هل تشكل الاعترافات الدولية بفلسطين مرحلة جديدة في تعزيز مكانتها القانونية والسياسية ؟

الرابط المختصر

في ظل تصاعد المواقف الدولية المؤيدة للقضية الفلسطينية، برز البيان المشترك الذي شارك فيه الأردن مؤخرا الذي يدعوا فيه المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي الإنساني بوصفه محطة سياسية وقانونية هامة، إذ يتزامن مع موجة متصاعدة من الاعترافات بدولة فلسطين، الأمر الذي يعيد القضية إلى واجهة الاهتمام العالمي بعد سنوات من الجمود، بحسب خبراء سياسيين.

هذا الإعلان تزامن مع اعتراف بريطانيا وأستراليا وكندا رسميا بدولة فلسطين، في وقت تستعد فيه البرتغال لاتخاذ القرار ذاته، مما يفتح الباب أمام تحولات سياسية وقانونية قد يكون لها أثر مباشر على المشهد الدولي.

 ويؤكد خبراء سياسيون أن هذه الاعترافات الأخيرة جاءت في وقت حرج يشهد استمرار الحرب على غزة وتفاقم الأزمة الإنسانية، مما جعلها تحمل دلالات سياسية بالإضافة إلى بعدها القانوني.

أستاذ القانون الدولي العام وحقوق الإنسان، الدكتور أيمن هلسة، في حديثه لـ"عمان نت"، يوضح أن البيان الدولي المشترك الذي شارك فيه الأردن يحمل أهمية قانونية وسياسية بالغة، إذ يتزامن مع الموجة الأخيرة من الاعترافات بدولة فلسطين ويساهم في تعزيزها، ويرى أن هذا البيان من الناحية القانونية لا يعدو كونه تأكيدا على واقع قانوني قائم منذ البداية، وهو الاعتراف بدولة فلسطين وترسيخ حل الدولتين.

ويضيف هلسة أن الإعلان استثمر الزخم الذي أحدثته الاعترافات الأخيرة ليشكل وسيلة ضغط ويوسع نطاقها، خاصة أن الاعترافات جاءت على مراحل متتالية، بدأت من دول الجنوب، ثم انتقلت إلى أوروبا الغربية، وصولا إلى دول "الأنجلوسفير" مثل بريطانيا وكندا وأستراليا، وهو ما يمثل تحولا مهما جدا قد يشجع دولا أخرى على الاعتراف بفلسطين، ويزيد الضغط على دولة الاحتلال في ظل عجز مجلس الأمن عن إصدار قرارات ملزمة.

 

 

تصريحات دولية داعمة

 

أعلن وزير خارجية البرتغال أن اعتراف بلاده بفلسطين يتماشى مع مبادئ حقوق الإنسان وحل الدولتين باعتباره الطريق العادل والدائم للسلام.

اما المملكة المتحدة فتؤكد حكومتها أنها ستعترف بدولة فلسطين إذا لم تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة مثل وقف العمليات العسكرية في غزة والالتزام بمسار سياسي نحو حل الدولتين.

وصرح رئيس وزراء كندا مارك كارني أن الاعتراف جاء نتيجة تقييم مفاده أن مسار المفاوضات لم يعد كافيا، وأن استمرار الوضع القائم يهدد إمكانية تحقيق السلام.

فيما شدد الرئيس رئيس دولة فرنسا إيمانويل ماكرون على ضرورة تحرك بلاده نحو الاعتراف بفلسطين، وربط ذلك بخطة سيتم طرحها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

الأبعاد القانونية والسياسية

يشير هلسة إلى أن الهدف الأساسي من هذه الاعترافات هو تثبيت مرجعية القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، إضافة إلى آراء محكمة العدل الدولية، كما يوضح أن هذه الاعترافات تمثل استراتيجية جديدة لاتخاذ إجراءات أكثر فاعلية ضد الاحتلال، وهو ما تدعمه تقارير لجان خبراء في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

ويرى أن الاحتلال تواجه صعوبة في مجابهة هذه المبادرات، إذ تتحمل كلفة دبلوماسية واقتصادية متزايدة، سواء عبر استدعاء السفراء وتقديم الاحتجاجات، أو عبر تصاعد المقاطعة لمنتجات المستوطنات في عدد من الدول، مشيرًا إلى أن العالم وصل إلى مرحلة يسعى فيها بكل الوسائل المتاحة إلى وقف الحرب على غزة.

من جانبه يؤكد المحلل السياسي الدكتور بدر ماضي أن موجة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية يمكن أن تذهب إلى ما هو أبعد من المواقف السياسية التقليدية.

ويضيف أن ترجمة هذه الاعترافات إلى خطوات عملية ما تزال مرهونة بالمسار القانوني في مجلس الأمن، مشيرا إلى أن استخدام الولايات المتحدة لحق النقض "الفيتو" يشكل عقبة رئيسية أمام أي قرار أممي ملزم، مشددا  في الوقت نفسه على أن التراكم الدبلوماسي والسياسي للاعترافات الدولية سيفرض في المستقبل واقعا قانونيا جديدا قد يجبر واشنطن وتل أبيب على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

 

 

انعكاسات الاعترافات على فلسطين والمجتمع الدولي

جاء أول اعتراف رسمي بفلسطين كدولة من السويد عام 1974 بعد إعلان منظمة التحرير الفلسطينية  أنها تمثل الشعب الفلسطيني، وتلتها دول أوروبية وعربية تدريجا، مما يمثل خطوة مهمة نحو كسب الشرعية الدولية لفكرة الدولة الفلسطينية، قبل أن تحظى فلسطين بعضوية الأمم المتحدة لاحقا كدولة مراقب غير عضو في 2012.

يبين هلسة أن عدد الدول المعترفة بفلسطين وصل إلى نحو 160 دولة من أصل 193 عضوا في الأمم المتحدة، إلا أن الاعتراف في القانون الدولي ليس شرطا لوجود الدولة، حيث يكفي أن تمتلك أرضا وشعبا وحكومة ، موضحا أن الاعتراف يمثل بمثابة وثيقة رسمية تسهل عمل الدولة في المجتمع الدولي، سواء عبر إنشاء الموانئ والمطارات أو الانضمام للاتفاقيات الدولية.

ويؤكد أن الاعترافات الأخيرة تهدف أساسا إلى الضغط على الاحتلال وإضعاف حججها القانونية الواهية التي طالما رددتها، مثل الادعاء بأن الأراضي الفلسطينية متنازع عليها، مشددا على أن الاعترافات الدولية تثبت أن هذه الأراضي محتلة وليست محل نزاع.

يوضح هلسة بأن تصريح وزير الخارجية الأمريكي بان أعطى إسرائيل ضوءا أخضر لفرض السيادة في الضفة الغربية، تعكس تبنيا للرواية الإسرائيلية، لكنها لا تملك أي أساس قانوني، إذ تبقى إسرائيل قوة احتلال ملزمة بالانسحاب عاجلا أو آجلا، ويرى أن مثل هذه المحاولات تمثل تحريفا للواقع والقانون، قد تنجح في خداع الرأي العام عبر الخطاب السياسي، لكنها لا تصمد أمام التفسير القانوني الدقيق.

 هذه التطورات بحسب سياسيين تظهر أن الاعترافات بدولة فلسطين لم تعد محصورة بدول الجنوب أو بعض الدول الأوروبية، بل باتت تشمل قوى غربية مؤثرة، وهو ما يعزز من مكانة فلسطين في المجتمع الدولي ويضاعف الضغط على إسرائيل،  وفي الوقت الذي يحاول فيه الحلف الأمريكي الإسرائيلي التمسك بروايات سياسية لا سند لها في القانون الدولي، يواصل المجتمع الدولي الدفع باتجاه ترسيخ المرجعيات القانونية والإنسانية، بما يفتح الباب أمام تحولات قد تغير ملامح التوازنات في الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى.