من “عمان نت” إلى “راديو البلد”.. خمسة وعشرون عاماً من الإعلام المجتمعي الحر في الأردن

الرابط المختصر

في  الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2000، انطلقت من قلب العاصمة الأردنية عمّان شرارة أول تجربة عربية في الإعلام المجتمعي والرقمي مع تأسيس “عمان نت”؛ أول إذاعة إلكترونية تبث برامجها عبر الإنترنت، في وقتٍ لم يكن فيه الإعلام الرقمي قد عرف طريقه بعد إلى المنطقة.

كانت “عمان نت” آنذاك فكرة جريئة تتجاوز المألوف؛ إذ لم تكتفِ ببث الأخبار، بل قدمت محتوى إذاعيًا متكاملاً بالنص والصوت والصورة، عبر موقعها الإلكتروني www.ammannet.net، لتصبح أول منصة إعلامية أردنية وعربية تقدم محتوى تفاعليًا متعدد الوسائط على الإنترنت. ومع اتساع قاعدة جمهورها داخل الأردن وخارجه، باتت من أبرز مصادر المعلومات والتفاعل الصحفي في البلاد، واضعةً حجر الأساس لتجربة إعلامية مستقلة ومجتمعية غير مسبوقة في المنطقة.

وفي الثاني من تموز/يوليو عام 2005، دخلت “عمان نت” مرحلة جديدة من التطور حين بدأت بثها الإذاعي على موجة 92.4FM في عمان الكبرى، بعد صدور قرار حكومي بالسماح بإنشاء إذاعات خاصة في المملكة. وبعد أشهر قليلة، تم ترخيص برامجها الإخبارية رسميًا في أيلول من العام ذاته، قبل أن يتغير التردد لاحقًا إلى 92.5FM.
ومع بداية عام 2008، تحوّل الاسم إلى “راديو البلد”، المستوحى من روح “وسط البلد” في عمّان، حيث تلتقي قصص الناس اليومية وتتعانق الثقافات. أما “عمان نت” فبقي الاسم الذي يحمل هوية الموقع الإخباري الإلكتروني.

منذ انطلاقتها، تبنّت شبكة الإعلام المجتمعي – التي تضم “عمان نت” و”راديو البلد” – مبادئ واضحة لا تحيد عنها: الصدق، الاستقلالية، والإنصاف. فقد أدرك القائمون عليها أن ثقة الناس هي رأس المال الحقيقي لأي وسيلة إعلامية، وأن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية.
كانت الحقيقة بوصلتها في كل خبر، والإنصاف ميزانها في كل قضية. لم تخضع للضغوط السياسية أو الاقتصادية، ورفضت أي تضارب مصالح قد يمس محتواها، واضعة جمهورها في مركز عملية المحاسبة والتقييم الذاتي.

لم تكن “راديو البلد” مجرد إذاعة تنقل الأخبار، بل فضاءً عامًا يعكس تنوع المجتمع الأردني بأصواته ولهجاته وقضاياه اليومية. أكثر من 85% من محتواها ركّز على الشأن المحلي، من أحياء العاصمة إلى القرى البعيدة، ومن قصص الناس البسطاء إلى النقاشات الكبرى حول الحريات وحقوق الإنسان والتنمية.
واختارت الإذاعة منذ البداية موسيقاها بعناية؛ أصوات جديدة تعبّر عن روح المكان، بعيدًا عن الإسفاف التجاري، وبروح منفتحة على قيم الحوار والتسامح، ورفض كل أشكال خطاب الكراهية.

ومع التحولات الرقمية الهائلة في العقدين الأخيرين، استطاعت “عمان نت” و”راديو البلد” أن تواكبا العصر دون أن تفقدا جوهرهما المجتمعي.
فالأردن اليوم – مطلع عام 2025 – يضم أكثر من 10.7 مليون مستخدم للإنترنت بنسبة انتشار تبلغ 92.5%، ويشهد نشاطًا متزايدًا على المنصات الاجتماعية: 6.45 مليون مستخدم لليوتيوب، و5.45 مليون للفيسبوك، و4.05 مليون للإنستغرام، إضافة إلى مليوني مستخدم للينكدإن.
في هذه البيئة الرقمية المتسارعة، وسّعت شبكة الإعلام المجتمعي أدواتها لتصل إلى جمهورها عبر الفيديوهات والبودكاست والبث المباشر والمقالات التفاعلية، محافظةً في الوقت نفسه على جوهرها الإنساني: أن تكون صوت المجتمع، صوت الناس والبلد.

اليوم، وبعد خمسةٍ وعشرين عاماً من الريادة والتجديد، تواصل “عمان نت” و”راديو البلد” رحلتهما كمنبر للإعلام المستقل والمسؤول، وتجسد رؤيتهما في أن الإعلام لا يصنع فقط الخبر، بل يصنع الفارق في حياة الناس.