أعادت حادثة وفاة طفلة في السادسة من عمرها في إحدى مناطق البادية الشمالية إلى الواجهة قضية العنف الأسري ضد الأطفال في الأردن، بعد أن فارقت الطفلة الحياة نتيجة تعرضها للضرب داخل منزلها.
التحقيقات الأولية وتقارير الطب الشرعي تؤكد أن الضرب كان سبب الوفاة، فيما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على والدها الذي اعترف بالفعل، وأُحيل إلى القضاء بتهمة القتل القصد، وفق الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام.
هذه المأساة، التي أثارت موجة غضب واسعة في الشارع الأردني، ليست الحادثة الوحيدة، إذ تشير منظمات حقوق الإنسان إلى تكرار روايات مشابهة تعكس وجود العنف الأسري ضد الأطفال.
وأظهرت دراسة أخيرة بين اليونيسف والمجلس الوطني لشؤون الأسرة أن أكثر من 50٪ من الأطفال تعرضوا للعنف الجسدي من قبل أولياء أمورهم أو معلميهم أو أشقائهم.
حسب التقرير ذاته، نحو 16.2٪ من الأطفال في الأردن يعانون من الإهمال، سواء على المستوى المادي أو النفسي.
من جهة البلاغات الرسمية، ورد في تقرير أن 58.7٪ من الحالات التي استقبلها قسم حماية الأسرة تتعلق بعنف جسدي.
المادة 62 في دائرة الجدل
مديرة الإعلام والمناصرة في مؤسسة إنقاذ الطفل، نادين النمري، تؤكد أن وقوع الحادثة في يوم عالمي مخصص للوقاية من إساءة معاملة الأطفال والذي يصادف يوم غد الخمبس يحمل دلالة موجعة، ويعيد التأكيد على الحاجة الملحة لمراجعة المادة 62 من قانون العقوبات الأردني، التي تتيح للوالدين تأديب أبنائهم ضمن ما يجيزه العرف العام.
وتشير النمري إلى أن جهود المطالبة بإلغاء المادة أو تعديلها ليست جديدة، وأنها تأتي بعد سلسلة قضايا انتهى بعضها بوفاة أطفال، أو بإفلات الجناة من العقاب بسبب إسقاط الحق الشخصي، بخلاف ما يحدث في قضايا الجرائم الجنسية التي لا يسقط فيها الادعاء العام الحق العام.
وترى النمري أن تكرار الجرائم التي تنتهي بموت أطفال يجب أن يفرض إجراءات تشريعية عاجلة تعزز حماية الطفل وتمنع الإفلات من العقاب.
وتنص المادة 62 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960، بعد التعديلات، على أن الأفعال المصرح بها بموجب القانون لا تعتبر جرائم، كما يجيز القانون للوالدين ممارسة أنواع التأديب تجاه أبنائهم بما لا يتسبب في إيذائهم أو إلحاق ضرر بهم، وفقاً لما يقره العرف العام.
من جانبه يصف الخبير في مجال حماية الأطفال والأسرة الدكتور سيد عادل الرطروط هذه الحادثة بأنها خبر بالغ الحزن وخيبة أمل كبيرة لجميع العاملين في مجال حماية الطفل، مضيا أن وفاة طفلة بهذا الشكل القاسي تحدث أثرا نفسيا سلبيا مضاعفا، نظرا لكون الضحية عاجزة تماما عن حماية نفسها أو الدفاع عنها.
يشدد الرطروط على ضرورة مواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية الخاصة بحقوق الطفل، مشددا على أهمية وجود آليات رقابية صارمة على الجهات المنفذة، مثل مراكز الإصلاح والقضاء والشرطة، لضمان تطبيق العدالة وحماية الأطفال من جميع أشكال العنف.
إحصاءات العنف ضد الأطفال مقلقة
على الرغم من اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على حق الأطفال في الحماية من العنف، إن مليار طفل يتعرضون إلى نوع من العنف العاطفي أو البدني أو الجنسي كل عام، ويموت طفل واحد من العنف كل خمس دقائق.
وفي الأردن تحديدا، تقدر نسبة السكان دون الثامنة عشر من العمر بأكثر من 40 %، أي ما يزيد عن4.221 مليون طفل.
منظمات حقوقية محلية ودولية تطالب بإلغاء المادة 62 أو تعديلها لتشديد العقوبات على العنف الذي يفضي إلى إصابة أو وفاة وإنهاء إمكانية استخدام “العرف العام” مبررا.
ويشير الرطروط إلى أن الاعتداء بالضرب على الأطفال جريمة واضحة مهما كانت المبررات، مؤكدا أن إحالة الأب إلى القضاء خطوة صحيحة وأن القضاء الأردني عادل وسينزل العقوبة المستحقة، لكن وبرغم المسار القانوني، يعتبر الرطروط أن الحادثة تمثل انتكاسة مؤلمة لمنظومة التدخلات الوطنية الهادفة لمكافحة العنف ضد الأطفال.
ويشدد على وجود ثلاث قواعد أساسية في منظومة حماية الطفل لا يمكن التهاون معها، وهي أنه لا شيء يبرر ضرب الأطفال مهما كانت الظروف، وأن العنف يؤدي دائما إلى أذى فعلي أو محتمل على صحة الطفل وبقائه، المسؤول عن العنف هو المعتدي وليس الطفل الذي لا يتحمل أي مسؤولية عن ضغوط الأسرة أو أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية.
وفيما يتعلق بدوافع العنف، يوضح الرطروط أن جميع الأسباب التي تساق عادة سواء الغضب أو الضغط النفسي أو الظروف الاقتصادية أو النزاعات الأسرية لا تخرج عن إطار محاولة التبرير والتهرب من المسؤولية، مشيرا إلى أن الأطفال، باعتبارهم الأضعف في مواجهة الأزمات، غالبا ما يدفعون ثمن الانفعالات والمشكلات داخل الأسرة.
وعن التشريعات الخاصة بحماية الطفل، يؤكد أن القوانين والتعليمات موجودة بقوة وتوفر نصوصا واضحة تلزم بالتبليغ عن أي حالة عنف قبل أن تتفاقم أو تصل إلى حد الوفاة، لكن المشكلة تكمن بحسب الرطروط في عدم الإبلاغ من قبل أشخاص كانوا يعلمون أو يشكون بوجود إساءة، ولم يتوجهوا للجهات المختصة.
ويبين أن القانون يلزم كل من يطلع على حالة إساءة بحكم عمله أو مرافقته للطفل بالتبليغ المبكر، وفي مقدمة الجهات المختصة إدارة حماية الأسرة، إلا أن ما يحدث في كثير من الأحيان هو وجود صمت داخل الأطر الأسرية والاجتماعية، وهو صمت وصفه الرطروط بأنه صمت محرم أدى إلى وفاة الطفلة، مؤكدا أنه لا يجوز بأي حال تجاهل العنف أو محاولة حلّه داخل البيت أو تغطيته.
ويحذر من خطورة هذا الصمت القاتل الذي يودي بحياة الأطفال، مشددا على أن المجتمع لا يجب أن ينتظر وقوع وفاة أخرى حتى يتحرك. فكم من أشخاص سمعوا أو شاهدوا مؤشرات على وجود إساءة، لكنهم لأسباب تتعلق بالخوف أو الجهل أو الرغبة في التستر لم يتقدموا ببلاغ.
ويوجه الرطروط رسالة واضحة للمجتمع، داعيا جميع الأهالي والمهنيين والمعلمين والجيران وكل من يختلط بالأطفال إلى الإبلاغ الفوري عن أي حالة إساءة يتعرض لها أي طفل. كما شدد على ضرورة تكثيف التوعية والإرشاد من الجهات المختصة، وعدم التراخي أمام أي مؤشر على احتمال وجود عنف، “لأن مستقبل الأطفال هو مسؤوليتنا جميعا.
وكانت الحكومة قد قانون حقوق الطفل رقم (17) لسنة 2022، الذي جاء استجابة للتعديلات الدستورية التي أكدت حماية الطفولة، ولتعزيز حماية الأطفال ورعايتهم من خلال إيجاد تشريع ينظم العلاقة وينسق بين الجهات العامة والأهلية والخاصة المعنية بالطفل.












































