في ظل تصاعد خطاب الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الأخيرة، تتجدد المطالبات بضرورة رفع مستوى الوعي القانوني لدى المواطنين، خصوصا مع تزايد منشورات تلامس السلم المجتمعي وتمس الأمن الوطني تحت غطاء حرية التعبير باعتباره ليس مطلقا ويخضع لضوابط قانونية.
المادة 15 من الدستور تنص على أن تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعبر عن رأيه بحرية بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير، على أن لا يتجاوز حدود القانون.
وتبين هذه المادة أن حرية التعبير ليست مطلقة، بل يجب أن تراعي النظام العام والآداب العامة وحقوق الآخرين، وهو ما يشكل الإطار القانوني لضبط الممارسات على وسائل التواصل، بحسب قانونين.
ومن جانبها تحذر وحدة الجرائم الالكترونية التابعة لمديرية الأمن العام من انتشار مفهوم جديد، هو خطاب الكراهية وإثارة النعرات الطائفية والدينية المختلفة من خلال الوسائل الإلكترونية الاجتماعية، مؤكدة أنها تتصدى لهذا الخطاب.
مديرة مركز وعي لحقوق الإنسان، المحامية تغريد الدغمي في حديثها لـ "عمان نت"، تؤكد أن حرية التعبير، وإن كانت حقا أساسيا مكفولا في القوانين الوطنية والمعايير الدولية، إلا أنها ليست حقا مطلقا، بل تخضع لضوابط وشروط تتعلق باحترام حقوق الآخرين وسمعتهم، وحماية الأمن القومي والنظام العام والصحة والآداب العامة.
وتوضح الدغمي إن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ بالتعدي على حرية الآخرين أو بالإساءة إليهم، وإذا تحولت حرية التعبير إلى وسيلة لانتهاك هذه المبادئ، نكون أمام سلوك يصنف قانونيا كجريمة تمس السلم المجتمعي، وقد يرقى إلى خطاب كراهية يهدد الأمن الوطني.
ما هو خطاب الكراهية؟
رغم عدم وجود تعريف صريح لخطاب الكراهية في القوانين المعمول بها محليا، إلا أن الفهم القانوني المتعارف عليه دوليا بحسب الدغمي أن هناك فهما متعارفا عليه، يتمثل في استخدام لغة هجومية أو ازدرائية تجاه فرد أو جماعة على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو الجنسية أو التوجه السياسي أو الهوية، سواء بالنشر أو الحديث أو التصرف.
وتضيف أن هذا النوع من الخطاب، خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، قد يتحول إلى أداة تحريض وعنف ضد فئات معينة، مما يخل بالسلم المجتمعي.
وتبين الدغمي أهمية التعايش السلمي، مشيرة إلى أن المجتمع الأردني يتميز بالتنوع الديني والثقافي والاجتماعي، ويضم مسلمين ومسيحيين، شركس وشيشان، بدوا وحضرا، إضافة إلى وجود لاجئين ومهاجرين، وتقول إن أي خطاب يهدد هذا التنوع ويثير الانقسام، يعد خطرا مباشرا على التماسك الاجتماعي.
نصوص قانونية تجرم خطاب الكراهية
تتنوع القوانين التي تتعامل مع خطاب الكراهية والتمييز من أبرزها قانون الجرائم الإلكترونية رقم 17 لسنة 2023، حيث تشير المادة 15 إلى أنه تعاقب كل من يقوم بقول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الإقليمية أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات، بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، أو الغرامة، أو كلتيهما.
أما المادة 17 تجرم نشر أو إعادة نشر أو ترويج أي محتوى إلكتروني من شأنه تهديد الأمن القومي أو السلم المجتمعي، وتفرض عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة قد تصل إلى 50 ألف دينار، وتشدد العقوبة إذا أدى النشر إلى العنف أو التحريض عليه.
وقانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته بحسب المادة 150 تعاقب كل كتابة أو خطاب يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف، بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية.
وتجرم المادة 278 إهانة الشعور الديني، وتعاقب كل من ينشر أو يقول ما من شأنه المساس بالشعور الديني أو التحريض على الطائفية أو ازدراء الأديان.
من المسؤول أمام القانون؟
تشير الدغمي إلى أن المسؤولية القانونية لا تسقط بسبب الجهل بالنصوص، حين يقوم شخص بنشر محتوى مسيء على الإنترنت، لا يمكنه الادعاء بأنه لم يكن يعلم أن ذلك يشكل جريمة، القانون لا يعفي أحدا من المسؤولية بسبب عدم المعرفة.
كما توضح أن الإجراءات القانونية تختلف بحسب طبيعة المخالفة، ففي حالات الإساءة الشخصية، يحق للمتضرر التقدم بشكوى مباشرة، أما في القضايا التي تمس المصلحة العامة أو تنطوي على تحريض عام، فيجوز للنيابة العامة التحرك من تلقاء نفسها دون شكوى شخصية.
وحول كيفية تجنب الوقوع في المخالفات، توضح الدغمي أن من حق كل فرد اعتناق ما يشاء من أفكار، لكن التعبير عنها يجب أن يتم ضمن حدود القانون، مشيرة إلى أن الالتزام بالضوابط هو السبيل الوحيد لحماية الأفراد من المساءلة.
وتدعو إلى ضرورة تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، لنشر التوعية القانونية، خاصة في أوساط الشباب الأكثر تفاعلا على المنصات الرقمية، مؤكدة أهمية التعاون مع الإعلام الوطني في إيصال الرسائل القانونية بلغة واضحة وسهلة.
ومع هذا الواقع، يطلق مركز وعي للتدريب على حقوق الإنسان، ضمن مشروع "صوت السلام"، فيديو توعويا يشرح النصوص القانونية التي تجرم خطاب الكراهية والنشر الذي يهدد التماسك الاجتماعي، في محاولة لتوجيه الجمهور نحو الاستخدام المسؤول للفضاء الرقمي.












































