منذ السابع من أكتوبر 2023، تتعرض غزة لمذبحة غير مسبوقة، حيث أزهق الإحتلال الإسرائيلي أرواح أكثر من 195 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وجرى تهجير مئات الآلاف تحت حصار خانق وفقدان للماء والغذاء والدواء.
هذه الجرائم التي وثقتها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لا تُعد مجرد انتهاكات حقوقية، بل تندرج تحت إطار الإبادة الجماعية.
ومع ذلك، يواصل الاتحاد الأوروبي سياسة الصمت والتلكؤ، متراجعًا عن اتخاذ أي خطوات عقابية فعلية رغم موقعه كشريك اقتصادي وسياسي وثاني مزود رئيسي لإسرائيل بالأسلحة.
إن استمرار الصمت الأوروبي يمنح إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة جرائمها، وهو موقف وصفته منظمة العفو الدولية بأنه "خيانة قاسية وغير مشروعة"، ويضع الاتحاد الأوروبي في موقع الشريك غير المباشر في هذه الإبادة الجماعية.
الأرقام تتحدث بوضوح؛ فالتبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل يصل إلى نحو 40 مليار يورو سنويًا، منها 20 مليار يورو صادرات إسرائيلية إلى الاتحاد، و20 مليار يورو واردات أوروبية إلى إسرائيل. فرض عقوبات تجارية حقيقية، بدءًا بحظر واردات منتجات المستوطنات الإسرائيلية، ووقف جميع أشكال التعاون البحثي والتعليمية مثل "إيراسموس بلس" و"هورايزون"، سيشكل ضغطًا اقتصاديًا وقانونيًا هائلًا على إسرائيل.
لا يقتصر الأمر على العقوبات الاقتصادية فقط؛ بل يجب أن يشمل الاتحاد الأوروبي تعليق اتفاقية الشراكة بالكامل، تجميد التأشيرات لمسؤولي الدولة الإسرائيليين، ووقف تصدير الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، بما في ذلك معدات المراقبة المتقدمة التي تستخدم لقمع المدنيين.
الأهم من ذلك، هو تفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، بما يضمن عدم إفلات أي مسؤول من العقاب، بمن فيهم مجرم الحرب نتنياهو، الذي يتحمل مسؤولية مباشرة عن هذه الجرائم.
استمرار التلكؤ الأوروبي (رغم الحراك الشعبي في أوروبا) لا يضر الفلسطينيين فقط، بل يضع الاتحاد الأوروبي نفسه تحت طائلة المسؤولية القانونية والأخلاقية.
الإتحاد أمام مفترق طرق: إما أن يثبت التزامه بالقيم التي تأسس عليها، ويصبح قوة ضاغطة حقيقية لإنهاء الانتهاكات وفرض القانون الدولي، أو أن يتحول إلى شريك في الإبادة الجماعية من خلال صمته وتقاعسه.
لطالما حافظت أوروبا على حضور قوي في الشرق الأوسط، ممولة مؤتمرات وتدريبات ومؤسسات حقوق الإنسان.
ومع ذلك، نادرًا ما تتحول هذه المشاركة المستمرة إلى إجراءات فعلية عند مواجهة الفظائع المنهجية التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
الفجوة بين الخطاب والدور الفعلي تكشف عن تناقض مقلق: فالدعم المالي والمؤسسي موجود، لكن الإجراءات الحاسمة لمواجهة الإبادة المستمرة غائبة بشكل واضح.
الوقت ليس متاحًا للمناورات السياسية؛ على الاتحاد الأوروبي أن يتحرك الآن بجرأة ووضوح وبإجراءات عملية، فالضحايا الفلسطينيون لا يستطيعون الانتظار، وكل يوم تأخير هو مشاركة ضمنية في الجرائم المستمرة.












































