المتعطلون عن العمل..مطالب لم تتحقق ووعود لم تنفّذ
المتعطلون عن العمل في المحافظات
مطالب لم تتحقق ووعود لم تنفّذ
تحقيق: روان نخلة، إنفوغرافيك: بيان حبيب.
من مسيرة المتعطلين من معان إلى الديوان الملكي في عمّان، شباط 2019
عندما أعلن رئيس الوزراء السابق، عمر الرزاز، في السابع عشر من آذار الماضي عن تفعيل قانون الدفاع "لحماية الصحة العامة" في مواجهة وباء كورونا، كان قد مضى اليوم السادس عشر بعد المائة من اعتصام عشرات المتعطلين عن العمل من أبناء حي الطفايلة في عمّان، بالقرب من الديوان الملكي، للمطالبة بتوفير فرص عمل لهم.
مساء اليوم نفسه، أعلن المعتصمون من أبناء الحي عن تعليق اعتصامهم "نظرًا لما يشهده الوطن من حالة طوارئ"، بحسب البيان الصادر عنهم، ووجهوا رسالة إلى وزير العمل مفادها أنهم سيستأنفون الاعتصام حال انتهاء هذه الحالة، و"حتى تحققوا ما كفله الدستور لنا".
كان هذا آخر يوم في سلسلة اعتصامات مفتوحة أقيمت على مدار أشهر من العامين الماضي والحالي، نظّمها وشارك فيها مئات المتعطلين عن العمل ممّن خرجوا في مسِيرات راجلة من خمس محافظات هي: العقبة، ومعان، والكرك، والطفيلة، والمفرق، بالإضافة إلى لواء ذيبان وحي الطفايلة، قاصدين الديوان الملكي في العاصمة، للمطالبة بتوفير وظائف لهم في القطاع العام وفرص عمل لائقة تؤمن لهم حياة كريمة؛ فتوفر لهم دخلا كافيا وأمانًا وظيفيا وتأمينا صحيا واشتراكا في الضمان الاجتماعي، عازمين على الاعتصام حتى تحقيق هذه المطالب.
أما البداية، فكانت في التاسع من شباط عام 2019، عندما انطلق من محافظة الطفيلة رجل أربعيني يحمل شهادة الدكتوراه ويدعى فلاح العريني، في مسيرة راجلة إلى الديوان الملكي في عمّان للمطالبة بتعيينه مدرّسا جامعيا، "الفكرة الرئيسية للمسيرة كانت المطالبة بالعدالة، عدالة التعيين بالجامعات"، يقول العريني.
يوثق هذا التقرير تلك المسيرات والاعتصامات، بالإضافة إلى المفاوضات التي حدثت بين بعض الجهات الرسمية -سعيا منها لإنهاء الاعتصامات- واللجان الممثلة للمتعطلين عن العمل في كل محافظة، وما انبثق عن ذلك من اتفاقيات في بعض الحالات، كما يتحقق التقرير من مدى تنفيذ الوعود التي تلقاها المعتصمون بتوفير فرص عمل لائقة لهم.
ومن خلال مقابلة 54 شخصًا ممّن شاركوا في المسيرات الراجلة والاعتصامات المفتوحة، يبين التقرير أن معظم التعهدات والوعود الشفهية من رئاسة الديوان الملكي، ووزارة العمل، بتوفير فرص عمل للمعتصمين، لم تنفّذ بعد تعليق الاعتصامات وعودة المتعطلين إلى محافظاتهم. وينسحب الأمر على معظم الاتفاقيات المكتوبة بين المتعطلين من جهة، ونوابٍ ووجهاء عشائر من جهة أخرى.
كما يثبت التقرير أن جلّ فرص العمل التي تم توفيرها، لم تحقق الشروط التي طالب المعتصمون بها، ولا ضمان فيها للاستقرار الوظيفي، إذ كانت العقود محددة المدة، والرواتب مساوية أو قريبة من الحد الأدنى للأجور، وبدون تأمينات صحية.
تقدمت معدّة التقرير بطلب للحصول على معلومات إلى وزارة العمل لمعرفة عدد فرص العمل والوظائف ونوعها التي تم تأمينها للمعتصمين -من مختلف المحافظات- بالقرب من الديوان الملكي، لكن الوزارة رفضت الرد على الطلب دون تعليل أو ذكر أسباب الرفض. إلا أنها زودتها بعدد فرص العمل التي تم توفيرها عموما من قبل مديريات وأقسام التشغيل في كافة المحافظات خلال عام 2019.
كما تقدمت معدة التقرير بطلب للحصول على معلومات إلى رئاسة الديوان الملكي للاستفسار حول الوظائف التي ساهم الديوان في تأمينها للمعتصمين، لكن رئاسة الديوان لم تردّ على الطلب.
وبعد التقدم بشكوى إلى مجلس المعلومات -الذي يتولى النظر في الشكاوى المقدمة من طالبي الحصول على المعلومات- حول رفض الديوان والوزارة الرد على الطلبات، جاء رد المجلس بـ"عدم وجود مصلحة أو سبب مشروع لطلب المعلومات".
العريني: "أنا أريد العدالة"
في التاسع من شباط عام 2019 انطلق فلاح العريني، برفقة أبنائه وبناته الاثني عشر، من لواء بصيرا في محافظة الطفيلة، في مسيرة راجلة إلى الديوان الملكي، للمطالبة بتعيينه مدرّسا جامعيا، إذ يحمل العريني شهادة الدكتوراه في القانون التجاري منذ عام 2014، بالإضافة إلى شهادتي بكالوريوس في القانون، والجيولوجيا، لكنه يعمل معلّما مدرسيّا في وزارة التربية والتعليم منذ عام 1998.
يعيل العريني 15 فردا؛ اثنا عشر من الأبناء والبنات من زوجتين، بالإضافة إلى والدته، ويتقاضى راتبا قدره 475 دينارًا، يدفع منه 280 دينارا إيجار منزلين، و104 دنانير قسطا لـ"سكن كريم"، ولا يكاد المبلغ المتبقي يكفي حاجات أسرته الأساسية.
حاول العريني مرارًا الحصول على عمل كعضوٍ في هيئة تدريس في جامعات أردنية، ومنها محاولةٌ قبل نهاية عام 2018، لكن دون جدوى، ما دفعه للخروج في المسيرة إلى الديوان، من أجل إيصال رسالة للملك كما يقول، "أنا أريد العدالة (..) ما دام في ناس أقل كفاءة مني تعينت، فالتعيين وقتها أصبح حق إلي".
استمر العريني بالمسير رغم تقلب أحوال الطقس وهطول الأمطار أحيانا، حتى قطع مسافة 70 كلم تقريبا برفقة أبنائه، "أبنائي بعانوا أكثر مني، وهم المعنيين أكثر مني بالطلعة، لإنهم أصحاب هذا الحق"، يقول العريني.
وبعد ستة أيام من المسير، التقى العريني بالنائب -حينها- حسن السعود في منطقة فريفرا على الطريق الصحراوي، وتعهّد له بحل مشكلته وتعيينه في إحدى الجامعات، كما يقول العريني، مضيفا: "بناء على تعهد النائب رجعت". وفي آذار 2019 بدأ العريني بتدريس إحدى المواد بدوام جزئي في الجناح العسكري بجامعة مؤتة، واستمر ذلك لمدة شهر ونصف فقط، ثم انقطع تواصله مع السعود رغم محاولاته للتواصل معه ولقائه، يقول العريني إن تعيينه جاء "لكسب الرأي العام، إنه هينا أعطينا العريني مادة (يدرّسها)".
من جهته، يشير النائب السعود أنّ مساهمته في إيقاف مسيرة العريني جاءت من منطلقٍ إنساني خاصة في الظروف الجويّة الصعبة تلك الأيام، مؤكدا أنّه لم يتعهد بتعيينه لأن ذلك يعتبر تجاوزا على القانون ونظام التعيين في الجامعات، موضحا: "قلتله أنا بوعدك إنه أي جامعة من الجامعات بتطلب هذا التخصص نساعدك إنك تمضي قُدماً وتقدم زيك زي غيرك وتنافس وتوخذ حقك الشرعي (..) لكن الآن أنا بشكل عاجل بحكي مع زملائي في مؤتة إنه يعطوك بارت تايم 6 ساعات أو 3 ساعات (..) هيك حلينا جزء من المشكلة".
واصل العريني احتجاجه، فاستقال من وزارة التربية والتعليم في آذار الماضي، يقول العريني إن استقالته جاءت كرسالة للاحتجاج، "أنا قدمت استقالتي اعتراضًا واحتجاجًا على الظروف المأساوية اللي قاعد بمر فيها، غيري أخذ حقي، اللي معه واسطة بتعيّن، واللي ما معه راحت عليه".
إلا أنّه وبعد حوالي أربعة أشهر، في شهر تموز الماضي، تراجع عن استقالته وعاد إلى عمله في وزارة التربية والتعليم، بعد تقديمه استدعاءً لوزير التربية والتعليم للعودة للعمل، لتعثره اقتصاديًا.
قبل يوم واحد من رجوع العريني وإعلانه إنهاءَ مسيرته والعودة إلى الطفيلة، انطلقت مسيرة راجلة لمتعطلين عن العمل من محافظة العقبة باتجاه الديوان الملكي في 14 شباط 2019، تبعها مسيرات راجلة لمئات المتعطلين من عدّة محافظات على امتداد المملكة.
(اضغط على الروابط أدناه لقراءة التفاصيل في كل منطقة على حدة)
- لم يتسنّ توثيق أوضاع المتعطلين من لواء ذيبان لأسباب تتعلق بالمتعطلين.
- أنتج هذا التقرير بالتعاون مع منظمة صحافيون من أجل حقوق الإنسان (JHR).