
قانون حبس المدين الجديد.. هل يحمي الحقوق دون اللجوء إلى الحبس؟

أثار دخول قانون حبس المدين الجديد لعام 2025 حيز التنفيذ جدلا واسعا في الشارع الأردني، بعد أن أحدث تحولا جذريا في طريقة تعامل المنظومة القانونية مع قضايا الديون، خاصة تلك الناشئة عن التزامات تعاقدية وشخصية.
وبين مؤيد يراه خطوة إنسانية تتماشى مع الاتفاقيات الدولية، ومعارض يعتبره تهديدا لحقوق الدائنين، يبقى النقاش قائما حول فعالية البدائل المطروحة، والقدرة على تحقيق توازن حقيقي بين حماية الحقوق من جهة، ومنع تعسف الحبس من جهة أخرى.
ففي الوقت الذي رحب فيه البعض بإنهاء الحبس كوسيلة ضغط قانونية، يحذر قانونيون واقتصاديون من تداعيات غياب أدوات ردع بديلة فعالة، مؤكدين أن القرار ترك فراغا أثر على الثقة بالمعاملات التجارية، خصوصا بعد فقدان الشيك لقيمته الردعية، وغياب أدوات تنفيذية سريعة وعادلة.
القانون الجديد، المستند إلى التعديلات الصادرة في قانون التنفيذ رقم 9 لعام 2022، ألغى الحبس في قضايا الديون الناتجة عن التزامات مدنية، مع إبقاء الحبس في حالات استثنائية، أبرزها الديون العمالية والإيجارات، فضلاً عن ديون لصالح خزينة الدولة تتجاوز 5 آلاف دينار.
يقول المحامي والمستشار القانوني قصي الشواهين ، في حديثه لـ "عمان نت" ، إن هذا القرار أثار جدلا واسعا في الشارع الأردني، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض، لا سيما أن هناك من يرى في الحبس وسيلة ضغط فعالة لاسترداد الحقوق، مضيفا أن المسألة لها وجهان، فالدائن قد يكون مدينا في قضية أخرى، والعكس صحيح، وبالتالي لا بد من مقاربة متوازنة.
ويوضح أن الهدف من حبس المدين لم يكن العقوبة بحد ذاتها، بل وسيلة ضغط قانونية تحثه على الدفع، مشيرا إلى أنه بمجرد سداد المبلغ، تلغى مذكرة الحبس تلقائيا ولا يعود هناك مبرر لاستمرار توقيفه.
ويؤكد أن إلغاء حبس المدين كإجراء قانوني يتطلب توفير بدائل حقيقية تضمن للدائنين استرداد حقوقهم المالية، محذرا من تداعيات هذا الإلغاء في ظل غياب تلك البدائل الفعالة.
وفيما يتعلق بالبدائل القانونية الموجودة حاليا يوضح بأنها تشمل تقديم طلب منع سفر، والتعميم على الحسابات البنكية، وحتى المحافظ الإلكترونية مثل "زين كاش" و"أورانج موني"، إذ يمكن الحجز عليها كما هو الحال مع الحسابات البنكية، حيث يمكن أن تحتوي على مبالغ تصل إلى 20 ألف دينار، كما يمكن الاستعلام عن الأموال المنقولة وغير المنقولة، مثل العقارات والمركبات، شريطة تسجيل قضية رسمية لإثبات الجدية القانونية.
وفقا لتعديلات القانون حقوق الدائنين بعد التعديلات، على الرغم من تقليص حالات الحبس، إلا أن حقوق الدائنين محمية بموجب القانون الجديد من خلال عدة إجراءات، منها الحجز على أموال المدين، يمكن للدائنين طلب الحجز على أموال المدين وتحديد مواعيد لبيعها لتسوية الدين. ومنع المدين من السفر يحق للدائنين طلب منع المدين من السفر حتى يسدد دينه.
ويرى الشواهين أن تطبيق مفهوم "الإعدام المدني" كما هو معمول به في بعض الدول، مثل حظر امتلاك سيارة أو فتح خط هاتف أو حتى توقيع عقد إيجار، يصطدم بواقع البنية التحتية غير المؤهلة في المملكة، حيث يلجأ بعض المواطنين لتسجيل الممتلكات والخدمات بأسماء أفراد العائلة لتفادي القيود.
استثناءات قانونية لحالات محددة
بموجب القانون الجديد، يمكن حبس المدين فقط في حالات معينة، كالديون العمالية، يمكن حبس المدين إذا كانت الديون تتعلق بالأجور أو الحقوق العمالية، وإيجار العقارات إذا كانت الديون ناشئة عن إيجار العقارات، يمكن اللجوء إلى حبس المدين.
كما حددت التعديلات مدة حبس المدين لتكون 60 يوما كحد أقصى في السنة الواحدة عن دين واحد، وإذا كان المدين مدينا لأكثر من دائن، لا تتجاوز مدة الحبس في السنة 120 يوما، وذلك بهدف حماية المدينين من التأثيرات السلبية الكبيرة التي قد تترتب على الحبس المطول.
ويشير الشواهين إلى أن القانون الحالي يستثني من إلغاء الحبس قضايا مثل عقود العمل والإيجارات، وكذلك الديون التي تتجاوز قيمتها 5,000 دينار لصالح خزينة الدولة، وقضايا التعويض المالي الناتجة عن شكاوى جزائية إذا تجاوزت المبلغ ذاته.
ويقول العامل يعتبر الطرف الأضعف في العلاقة التعاقدية، لذلك أُبقي الحبس قائما في حالة عدم دفع الأجور العمالية، حتى لو كانت المبالغ بسيطة، مؤكدا أن هذه الحماية ضرورية لضمان العدالة الاجتماعية.
مشكلة الشيكات بعد رفع الحماية الجزائية
مع دخول التعديلات على قانون حبس المدين حيز التنفيذ، لا يزال الجدل قائما بين التجار والقطاعات الاقتصادية حول تداعيات هذه التعديلات على الحركة التجارية، وخصوصا في ما يتعلق بالبيع الآجل والدفع بالتقسيط، ويرى أسعد القواسمي، عضو غرفة تجارة عمان والمستثمر في قطاع الألبسة، أن القانون الجديد جاء منقوصا ولم يعالج الثغرات التي تؤرق التجار.
ويشير القواسمي إلى أن الشيك، الذي كان يستخدم كوسيلة لتوثيق الدين وفرض التزام أخلاقي وقانوني على المدين، فقد اليوم قيمته الردعية بعد أن أزيلت عنه الصفة العقابية، موضحا أن أساس التعامل التجاري يجب أن يكون مبنيا على الثقة والوفاء، لكن في الواقع كان الشيك يلعب دور الضمان والردع في حالة التلاعب أو التهرب، واليوم لم يعد له هذا الدور.
ويؤكد الشواهين ما تحدث به القواسمي بأن قرار رفع الحماية الجزائية عن الشيكات، والتي كانت في السابق تتيح الحبس والغرامة في حال صدورها دون رصيد، شكل ضربة إضافية للتجار الذين يعتمدون بشكل كبير على الشيكات كوسيلة لضمان الحقوق المالية، موضحا أن الشيك اليوم أصبح بمثابة الكمبيالة، دون أي حماية جزائية مهما كانت قيمته.
ويضيف إلى أن التحذيرات بخصوص هذا التغيير نشرت منذ ثلاث سنوات، داعيا التجار إلى عدم الاعتماد على الشيكات كوسيلة وحيدة لضمان مستحقاتهم، واللجوء للتعامل النقدي أو العقود الموثقة.
تأثير سلبي على العلاقات التجارية والاجتماعية
وينتقد القواسمي الفراغ الناتج عن التعديل، قائلا إن التنفيذ القضائي أصبح بطيئا، مما ساهم في ضياع حقوق كثير من التجار، خاصة من لديهم مطالبات متراكمة منذ سنوات.
القانون لم يغط كافة الجوانب ولم يقدم بدائل واضحة، فالتأخر في التحصيل وعدم وجود وسائل ردع فعالة دفع بعض التجار لفقدان الثقة الكاملة بالشيكات كأداة تجارية.بحسب القواسمي.
ويرى القواسمي أن إلغاء حبس المدين أثر سلبا على العلاقات التجارية والاجتماعية على حد سواء، فالعملية لم تعد فقط اقتصادية، بل امتدت إلى خلافات اجتماعية، فالتصادم بين الدائن والمدين صار أكثر حدة، وحدثت قطيعة بين أقارب وأصدقاء نتيجة التهرب من السداد.
ويضيف أن التجار باتوا أكثر حذرا في البيع الآجل، مما قلل من حجم التعاملات، وأثر على دوران عجلة الاقتصاد والاستثمار في الأسواق، خصوصا في ظل تقلبات اقتصادية لا يمكن التنبؤ بها.
ويشدد القواسمي على أن المطلوب ليس العودة إلى الحبس، بل تقديم بدائل رادعة وفعالة تحمي حقوق الدائنين وتعزز من جدية الشيكات، مقترحا مجموعة من الإجراءات منها، منع السفر للمدينين المتخلفين عن السداد، منع إصدار رخص القيادة أو الاستيراد أو ممارسة بعض الأنشطة التجارية، فرض قيود على التعامل المالي والمصرفي للمتخلفين، بالاضافة إلى تعزيز قاعدة بيانات موحدة لمرتجعي الشيكات لمنعهم من إصدار دفاتر شيكات جديدة أو فتح مؤسسات بأسماء أخرى.
ويؤكد أن وجود هذه العقوبات سيساهم في إعادة الاعتبار لقيمة الشيك، ويجعل المدين يتحمل مسؤولية توقيعه، بدلا من أن يتحصن خلف قانون لا يحمله أي تبعات حقيقية.
ويرى القواسمي أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ستكون الأكثر تضررا من القانون الجديد، لأنها غالبا ما تبني تعاملاتها على الثقة لا على الاستشارات القانونية، معتبرا أن هذه المؤسسات لا تملك محامين أو مستشارين قانونيين يرشدونها إلى طرق التحصيل البديلة، لذا فهي عرضة لمخاطر أكبر، وقد يؤثر ذلك على نموها واستمرارها في السوق."
ويضيف أن كثيرا من هذه المؤسسات لم تكن مستعدة لتبعات القانون رغم الإعلان عنه منذ أكثر من عام ونصف، وهو ما يجعلها في وضع حرج عند تعثر الزبائن عن السداد.
تأثير القرار على الحركة الاقتصادية
يطرح الاقتصاديون تساؤلات جوهرية حول تأثير هذا القرار على الحركة الاقتصادية في الأردن، وسلوك الأطراف في المعاملات المالية، ومستقبل الثقة في أدوات الدفع والائتمان، وخاصة في ظل الاعتماد الواسع على الشيكات المؤجلة كوسيلة تمويل غير رسمية.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي والأكاديمي في جامعة اليرموك، الدكتور قاسم الحموري، أن إلغاء حبس المدين قد يحدث تحولا جذريا في طبيعة العلاقات الاقتصادية، ويسهم في إعادة تنظيم المعاملات بين الأفراد والتجار بشكل أكثر عقلانية وواقعية.
ويؤكد الحموري أن الاستخدام الواسع للشيكات في الأردن خرج عن نطاقه الطبيعي، إذ تحولت من أداة دفع فورية إلى وسيلة تمويل مؤجلة، تستخدم في معاملات تجارية تعتمد على الثقة وليس الضمانات، موضحا أن أصل الشيك هو وسيلة دفع، لا تختلف عن الدفع النقدي أو بالبطاقات، ولكن في الأردن أصبح يستخدم لشراء البضائع مقابل دفعات مستقبلية، وهو ما فتح الباب أمام سوء الاستخدام والاحتيال.
ويشير إلى أن بعض الأشخاص استغلوا هذا الوضع، حيث يحصلون على البضائع أو الأموال ثم يتخلفون عن سداد الشيكات، خاصة إذا لم يكن الحبس واردا كوسيلة ضغط ، مضيفا حتى حين كان الحبس قائما، لم يكن دائمًا أداة فعالة، لأن بعض المدينين لم يكونوا يبالون بدخول السجن، مما جعل تحصيل الحقوق أكثر تعقيدا.
ويرى الحموري أن إلغاء حبس المدين قد يشكل صحوة لجميع الأطراف، سواء التجار أو المقرضين، ويدفعهم لإعادة النظر في طرق تعاملهم، متوقعا أن تتراجع المعاملات المبنية على الدين والشيكات، ويتحول السوق تدريجيا إلى مبدأ "ادفع تحصل"، مما يعزز الانضباط المالي ويقلل من حالات التعثر والمماطلة.
هذا وأوقف القانون الجديد بشكل نهائي حبس المدينين في القضايا المدنية، وهو ما ترتب عليه إصدار نحو 95 ألف مذكرة كف طلب وإفراج عن أشخاص كانوا محبوسين أو مطلوبين على خلفية مطالبات مالية.
ومن أحد أبرز التعديلات في القانون هو تحديد الحالات التي يمكن فيها اللجوء إلى حبس المدين، وتقليص مدة الحبس المقررة، كما أن القانون يتيح الآن لبعض المدينين خيارات أخرى، مثل العقوبات المجتمعية أو المراقبة الإلكترونية، بدلا من الحبس.
ويمكن للدائنين تحصيل ديونهم دون الاعتماد على الحبس، من خلال منع المدين من السفر، أو الحجز على أموال المدين وذلك لمنع هروبه بمال الدائنين، أو الحجز التنفيذي وهذا الحجز يقع على أموال المدين، كي يتم بيعها بالمزاد العلني ليتم استيفاء الديون التي ترتبت بذمته للدائنين، أو شهر إعسار المدين وذلك عبر تعيين وكيل إعسار مهمته تتضمن بإدارة أموال المدين ووفاء الديون، أو حجز مال المدين المتواجد لدى الغير.