ترى المحررة الأولى في "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية – أريج" فرح الجلاد، أن الحرب على غزة كسرت كلالمقاييس التي عرفها الصحفيون سابقًا.
فالحروب التي اعتادوا أن تمتد أسبوعًا أوأسبوعين تحوّلت هذه المرّة إلى حرب مفتوحة تجاوزت العامين، وفي أيامها الأولى وحدها سقط ستة صحفيين. وأحد الصحفيين اضطر إلى خلع سترته التي تحمل شعار "صحافة" لأنها لم تعد قادرة على حمايته، بل أصبحت علامة تُسهّل استهدافه.
وتؤكد أن واجب الصحفيين كان أن يكونوا جزءًا حيًّا من الرواية الفلسطينية، وأن ينقلوا الحقيقة كما هي، بدل انتظار انتهاء العاصفة.
وفي ديسمبر، نسّقت الزميلة هدى عثمان مع الزميل فراس الطويل، وبدأ العمل المنهجي على تتبّع حالات استهداف الصحفيين وجمع الأدلة، لتباشر بعدها بإنشاء قاعدة بيانات مخصصة لهذا الغرض. ومع ازدياد وتيرة القتل يومًا بعد يوم، وصل العدد اليوم إلى ما لا يقل عن 256 صحفيًا، وفق نقابةالصحفيين ووكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وعملت الجلاد على بناء قاعدة بيانات دقيقة تُحدّد هوية كل صحفي وطبيعة استهدافه، سواء كان عبر طائرة مسيّرة أو قذيفة دبابة أو قصف مباشر، إضافة إلى توثيق ما إذا كان الاستهداف وقع خلال التغطيةالميدانية أو داخل المنزل. ومع مرور الوقت، بات واضحًا أن الاستهداف ممنهج؛ إذ صار بعض الصحفيين يخلعون ستراتهم فور الانتهاء من التغطية، بينما امتنع آخرون عن زيارة عائلاتهم خوفًا من أن تُقصف منازلهم. وفي الاستبيانات
التي جُمعت عنهم، تحدّث معظمهم عن نزوح متكرر، وتعرّض للاستهداف أكثر من مرة، وعمّا فقدوه من عائلات كاملة.
وفي سياق جمع الشهادات، بحث الفريق عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتواصل مع أقارب الصحفيين، وقرأ شهاداتهم، واستمع إلى قصص "موجعة" لم يكن من الممكن توثيقها كلها.
وتنقّلوا بين شوارع غزة عبر خرائط جوجل ومقاطع الفيديو التي صوّرها الصحفيون قبل استهدافهم، حتى باتت ملامح الأحياء وتفاصيل الشوارع محفورة في ذاكرتهم من خلال عدساتهم. وتلفت الجلاد إنه رغم ادعاء الجيش الإسرائيلي أنه لا يتعمّد استهداف الصحفيين، وثّقت المواد المتاحة قصف مكتب قناة فضائية أثناء بث مباشر. ومع كل عائق، كان الفريق يواصل البحث عن منفذ للوصول إلى الحقيقة؛ فعندما رفضت إحدى المؤسسات تزويدهم بصور الأقمار الصناعية، حصلوا عليها من جهة أخرى.
وتتطرّق فرح إلى استهداف مؤسس "بيت الصحافة" ومن بعده العاملين فيه؛ أحدهم استُهدف أثناء محاولته النزوح بسيارته، وبعد بحث طويل بين الشهود تتبّع الفريق تفاصيل ما حدث.
لاحقًا، استُهدف مبنى "بيت الصحافة" نفسه بالدبابات، في رسالة واضحة تهدف إلى إسكات الصوت الصحفي وترهيب من بقي.
وتشير فرح إلى أن العمل على التحقيق كان مرهقًا نفسيًا، لكن معاناة الفريق لا تُقارن بالثمن الذي يدفعه من يعيشون الحرب.وقد وثّق التحقيق الساعات الأخيرة من حياة الصحفيين سعيد الطويل ومحمد صبح وهشام النواجحة، الذين قُتلوا في الأيام الأولى للعدوان.
ومع مرور عام على بدء الحرب، تواصل الاستهداف، ومن بين الضحايا فادي الوحيدي الذي قُتل أثناء تغطيته حركة النزوح في الصفطاوي. كما وثّقوا ست حالات استهداف لصحفيين يستخدمون الطائرات المسيّرة، قتل خمس منها الصحفيون ونجا واحد فقط.
وتؤكد الجلاد أن هناك مؤشرات واضحة على إفلات إسرائيل من العقاب، فالمحكمة الجنائية الدولية عاجزة عن فتح تحقيق طالما أن إسرائيل تدّعي فتح تحقيقات داخلية -وهي ذريعة تكرر استخدامها-.
يضاف إلى ذلك تصنيف المؤسسات الداعمة للصحفيين كـ"مؤسسات إرهابية"، ووصف الصحفيين أنفسهم بأنهم "إرهابيون". قائلةً "في فلسطين، يُقتل القانون الدولي كل يوم".
ولا يتوقف الأمر عند استهداف الصحفيين؛إذ يتعرّض العاملون في القطاع الصحي للتعذيب والاعتقال رغم حمايتهم بموجب القانون الدولي، وقد اعتُقل المئات منهم خلال الحرب، ولا يزال أكثر من 160 من الكوادر الطبية رهن الاعتقال حتى الآن.











































