في ظل تكرار حوادث العنف التي يتعرض لها أطفال داخل نطاق الأسرة، والتي كان اخرها حادثة وفاة طفلة تبلغ من العمر ست سنوات في إحدى مناطق البادية الشمالية، إثر تعرضها لضرب داخل منزلها ، تتجدد الدعوات حول أهمية التوعية المجتمعية حدود التأديب المشروع المنصوص عليه قانونا، والمسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية لكل من يطلع أو يشهد مؤشرات إساءة للأطفال.
هذه الجريمة وقعت قبل يوم واحد من اليوم العالمي لحقوق الطفل والذي يصادف في الـ 20 من شهر تشرين الثاني من كل عام، مما ساهم في زيادة التحذيرات من إساءة الأطفال داخل الأسرة، خاصة أن مثل هذه الحوادث ليست معزولة، بل تتكرر على مستوى المجتمع الواحد.
الإطار القانوني وإجراءات الإبلاغ
على الرغم من أن الأردن يمتلك إطارا تشريعيا لحماية الطفل، من خلال قانون العقوبات الأردني وقانون حقوق الطفل رقم 17 لسنة 2022، إلا أن خبراء حقوقيين يؤكدون أن جدار الصمت في المجتمع، وخوف البعض من الإبلاغ، ما زالا يشكلان عائقا أمام التصدي الكامل لهذه الانتهاكات.
تنص المادتان 62 و328 من قانون العقوبات على حدود قانونية للتأديب والعقاب، حيث تتيح المادة 62 التأديب الخفيف الذي لا يترك أثرا أو يضر نفسيا أو جسديا
يوضح المحامي والمستشار القانوني قصي الشواهين أن هذه المادة لا تبرر العنف، بل تدعم التربية البسيطة، وأن أي تجاوز يتحول إلى جريمة جنائية كبيرة، وقد تؤدي إلى محاكمة وفق المادة 328 إذا كان هناك ضرب مفرط أو تعذيب متكرر.
وتصل العقوبة بحسب الشواهين في حالات العنف المتكرر أو التسبب بتشويه الطفل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، وقد تصل حتى إلى الإعدام إذا ثبت وجود نية قتل أو تشويه دائم خاصة إذا كان المعتدي أحد الأقارب المقربين.
وفيما يخص إجراءات التبليغ يشدد الشواهين على أن الجهات مثل الأسرة، المستشفيات، المدارس، والمراكز الصحية ملزمة قانونا بالإبلاغ عن أي اعتداء على الأطفال، مع ضمان سرية المبلغ.
يوجد في القانون الأردني آليات واضحة للإبلاغ، يمكن الاتصال برقم 911 لتحويل القضية إلى إدارة حماية الأسرة، كما تشارك مؤسسات التنمية الاجتماعية والمراكز الصحية، إلى جانب منظمات المجتمع المدني والدولي في متابعة البلاغات.
يؤكد الخبراء أن الإبلاغ حتى إذا كان عن حالة اشتباه وليس عن تأكيد كامل، هو واجب قانوني وأخلاقي، وأن التغطية على الاعتداء أو الصمت عنه يمثلان خرقا خطيرا أما البلاغات الكاذبة فتعامل كجريمة إذا صدرت بسوء نية.
تحذيرات من الصمت المجتمعي
وعن التشريعات الخاصة بحماية الطفل، يؤكد الخبير في مجال حماية الأطفال والأسرة الدكتور سيد عادل الرطروط أن القوانين والتعليمات موجودة بقوة وتوفر نصوصا واضحة تلزم بالتبليغ عن أي حالة عنف قبل أن تتفاقم أو تصل إلى حد الوفاة، لكن المشكلة تكمن بحسب الرطروط في عدم الإبلاغ من قبل أشخاص كانوا يعلمون أو يشكون بوجود إساءة، ولم يتوجهوا للجهات المختصة.
ويبين أن القانون يلزم كل من يطلع على حالة إساءة بحكم عمله أو مرافقته للطفل بالتبليغ المبكر، وفي مقدمة الجهات المختصة إدارة حماية الأسرة، إلا أن ما يحدث في كثير من الأحيان هو وجود صمت داخل الأطر الأسرية والاجتماعية، وهو صمت وصفه الرطروط بأنه صمت محرم أدى إلى وفاة الطفلة، مؤكدا أنه لا يجوز بأي حال تجاهل العنف أو محاولة حلّه داخل البيت أو تغطيته.
ويقول الشواهين إن التشريعات المعمول بها كافية لحماية الأطفال، وكذلك الرقابة الدولية، لكن الوعي المجتمعي ما زال غير كاف، مشيرا إلى أن الجريمة البشعة التي ارتكبها أحد الأشخاص بحق ابنته لم يكن للمواد القانونية تأثير عليها، بل كانت نتيجة فقدان الضمير والعاطفة الإنسانية، مؤكدا أهمية نشر الوعي لتعزيز حماية الأطفال في المجتمع.
من جانبه يحذر الرطروط من خطورة هذا الصمت القاتل الذي يودي بحياة الأطفال، مشددا على أن المجتمع لا يجب أن ينتظر وقوع وفاة أخرى حتى يتحرك. فكم من أشخاص سمعوا أو شاهدوا مؤشرات على وجود إساءة، لكنهم لأسباب تتعلق بالخوف أو الجهل أو الرغبة في التستر لم يتقدموا ببلاغ.
ويوجه الرطروط رسالة واضحة للمجتمع، داعيا جميع الأهالي والمهنيين والمعلمين والجيران وكل من يختلط بالأطفال إلى الإبلاغ الفوري عن أي حالة إساءة يتعرض لها أي طفل، كما يشدد على ضرورة تكثيف التوعية والإرشاد من الجهات المختصة، وعدم التراخي أمام أي مؤشر على احتمال وجود عنف، لأن مستقبل الأطفال هو مسؤوليتنا جميعا.
هذا وينص قانون حقوق الطفل رقم 17 لسنة 2022 على أن للطفل الحق في الحماية من كافة أشكال العنف أو الإساءة أو الإهمال مادة 20.
كما أن القانون يفرض التزاما بالتبليغ، حيث تنص المادة 21 كل من يعلم بإساءة تجاه طفل من مقدمي الخدمات التعليمية أو الصحية أو غيرهم يجب أن يبلغ الجهات المختصة، أما المادة 22 يكفل القانون للبلاغين التبليغ الآمن لا يجوز الإفصاح عن هوية من قام بالتبليغ بحسن نية .












































