
لماذا يجب أن تكون هناك معايير واضحة لاختيار الوزراء وخروجهم من الحكومة الأردنية؟

في كل مرة يُعلَن فيها عن تعديل وزاري جديد في الأردن، تتجدد التساؤلات الشعبية والنخبوية حول آلية اختيار الوزراء: لماذا فلان؟ ولماذا خرج علّان؟ ولماذا يُعاد تدوير بعض الأسماء رغم الانتقادات الواسعة؟
هذه التساؤلات تكشف خللاً هيكليًا مستمرًا في طريقة إدارة ملف التشكيلات الوزارية، حيث يغلب منطق العلاقات الشخصية والاعتبارات غير المؤسسية على منطق الكفاءة والإنجاز والتقييم العلمي.
من حيث المبدأ، يُفترض أن الوزير في أي دولة هو موظف عام بدرجة رفيعة، يُختار بناءً على معايير واضحة تتعلق بخبرته في القطاع المعني، رؤيته الإصلاحية، قدرته على الإدارة الاستراتيجية، وتاريخه المهني والأخلاقي.
كما يُفترض أن خروجه من الحكومة يكون أيضًا بناءً على معايير تقييم أداء معلنة، تقيس الإنجازات والإخفاقات وفق برامج زمنية ومؤشرات أداء محددة.
لكن في الواقع الأردني، كما في معظم الدول النامية، يبدو المشهد مختلفًا تمامًا؛ إذ تُحسم الأسماء عادة في دوائر ضيقة خلف الأبواب المغلقة، حيث تلعب الاعتبارات الاجتماعية والعلاقات الشخصية والتوازنات الجهوية دورًا لا يقل أهمية – وأحيانًا يفوق – عن الكفاءة والجدارة.
إن وضع معايير واضحة لاختيار الوزراء ليس ترفًا إداريًا بل ضرورة وطنية لإعادة الاعتبار للثقة بين المواطن والدولة، ولضمان أن يكون التغيير الوزاري خطوة إلى الأمام لا مجرد استعراض سياسي.
من هذه المعايير أن يكون الوزير صاحب اختصاص وخبرة عملية حقيقية، بحيث عمل لسنوات طويلة في القطاع الذي سيقوده، سواء في مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص أو المجتمع المدني، فيصبح ملمًا بالتفاصيل وواعياً للتحديات.
إضافة إلى ذلك، يجب أن يمتلك رؤية إصلاحية قابلة للقياس، بحيث يقدم برنامجًا معلنًا يتضمن أهدافًا زمنية ومؤشرات أداء محددة تُطرح للرأي العام وتصبح مرجعًا لتقييم أدائه لاحقًا.
ولا يقل أهمية عن ذلك أن تكون سيرته المهنية والشخصية نظيفة وخالية من شبهات الفساد أو المخالفات الأخلاقية، وأن يُعرف عنه الانضباط وروح العمل الجماعي. كذلك يُعد امتلاك الوزير القدرة على التواصل والإقناع شرطًا أساسيًا، فهو ليس موظفًا مكتبيًا فحسب، بل يمثل واجهة الحكومة أمام الإعلام والبرلمان والمواطنين، لذا لا بد أن يتحلى بمهارات حوار وإدارة نقاش مع مختلف الأطراف بروح إيجابية ومسؤولة.
إن خروج الوزراء من الحكومة لا يقل أهمية عن دخولهم. فخروج وزير يجب أن يكون نتيجة تقييم موضوعي: هل نفّذ ما وعد به؟ هل تحسّن القطاع في عهده؟ هل كانت قراراته رشيدة ومدروسة؟ لا يجوز أن تكون الإقالة مكافأة سياسية أو نتيجة خلاف شخصي، تمامًا كما لا يجوز أن يكون البقاء في المنصب مرتبطًا برضا شخصيات نافذة أو بصداقات عابرة.
غياب معايير الخروج يُنتج ظاهرتين سلبيتين:الأولى، إعادة تدوير نفس الأسماء في أكثر من حكومة رغم غياب الإنجاز الملموس، وهو ما يُفقد الشارع الثقة في أي حديث عن إصلاح.الثانية، تصفية الحسابات داخل الحكومات أو بينها وبين مؤسسات أخرى، ما يحوّل التعديل الوزاري من أداة إصلاح إلى ساحة صراع مصالح.
يمكن معالجة هذا الخلل عبر إنشاء وحدة مستقلة أو لجنة وطنية لتقييم أداء الوزراء، تكون مرتبطة برئاسة الحكومة أو الأحرى بمجلس الأمة في الدول التي تعتمد على البرلمان في اختيار الحكومات، وتعمل وفق معايير شفافة تعلن نتائجها للرأي العام بشكل دوري.
ويُفترض أن يعتمد التقييم على مؤشرات كمية ونوعية، مثل نسب النمو في القطاع، معدلات البطالة، جودة الخدمات المقدمة، نسبة تنفيذ البرنامج الوزاري، إضافة إلى استطلاعات رأي تقيس مستوى رضا المواطنين والمتعاملين مع الوزارة.
إن إصلاح آلية اختيار الوزراء أو إقالتهم يجب ألا يُنظر إليه باعتباره إجراءً إدارياً معزولاً، بل جزءًا من إصلاح سياسي أوسع: نظام حزبي ناضج يفرز حكومات حزبية وبرامج واضحة؛ دور أقوى لمجلس النواب في مراقبة الأداء الوزاري؛ إعلام مستقل يسلط الضوء على الإخفاقات والنجاحات؛ وقبل ذلك كله، ثقافة مجتمعية تُقدّر الكفاءة والإنجاز على حساب الواسطة والعلاقات.
في بلد يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة كالأردن، لم يعد من المقبول الاستمرار في إدارة الحكومات بطريقة ارتجالية قائمة على العلاقات والتوازنات الضيقة. المطلوب اليوم معايير واضحة، شفافة، ومعلنة لاختيار الوزراء وخروجهم، تردّ الاعتبار لفكرة العمل العام كمسؤولية وطنية لا مكافأة شخصية، وتعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة على أسس الكفاءة والإنجاز لا الأسماء والألقاب.
ولا ننسى أن الإصلاح السياسي دائما قوة ومنعة لأي دولة وهو بوابة الإصلاح الاقتصادي.