قراءةٌ في الأدبِ الأردنيِّ للأستاذ الدّكتور عبد الباسط مراشدة

الرابط المختصر

 

بدايةً، لعلّه يجدرُ بِـي أنْ أشيرَ إلى أنَّ عبد الباسط مراشدة أستاذُ الأدبِ والنَّقدِ الحديثِ، أستاذي أيضًا في مرحلةِ البكالوريوس بجامعةِ آلِ البيتِ الأردنيّة، ولا يفوتني هنا إلّا أنْ أقدّمَ اعتزازي وفخري بهِ، وبأساتذتِي الآخرين، وبالجامعةِ، ولا بدّ لِـي هنا من الإشارةِ إلى أنَّ المؤلِّفَ أصدرَ كتابين، هما: أثر مضمون الحياة والموت في بناء القصيدة في شعر بدر شاكر السَّياب، والتَّناص في الشِّعر العربيِّ الحديث. من هذا المنطلق، يرومُ المقالُ إلى استخلاصِ المضامين المطروقة في الكتابِ استخلاصًا أمينًا وتجريديًّا، مع تقديمِ بعضِ الإضافاتِ ما أمكن. 

عمومًا، لا شكَّ أنّ الأدبَ الأردنـيَّ شكّلَ حيزّا أساسيًّا في معمارِ الإبداعِ العربيِّ، وامتلكَ بناءً فنيًّا متميّزًا متجددًا ومتطوّرًا، في التّقنيّةِ، والأسلوبِ، والأداءِ، واللغةِ، ليستأثر عنايةَ الكثيرينَ من الباحثينَ والدّارسين. 

وعليه، صدرَ كتابُ قراءةٌ في الأدبِ الأردنيِّ عن منشوراتِ وزارةِ الثّقافةِ الأردنيّةِ، سنةَ 2018م، يتضمنُ مقدمةً وستةَ مباحثَ، موزّعةً على مئةٍ وأربعِ صفحات.

في مقدّمةِ الكتابِ، لا يجدُ المؤلِّفُ حرجًا بالاعترافِ بأنَّ مباحثَ الكتابِ بحوثٌ منشورةٌ في مجلاتٍ علميّةٍ محكّمةٍ وفي أعمالِ مؤتمرات.

يسلّطُ الكتابُ الضّوءَ على المنجزِ الأدبيّ الأردنيّ، من حيثُ الرّوايةُ، والقصّةُ، والمقالة. 

في المبحثِ الأوّلِ الموسومِ بعنوانَ التّراث العربيّ الإسلاميّ في الرّوايةِ، يتطرّقُ المؤلِّفُ بدايةً إلى مفهومِ التّراثِ ووظيفته الفنّية في العملِ الإبداعيّ، مشيرًا إلى جذره اللغويّ. 

بناءً على ذلك، يرى المؤلّفُ بأنَّ التّراثَ بوصفه ذا قيمةٍ فكريّةٍ وفنّية، ظهرَ مع مدرسةِ الإحياء. 

وبوسعي أنْ أتساءلَ هنا عن كيفيّةِ توظيفه في النّصِّ الإبداعـيّ، وفيما إذا نجحَ في أنْ يضيفَ بعدًا جماليًّا وفكريّا وفنيًّا قادرًا على إدهاشِ القارئ أو لا. 

إنّ الجوابَ يأتـي من خلالِ الوقوفِ وقفةً مركّزةً مع المبحث، وبذلك، فإنّ التّراثَ كما يراه المؤلِّفُ جماعُ التّاريخِ الماديّ والمعنويّ لأمّةٍ، وبالنّتيجةِ، يمثّلُ التّراثُ تراكمًا ثقافيًّا، تبعًا لهذا، يرى المؤلِّفُ بأنّ وظيفةَ التّراثَ تكمنُ في التّأثيرِ والقدرةِ على الإيحاء، كما يأتي على شكلينِ: ظاهريًّا وخفيًّا. 

يتناولُ المؤلِّفُ روايةَ أنت منذُ اليوم لتيسير سبول تناولاً تطبيقيًًا، كنموذجٍ ساطعٍ على حضورِ التّراثِ من النّاحيةِ المضمونيّة، والفنيّة، والجماليّة. وبأمانةٍ علميّةٍ، يشيرُ المؤلِّفُ إلى غيرِ باحثٍ إلى توظيفِ التّراثِ في الرّوايةِ، محاولًا ربطَ الحاضرِ بالماضي.

يخصصُ المؤلِّفُ في المبحثِ الثّاني المكانَ في روايةِ بيتِ الأسرارِ لهاشم غرايبة، انطلاقًا من مفهومه، ووظيقته، ودلالته النّفسيّة والفنيّة.

لا يختلف ناقدان، على أنّ المكانَ كدالٍ يعدُّ عنصرًا جوهريًّا ومهمًّا في تشكيلِ فضاءِ الرّوايةِ، ويحمل مدلولاً فنيًا، ورمزيًّا، وفكريًّا، ونفسيًّا.

لهذا؛ أجد نفسـي متفقًا مع المؤلِّفِ في أنّ المعاجمَ لا تقدّم مفهومًا أدبيًّا ونقديًّا للمكانِ إلّا بعدهُ الجغرافيّ المجرّد. 

تأسيسًا على هذا، يقدّمُ المؤلِّفُ توصيفًا للرّوايةِ وشخصيّاتها في مستهلِّ دراسته، وأجاريه بأنَّ عنوانَ الرّوايةِ يوحي بالمكانِ، ويتضمنُ دلالةً غامضةً تاركًا مجالًا للقارئ في إقامةِ الاحتمالات، ويرى بأنّ المكانَ في الرّوايةِ يقومُ على بنيةٍ ضديّةٍ لتجسّد حالةَ الصّراعِ والتّفاوت الطّبقيّ والاجتماعي بين أهالي حوّارة والبيك. والخلاصة، أنّ المكانَ في الرّوايةِ يتمثّلُ بالمكانِ المفتوحِ والمغلق، الأوّل يغدو معادلًا للحرّيةِ والحياة، والثّاني للعبوديّة والموت.

 يقفُ المؤلِّفُ في المبحثِ الثّالثِ على ظاهرةِ الوجوديّةِ في المجموعةِ القصصيّةِ الموسومةِ بعنوانَ البطيخةِ لأحمد الزّعبي، ويذهبُ إلى أنّ الفلسفةَ الوجوديّةَ تشكّلُ محورًا أساسيًّا في المجموعةِ، وعلى ذلك، يجدُ المؤلِّفُ تعريفًا للوجوديّة عند منظّريها، خصوصًا سارتر وألبير كامي بأنّها باختصارٍ الحرّية المطلقة وإطلاق إنسانيّة الإنسان دون شرطٍ وقيدٍ دينيًّا أو أخلاقيًّا، وتتمظّهر في العبثِ، والقلقِ، والضّياعِ، والاغترابِ، واللامعقولِ، والعجائبِ والغرائبِ، والإحساسِ بلا جدوى الأشياء، والسّوداويّة، والكآبة ومثيلاتها، على أنّ الإنصاف اقتضى من المؤلِّفِ أن يشيرَ إلى إيماءات وملامح الدّارسين عن المضمون الوجوديّ في المجموعة، وبالتّحليلِ، خَلُصَ إلى أنّ المجموعةَ تمعنُ في التّغريب والعبث؛ لإظهارِ أزمةِ الإنسانِ ومعاناته التي لا تنتهي.

تبعًا للمنظورِ النّفسيّ الفرويدي، يقيمُ المؤلِّفُ في المبحثِ الرّابعِ قراءةً في قصّةِ "امرأة الخمسين" لعطاف الزّميليّ، محاولاً سبرَ غورِ الشّخصيّةِ لفهمِ مكنوناتها الدّفينة فهمًا عميقًا، ويستنتجُ من خلالِ الإشاراتِ والإلماحاتِ المتكررة، بأنّ المضمونَ الإباحيّ يمعنُ في التّوسعِ في القصّة، ليشكّل دلالةً وعلامةً للكبتِ في مستواه البيولوجي.

يخصصُ المؤلِّفُ في المبحثِ الخامسِ قراءةً لصراعِ السّلطةِ والمثقّفِ في قصّةِ "ذلك اليوم" لأمين عودة، والحقّ برأيي أنّ البحثَ في العلاقةِ بين مفهومي السّلطة المثقف ـ بصرف النّظر عن طبيعة كلّ منهما ـ، يؤدّي إلى نهايةٍ ضديّةٍ، واستحالة دخول الواحد منهما في دائرة الثّاني، والسّبب كما أراه ببساطةٍ، أنّ السّلطةَ على أشكالها محكومةٌ بالسّيطرة، والمثقف بالحرّية، إلّا إذا قدّم المثقفُ العديدَ من التّنازلات، مما من شأنه أن تنعدم ذاتيته وإنسانيّته وحرّيته، وهذا ما يتنافى مع رسالته الحقيقية ويتناقض سلبًا مع دوره كمثقف، ولعلّ هذا ما حدا بأستاذي عبد الباسط أنّ يشير إلى المفهومين بشكلٍ مقتضب.

من هنا، يحاولُ المؤلِّفُ استجلاء طبيعة العلاقة بين السّلطةِ والمثقف في قصّة "ذلك اليوم". 

وبالتّأويلِ السّابرِ، يرى المؤلِّفُ أنّ توظيفَ السّاردِ للمكانِ المتمثّلِ بالحمَّامِ والقبوِ كمرتكزينِ دلاليينِ في القصّةِ، يجسّدانِ بعدًا دلاليًّا وهاجسًا نفسيًّا ويصبحانِ مكانينِ للحرّيةِ، والاطمئنانِ، والأمانِ، ولا يكتفي المؤلّفُ بالتّوقفِ هنا، بل يضيفُ إلى ذلك وفقًا لتقنيةِ الاسترجاعِ، أنّ السّببَ راجعٌ في صراعِ الشّخصيّةِ المثقفةِ وتأزمّها وشعورها بالضّعفِ أمامَ ثالوثِ السّلطةِ، المتجلِّي بالمديرِ، وزوجته، والمحقِق.

 

يفردُ المؤلِّفُ في المبحثِ السّادسِ دراسةً عن المقالةِ، موسومةٍ بعنوان "ثقافة المرسل في أوراق عربيّة"، ويأخذ مقالات خالد الكركي نموذجًا، ويتطرّق إلى مفهومِ المقالةِ لغةً واصطلاحًا، وأنا أميلُ شخصيًّا مع القول الشّائع بأنّ المقالةَ قطعةٌ نثريةٌ، ذات طولٍ معتدلٍ، تدور حول موضوعٍ محدد، وهذا تمامًا ما انتهى إليه المؤلِّف. 

على ضوءِ ذلك، فإنّ مما لا جدل فيه أنّ المتتبعَ لمؤلَّفات، وأحاديث، وحوارات، وكتابات خالد الكركي، حتمًا سيجدُ حضورًا طاغيًا للتّراث العربيّ والإسلاميّ مما يشكّل إشارةً على ثقافته، وبالملاحظةِ، يرى المؤلِّفُ بأنّ الشّخصيّات التّراثيّة في مقالات الكركيّ ظهرت وفق أنماطَ متنوّعةٍ فنيًّا، رابطًا الماضي بالحاضر، ليشكّل بعدًا فكريًّا وأسلوبيًّا فنيًّا، ويكفي التّدليل على ذلك مثلاً، في أنّ شخصيّةِ عِرارَ تزامنتْ وتقاطعتْ مع شعراءِ الصّعاليك، وأمل دنقل مع المتنبي، وهكذا دواليك. 

 

وختامًا، وعلى ما تقدّمَ، أشيرُ إلى أنّ الكتابَ يستمدُّ قيمته من خلالِ نزوعِهِ بين التّنظيرِ والتّطبيقِ، كما يحسبُ للمؤلّفِ أنّهُ خصصَ بحثًا عن المقالةِ كجنسٍ أدبـيّ، ولو أنّ المؤلِّفَ قد أضافَ دراسةً عن الشّعرِ كونَ الشّعرِ يعدُّ أساسًا أدبيًّا وسابقًا على كلِّ الفنونِ الأدبيّةِ في الأردنِ، والحقّ يقال بأنّ صوتَ النّاقد التّأويليّ، يظهر بقوّةٍ في المبحثين الرّابع والخامس أكثر من غيرهما، وفي النّهايةِ، أجدد شكري واعتزازي بالكتابِ وصاحبه، وعلى درب المزيد والاستزادة.

٣

باحث وناقد، حاصل على درجة الدّكتوراه في الأدب والنقد الحديث

 

أحمد البزور، مواليد الزّرقاء، سنة ١٩٩٠، حاصلٌ على درجة الدّكتوراه في الأدب والنّقد الحديث من الجامعة الأردنيّة، وعضو في الاتّحاد الدّولي للغة العربيّة، ولديه العديد من الأبحاث المنشورة في مجّلات محليّة وعربيّة محكّمة، وكتب عددًا من المقالات والمراجعات عن الأدب والنّقد في الصّحف والمواقع الإلكترونيّة المتخصصة.