب والانتشار يحتاج إلى موارد كبيرة لا تملكها جميع الدول على نفس المستوى. كما أن أي تحرك عسكري جماعي قد يُقابل بتعقيدات دولية، خاصة أن عدداً من الدول العربية يرتبط بعلاقات دفاعية واستخبارية مع قوى كبرى قد تعارض تصعيداً يقود إلى مواجهة إقليمية مفتوحة.
الدروس المستخلصة من الماضي تفرض نفسها هنا. ففي عام 2015 طُرحت مبادرة لتشكيل قوة عربية للتدخل السريع، لكنها سرعان ما واجهت عقبات سياسية ولوجستية عطلت تنفيذها. ذلك المثال يوضح أن الفكرة تتجدد في لحظات الأزمات، لكنها لم تتحول حتى الآن إلى بنية دائمة وفعالة.
السيناريو الأقرب في المرحلة القصيرة يتمثل في قرارات سياسية ودبلوماسية صارمة، مع تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي وإنشاء آلية لوجستية مؤقتة للتعاون العسكري. على المدى المتوسط قد يُعلن إطار تنظيمي لقيادة مشتركة محدودة المهام، تُعنى بحماية البنى التحتية الحيوية أو البعثات الدبلوماسية. أما السيناريو البعيد، المتمثل في إنشاء هيكل دائم على غرار "ناتو عربي"، فيظل أقل احتمالاً في المدى القريب، لأنه يتطلب توافقاً عميقاً وتمويلاً مستداماً وإعادة صياغة للتحالفات الإقليمية والدولية.
في المحصلة، قد تُشكل قمة الدوحة نقطة دفع جديدة لإحياء النقاش حول القوة العربية المشتركة، لكنها لن تؤدي فوراً إلى إنشاء جيش موحد. الأقرب أن يتم التركيز على الردود السياسية والدبلوماسية، إلى جانب تعزيز أدوات الردع غير العسكرية مثل العقوبات والعزلة الدبلوماسية. وفي الأثناء، يمكن أن تُؤسس القمة لبنية تدريجية من التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري المحدود، تمهّد تدريجياً لخطوات أكبر إذا توافرت الظروف السياسية والمالية لاحقاً.












































