"صوت هند رجب" يعيد مأساة أطفال غزة إلى واجهة مهرجان البندقية السينمائي

الرابط المختصر

تأمل وسام حمادة، والدة الطفلة هند رجب التي استشهدت برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في كانون الثاني/يناير 2024، أن يسهم الفيلم الذي يحمل اسم ابنتها في وقف الحرب الدائرة في قطاع غزة وإنقاذ أرواح الأطفال.

وقالت حمادة من غزة: "أتمنى أن يصل صوت غزة للعالم، وأن يوقف هذا الفيلم الحرب المدمرة، ويكون سببا في حماية باقي الأطفال"، مؤكدة أن قصة هند ليست سوى واحدة من آلاف المآسي التي يعيشها أهالي القطاع.

الفيلم الذي يحمل عنوان "صوت هند رجب" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، يشارك في المسابقة الرسمية للدورة الحالية من مهرجان البندقية السينمائي إلى جانب 20 عملا آخر. ويعيد الفيلم تمثيل الساعات الأخيرة من حياة الطفلة البالغة خمس سنوات، بالاعتماد على التسجيلات الصوتية الأصلية لمكالمات الاستغاثة التي أجرتها قبيل استشهادها، والتي وافقت عائلتها على استخدامها.

وكانت هند قد قُتلت في 29 كانون الثاني/يناير 2024، بعد أن أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 300 رصاصة على السيارة التي كانت تقلها في منطقة تل الهوا جنوب غرب غزة، وفق تحقيق أجرته منظمة Forensic Architecture. وعُثر لاحقا على جثامين ستة من أقاربها، إضافة إلى مسعفين حاولوا إنقاذها.

قصة هند أثارت صدى واسعا في العالم، إذ تحولت مكالماتها الأخيرة إلى رمز لمعاناة المدنيين الفلسطينيين، ودفعت منظمات حقوقية للمطالبة بتحقيق دولي مستقل. وتقول والدتها: "ابنتي أصبحت صوتا يُسمع في العالم، لكنها تبقى واحدة من آلاف الضحايا. لماذا لا يتحرك العالم لإنقاذ بقية الأمهات والأطفال؟".

من جانبها، أوضحت المخرجة كوثر بن هنية أنها استمعت مطولا لشهادات والدة هند ومن كانوا على الطرف الآخر من المكالمات: "بكيت وكتبت. أردت أن يكون صوت هند حاضرا ليجسد مأساة المدنيين في غزة"، مؤكدة أن الفيلم ليس مجرد عمل فني، بل شهادة إنسانية على جريمة حرب.

الفيلم بعنوان "صوت هند رجب" (The Voice of Hind Rajab) يُعرض للمرة الأولى الأربعاء ضمن مهرجان فينيسيا السينمائي. وهو وثيقة صادمة عن الحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة. تدور أحداثه بالكامل داخل مركز عمليات جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. يستخدم الفيلم التسجيل الحقيقي لنداء هند، فيما يؤدي ممثلون أدوار المسعفين.

صرّحت بن هنية قائلة: "عندما تسمع صوتها تشعر بالعجز". وكانت ابنة عم هند، ليان، التي كانت في السيارة نفسها، قد أخبرت العائلة قبل مقتلها بأن القوات الإسرائيلية أطلقت النار عليهم. وقال الهلال الأحمر إن قوات الاحتلال أطلقت النار أيضاً على سيارته الإسعافية. وعندما طُلب تعليق من جيش الاحتلال الإسرائيلي، اكتفى بالقول إن "الحادثة لا تزال قيد المراجعة"، من دون تفاصيل إضافية.

وخلال الأيام الـ12 التي تلت فقدان الاتصال بهند والمسعفين، انتشر التسجيل الصوتي بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي. عند الاستماع إليه، شعرت بن هنية – بحسب تعبيرها – بأنها مدفوعة لفعل شيء من أجل الصوت البريء الذي سمعته: "شعرت وكأنها تطلب مني أن أنقذها. أعلم أن ما أقوله غير عقلاني، لأنني كنت أعلم أن المأساة قد وقعت بالفعل. سألت نفسي: ماذا يمكنني أن أفعل؟ وأنا لا أعرف سوى أمر واحد: أن أحكي القصص".

ازدادت قناعتها بعد أن استمعت إلى التسجيلات الكاملة للمكالمات في ذلك اليوم. كان الإلحاح لإنجاز الفيلم شديداً لدرجة دفعتها إلى تعليق مشروع آخر كانت تجهّز له، والعمل بوتيرة أسرع من أي وقت مضى. "كنت أشعر بحالة طوارئ، وقد نقلت هذا الشعور إلى الجميع"، كما وصفت.

خطوتها الأولى كانت لقاء والدة هند، وسام حمادة، التي منحتها "بركتها" وروت لها تفاصيل عن ابنتها، من حبها للبحر إلى حلمها بأن تصبح طبيبة أسنان. ثم شرعت باختيار طاقم التمثيل، الذي ضم سجى كلّاني، معتز مليس، كلارا خوري، وأمير خليل، مؤكدة أنها أرادت أن يكون الممثلون فلسطينيين.

بالنسبة إليها، كانت النصوص الأصلية موجودة، وما عليها سوى إيجاد لغة سينمائية لتجسيدها. القصة بطبيعتها تحمل عناصر إنقاذ عاجل، مشاعر متفجرة، وتعقيدات بيروقراطية خانقة، لتتشكل درامياً كفيلم إثارة على طريقة هوليوود، لكن من دون نهاية سعيدة. توضح بن هنية: "ما يحدث في هذه القصة وفي غزة عموماً يتجاوز الخيال. لم أكن بحاجة إلى اختراع شيء، وهو أمر جنوني. التسجيل يبدأ بموت ابنة عمها. والآن هناك طفل آخر علينا إنقاذه".

واحدة من قراراتها الأساسية كانت تجنّب إظهار صورة طفلة محاصرة داخل سيارة مليئة بالجثث. فقد أبقت الكاميرا داخل مركز الهلال الأحمر فقط. تقول: "لم يكن يهمّني كثيراً عرض صور الرعب، لأننا نراها في كل مكان على الإنترنت. هذا لا يعني أنها بلا أثر، لكن العالم أصبح متبلداً. شعرت أن الطريقة الأمثل لسرد القصة هي من هذا المنظور. وكأن صوت هذه الطفلة وُضع بين يديّ كشيء مقدّس".

عملية صناعة الفيلم كانت مشحونة بالعاطفة. كثيراً ما انخرط أفراد الطاقم في البكاء، والممثلون بدورهم تأثروا بشدة، إذ تفاعلوا مع صوت هند الحقيقي، ورددوا كلمات تكاد تكون مطابقة لما قاله نظراؤهم في الواقع. تعلق بن هنية: "هم ممثلون عظماء، لكن رد فعلهم أمام هذا الصوت تجاوز التمثيل".

يُتوقّع أن يكون "صوت هند رجب" من أكثر أفلام المهرجان وموسم الجوائز تأثيراً. وبعد اكتماله واختياره لمهرجان فينيسيا، انضم كل من براد بيت، خواكين فينيكس، روني مارا، ألفونسو كوارون، وجوناثان غليزر كمنتجين تنفيذيين. كما اختارت تونس الفيلم ليمثلها في سباق أوسكار أفضل فيلم دولي. تجدر الإشارة إلى أن بن هنية حازت سابقاً على ترشيحين للأوسكار، عن أفضل وثائقي "بنات ألفة" (Four Daughters) وأفضل فيلم دولي عن "الرجل الذي باع جلده" (The Man Who Sold His Skin).

تأتي مشاركة الفيلم بينما تتواصل الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بدعم أمريكي وغربي، وتشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير. وقد خلفت حتى الآن أكثر من 224 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى تسعة آلاف مفقود ومئات آلاف النازحين، في تحدٍّ للقرارات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقف المجازر.