في أعقاب سنواتٍ من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وما رافقها من صمت دولي مطبق، يجد المجتمع المدني في الأردن نفسه أمام تحدٍ مزدوج: كيف يعيد بناء ثقته بنفسه وبأهدافه؟ وكيف يستعيد المواطن ثقته بالقيم الأساسية لحقوق الإنسان والحريات؟
منذ حرب الابادة على غزة، وما تلاها من تسييس وانتقائية في منظومة حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي زاد تحديات استقلالية مؤسسات المجتمع المدني في مواجهة ربط المساعدات بالاشتراطات ووقف أو تقليص المنح من بعض الجهات المانحة.
في هذا السياق الإقليمي والدولي المضطرب، تصبح استقلالية المجتمع المدني ضرورة حقيقية، لا رفاهية يمكن تأجيلها. إذ بدون مؤسسات مدنية مستقلة وقوية، يصعب تحقيق أي تقدم في حماية الحقوق أو تعزيز المشاركة المجتمعية.
تواجه مؤسسات المجتمع المدني في الأردن ضغوطًا متعددة، أهمها الاعتماد على التمويل الخارجي. هذا الواقع يضعف استقلاليتها ويحد من قدرتها على التأثير المحلي.
ومن هنا، تأتي أهمية الرؤية التي طرحها داود كتاب، مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي، خلال ملتقى "همم" السنوي، حين دعا إلى ربط عمل هذه المؤسسات مباشرة بخدمة المجتمع المحلي والدفاع عن مصالحه. هذا النهج يعزز مصداقية المؤسسات ويعيد ثقة الناس بها، ويمنحها القدرة على التأثير في صنع القرار الفعلي.
إعادة بناء الثقة تبدأ من الداخل. استقلالية المجتمع المدني تعني منح المنظمات مساحة للعمل بحرية، بعيدًا عن التدخلات السياسية أو الضغوط الخارجية، مع دعم حكومي يسهل عملها لا يقيّده. المجتمع المدني المستقل هو الحارس الحقيقي للحريات والحقوق، القادر على مراقبة الأداء الحكومي والمطالبة بحقوق المواطنين، حتى في غياب دعم دولي فعال.
ولا يكتمل هذا المسار دون نهج تثقيفي يعزز قيم المواطنة الفاعلة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية. المدارس والجامعات ووسائل الإعلام جميعها قادرة على لعب دور محوري في غرس هذه القيم، وإقناع المواطنين بأن أصواتهم مهمة، وأن التغيير ممكن حتى في أصعب الظروف.
أن ترميم المجتمع المدني في الأردن ليس خيارًا تكميليًا، بل ضرورة استراتيجية لبناء وطن يثق فيه المواطنون بأن حقوقهم محمية، وأن أصواتهم مسموعة.
تتطلب استعادة الثقة بعد فقدانها شجاعة المؤسسات، واستقلالية المجتمع المدني، ورؤية واضحة من الدولة، ومشاركة حقيقية من المواطنين. فقط المجتمع الذي يثق بنفسه وبقيمه هو القادر على مواجهة التحديات وتحويل الإحباط إلى طاقة إيجابية لبناء مستقبل أكثر عدالة وكرامة.












































