شهادة من قلب الإبادة: مصور فلسطيني يروي أهوال "مجزرة مدرسة التابعين" وتدمير الشفاء في غزة.. القتل والتجويع متعمد

الرابط المختصر

روى المصور وصانع الأفلام الفلسطيني، زاهر صالح، القادم من قطاع غزة في رحلة علاج بعد إصابته البالغة، تفاصيل مروعة لحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي. 

أكد صالح في لقاء خاص عبر أثير راديو البلد 92.5 أن ما وثقه في القطاع هو "واحدة من أسوأ الجرائم ضد الإنسانية في التاريخ المعاصر".

مشهد لا يُنسى: هول مجزرة مدرسة التابعين

اعتبر زاهر صالح أن مشهد مجزرة مدرسة التابعين هو المشهد  الأكثر رعباً الذي لن ينساه من هول الحرب. استيقظ المصور فجراً (قرابة الساعة 4:00) في مستشفى المعمداني على صراخ وعويل، ليتفاجأ بوصول أطفال ونساء مصابين بحروق شديدة جراء قصف المدرسة التي لجأوا إليها.

هرع صالح إلى الموقع وكان أول صحفي يصل، واصفاً قسوة المشهد: "أول مرة بشوف عدد من الأشخاص مقطعين... أكثر تقريباً 100 شخص مقطعينه هيك مخربطين في بعض عظم مع لحم مع عروس مش عارف راس مين ايد مين". وأشار إلى أن الصواريخ المستخدمة كانت حارقة ومميتة، مما ترك الموقع ساخناً جداً ورائحة مرعبة: "المكان لساه حرق وريحة اللحم هيك محروق".

كشف صالح عن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لـ الاغتصاب كسلاح ممنهج للإذلال والكسر النفسي الجماعي. أوضح صالح أن تكتيك جيش الاحتلال كان يقضي بدخول منطقة بأكملها، وتدمير الحي كاملاً، واعتقال وتعذيب كل الرجال، ثم اغتصاب النساء. كانت عمليات الاغتصاب تتم أحياناً أمام المعتقلين، أو يتم اقتياد النساء إلى أماكن منفصلة. وأشار إلى أن هذا الاستهداف الممنهج لم يقتصر على الأحياء، بل شمل أيضاً السجون واستهدف رجالاً ونساءً، وكان الغرض الأساسي منه هو "الإذلال النفسي والكسر الجماعي للشعب".

عقبة الوصم الاجتماعي تحجب الحقيقة

أكد زاهر صالح أن المدى الحقيقي لهذه الجريمة لم يُنقل للعالم بالكامل بسبب القيود الاجتماعية والنفسية القاسية. فقد أشار إلى أن زميلاً صحفياً كان يحضّر تحقيقاً استقصائياً لقناة الجزيرة عن ثماني نساء تعرضن للاغتصاب، لكن النساء في النهاية رفضن الظهور على الشاشة. علل صالح ذلك بأن المرأة في المجتمع الفلسطيني، بسبب حساسية وخطورة الجريمة، "تخجل تحكي حتى لأمها، فكيف تطلع على التلفزيون؟"، مما يعني أن غالبية هذه الجرائم لا تُوثق علناً. ورغم ذلك، شدد صالح على أن التقارير التي صدرت لاحقاً أثبتت أن "الاغتصاب كان ممنهجاً".

الاستشهاد والإصابة: ثمن نقل الحقيقة

روى المصور تفاصيل إصابته التي كانت وشيكة، حيث أصيب في قدمه إصابة خطيرة مست الشريان الرئيسي المتصل بالقلب، وكادت أن تودي بحياته أو ساقه. على الرغم من الخطر، أكد زاهر أن واجبه كصحفي "ابن غزة" كان أسمى من الخوف: "أنا اليوم إذا أنا كصحفي ابن غزة ما قمت بواجبي تجاه قضيتي... مش رح يجي الغريب يجي ينقل". وأشاد بدور الصحفيين الفلسطينيين الذين دفعوا "ثمناً باهظاً" ونجحوا في نقل الصورة رغم الاستهداف الممنهج (قرابة 256 شهيداً صحفياً).

فشل ادعاءات الاحتلال في مستشفى الشفاء

تطرق صالح إلى توثيقه حصار واقتحام مستشفى الشفاء، مؤكداً أن ادعاءات الاحتلال بوجود "أنفاق للمقاومة" أو "مصانع صواريخ" داخل المستشفى كانت "كاذبة". وأشار إلى أن الاحتلال قام بتفتيش المستشفى "شبر شبر" لكنه لم يجد شيئاً، فما كان منه إلا أن دمر المعدات الطبية الحيوية، بما في ذلك الأجهزة الوحيدة لعلاج مرضى القلب والكلى. وأكد أن الاستهداف لم يقتصر على المستشفيات فقط بل كان تدميراً شاملاً "لقطاع غزة جميعاً" وكل من يحاول المساعدة، بما في ذلك الأطباء والمسعفون ومنظمات الإغاثة.

التجويع المتعمد: المساعدات تُرمى عند المعبر

وصف المصور الفلسطيني الحصار بأنه حرب أخرى لا تقل وحشية، تهدف إلى "خلق هذه المجاعة" بشكل متعمد. كشف صالح أنه رأى عند معبر كرم أبو سالم "مساعدات إنسانية على مد البصر"، لكن الجيش الإسرائيلي كان يتعمد عدم إدخالها، قائلاً: "كان يمسك المساعدات ويرميها على باب المعبر". وأكد أن أكياس الطحين والسلات الغذائية كانت "مرمية على باب المعبر"، مما يعني أن المساعدات كانت موجودة بالفعل، لكن قرار إدخالها كان يُستخدم كوسيلة ضغط وتجويع.