في توقيت بالغ الحساسية استضافت العاصمة القطرية الدوحة قمة طارئة عربية إسلامية، شدد بيانها الختامي على ضرورة توحيد الصفوف لمواجهة أي تهديد يمس سيادة الدول واستقرارها، وأدان البيان الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، داعيا إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ووقف محاولاتها فرض واقع جديد في المنطقة.
في وقت يتساءل فيه خبراء سياسيون حول مدى استعداد الدول العربية، وفي مقدمتها الأردن، لترجمة هذه المواقف إلى خطوات عملية، في ظل سجل طويل من البيانات القوية التي غالبا ما بقيت دون تنفيذ.
تاريخيا، بحسب سياسيين تظهر البيانات الختامية للقمم العربية السابقة مواقف قوية، لكنها تبقى بلا خطوات تنفيذية موحدة، مما يعكس التحدي المزمن في تحويل البيانات السياسية إلى إجراءات عملية.
هذه القمة تأتي بعد سلسلة من الاجتماعات الطارئة العربية والإسلامية التي عقدت منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من من ش أكتوبر عام 2023 بعد أحداث عملية طوفان الأقصى.
آثار وتطبيقات البيان الختامي لقمة الدوحة
البيان الختامي للقمة يؤكد إدانته القاطعة للممارسات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، معتبرا إياها خرقا صارخا للقانون الدولي، وداعيا المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته، كما يشير إلى ضرورة مراجعة العلاقات مع إسرائيل، في تصعيد ملحوظ في الخطاب العربي.
الملك عبد الله الثاني وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني شددا على مركزية القضية الفلسطينية ورفض أي محاولات لفرض الأمر الواقع على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وحول إحتمالات ترجمة الدعوة إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل على أرض الواقع، يوضح المحلل السياسي بدر ماضي في حديثه لـ "عمان نتط أن ذلك يحتاج إلى قرار عربي موحد، معتبرا أن دولة واحدة، مهما كان حجمها أو وزنها، لا تستطيع أن تقود بمفردها عملية إعادة تقييم للعلاقات مع طرف يمتلك بعدا إقليميا أو دوليا، لأن الانفراد بهذا القرار قد يضع الدولة المتخذة له في موقع الخاسر سياسيا أو دبلوماسيا.
لذلك يشير ماضي إلى ضرورة بلورة موقف عربي جماعي ينسق الخطوات ويحدد توقيت ومضمون أي مراجعة للعلاقات، مشيرا إلى أن حتى الدول الكبرى في المنطقة لم تتخذ مثل هذا القرار بعد.
وفي قراءة ماضي لمخرجات القمة، يرى أن ثمة محاولة أردنية سياسية ودبلوماسية لرفع سقف الموقف العربي منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم، مرورا بجلسة مجلس الأمن قبل أسبوعين وكلمة الملك خلال قمة الدوحة، ومع ذلك ما يزال الموقف العربي عاما جامدا إلى حد ما ويفتقر إلى خطوات ملموسة وحاسمة لتغيير السلوك السياسي تجاه إسرائيل.
يعبر ماضي عن تشاؤمه حول مخرجات القمة وأنها ستؤسس لمرحلة جديدة من التنسيق العربي الشامل، مبررا ذلك بأن بعض الدول العربية لا تزال تمتنع عن اتخاذ خطوات إضافية أو تغيير مواقفها، مشيرا إلى أن القوى الحقيقية اقتصاديا وديموغرافيا في العالم العربي ليست راغبة حتى الآن في إطلاق مبادرات جديدة تصب في اتجاه تغير جذري للمواقف، الأمر الذي يقيد فعالية أي تحرك جامع.
العلاقات الأردنية القطرية والإسرائيلية
القمة عكست بعدا آخر من التضامن العربي، حيث ثمنت الدوحة الموقف الأردني الداعم، وهو ما اعتبره مراقبون بداية لمرحلة جديدة من التعاون السياسي والاقتصادي بين عمان والدوحة.
حول تأثير هذه التصريحات على علاقات الأردن مع قطر، يرى ماضي أن العلاقة الأردنية القطرية ستشهد تحولا كبيرا في المرحلة المقبلة، حيث كان هناك نوع من البرود قبل الهجوم على الدوحة، ولكن الأردن رفع سقف التضامن مع قطر، وقطر قدرت هذا الموقف، ما قد يمهد لعهد جديد في العلاقات الثنائية خلال الأسابيع القادمة.
فبعد أن خفض الأردن مستوى التمثيل الدبلوماسي مع الدوحة عام 2017 خلال أزمة الخليج، عادت العلاقات تدريجيا منذ 2019 وزادت الاستثمارات القطرية في الأردن.
كما ان الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، سيزور عمان الأربعاء ويلتقي خلالها الملك عبدالله الثاني، حيث تأتي هذه الزيارة مباشرة بعد قمة الدوحة التي دانت الاعتداءات الإسرائيلية.
أما بالنسبة للعلاقات الأردنية الإسرائيلة، فموقف الأردن واضح وثابت منذ السابع من أكتوبر، في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل وما تقوم به من سياسات، لا تجد الأردن وجودا للعلاقة التقليدية مع هذه الحكومة، بحسب ماضي.
ويؤكد أنه من المبكر الحديث عن إعادة تقييم أو استئناف العلاقات مع إسرائيل ما لم تتغير المعطيات السياسية والسلوكية لدى الطرف الإسرائيلي، لأن ما تقوم به إسرائيل يعد تهديدا للأمن القومي الأردني، بحسب ماضي.
تشهد العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة أدنى مستوياتها منذ توقيع معاهدة السلام عام 1994، فقد استدعى الأردن سفيره من تل أبيب عام 2023، وعلق بعض الاجتماعات المشتركة.
البعد الأمني والاقتصادي
يرى الشوبكي أن التحذير الأخير الذي أطلقه الملك في قمة الدوحة، يعكس وعيا حقيقيا بخطورة الوضع، خاصة وأن الحديث في الإعلام الإسرائيلي عن معاقبة الأردن بتقليص الإمدادات الحيوية لم يعد مقتصرا على تلميحات، بل صار أمرا يناقش علنا في بعض الوسائل والمنابر.
في بلد يعد من أفقر دول العالم مائيا ويعتمد بشكل كبير على الغاز المستورد لتوليد الكهرباء، فإن أي انقطاع مفاجئ في هذه الإمدادات قد يشكل تهديدا مباشرا للأمن الوطني والاقتصادي، بحسب الشوبكي.
وكانت قد صنفت منظمة "فود ووتش" الأردن كواحد من أكثر الدول شحا بالمياه في العالم، حيث لا يتجاوز نصيب الفرد 100 متر مكعب سنويا، بينما خط الفقر المائي عالميا هو 500 متر مكعب.
ويضيف الشوبكي إلى أن الأردن يتلقى نحو 100 مليون متر مكعب من المياه سنويا من الجانب الإسرائيلي من منطقة الديسي، وأن فقدان هذا المصدر سيضع الحكومة أمام أزمة مياه محلية صعبة، في حين أن فقدان مصدر الغاز سيؤدي إلى تكبد الدولة تكاليف باهظة واستبدالا بمصادر أغلى، وهو ما يقدره الشوبكي بحوالي مليار دولار إضافي سنويا على الخزينة إذا قررت الدولة الاستغناء عن الغاز الإسرائيلي.
الأردن يعتمد على اتفاقية مائية مع إسرائيل بموجب معاهدة وادي عربة، يحصل بموجبها على نحو 50 مليون متر مكعب من المياه سنويا من بحيرة طبريا، إضافة إلى كميات أخرى من مشروع ناقل الديسي.
أما في قطاع الطاقة، فقد وقع الأردن عام 2016 اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل لمدة 15 عاما، بقيمة 10 مليارات دولار، وهو ما أثار جدلا شعبيا واسعا واعتبره معارضون رهنا للاقتصاد الأردني بيد إسرائيل.
كيف يجب أن يستعد الأردن؟
يشدد الشوبكي على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وجادة واستباقية للحد من تداعيات أي قرار إسرائيلي محتمل بقطع الإمدادات، ويقترح عدة محورات تحضرية من وجهة نظره من أبرزها إعداد خطة طواريء للمياه جاهزة وسريعة التطبيق للتعامل مع نقص الإمدادات المائية لتخفيف التأثير قدر الإمكان على المجتمع المحلي، بالاضافة إلى تأمين مخزون محروقات العمل على تأمين مخزون كاف من المحروقات يغطي احتياجات البلاد لفترة تتراوح بين 60 إلى 90 يوما.
ويضيف الشوبكي إلى أهمية تعجيل ربط سفينة الغاز المسال بالعقبة حيث يوجد سفينة لاستيراد الغاز المسال وصلت العقبة قبل فترة، وهناك حاجة عاجلة لربط السفينة بالبنية التحتية لتأمين إمدادات بديلة، هذا الربط سيستغرق وقتا حتى يكتمل، أيضا التعاقد لشراء كميات غاز مسال إضافية والإسراع في التعاقد على توريدات إضافية من الغاز المسال لتخفيف الاعتماد على إمدادات برية أو من مصدر واحد، وتسريع مشروع تخزين الغاز المسال وتعجيل تنفيذ مشروع التخزين الذي افتتحه رئيس الوزراء لتعزيز القدرة على الصمود.
ويشير إلى ضرورة تقييم واقع إنتاج حقل الريشة إن كان الإنتاج الفعلي للحقل منذ 2019 لم يتغير إلى حد كبير، وأن مساهمته في تغطية الحاجة الوطنية تبقى محدودة بحوالي 5 إلى 7% من الحاجة ، لذا لا يمكن الاعتماد عليه كمصدر وحيد أو حل سحري.
ويعتبر مشروع "الناقل الوطني" من أكبر المشاريع الاستراتيجية في الأردن، بتكلفة تقدر بـ 2.5 مليار دولار، ويهدف إلى توفير 300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويا.
أما في مجال الطاقة، فإن الأردن يحقق بالفعل نحو 29% من احتياجاته من مصادر متجددة، ويخطط لرفعها إلى 50% بحلول 2030.












































