ريم الجازي وتحدي القيادة الإعلامية في الأردن

الرابط المختصر


قوبل قرار تعيين السيدة ريم رمزي مشهور الجازي مديرة لإدارة الإعلام والاتصال في الديوان الملكي / مكتب جلالة الملك عبدالله الثاني ، بترحيب واسع في المشهد الإعلامي الأردني، لم يكن الترحيب فقط بسيرتها الذاتية المتميزة وخبرتها الطويلة الممتدة لأكثر من عشرين عاماً في الإعلام والاتصال السياسي، بل أيضاً لأنها أول امرأة تتولى هذا الموقع القيادي الحساس، في لحظة إقليمية ودولية شديدة التعقيد سياسياً وأمنياً واقتصادياً، الذي  يجعل من صانع القرار الإعلامي في الأردن والمسؤول عن المحتوى الإعلامي لرأس السلطة يقف أمام تحدي مركب: مهنيا وسياسيا وحتى اجتماعيا.

 أهمية هذا التعيين تأتي من زاويتين أساسيتين: الأولى، أنّ الجازي تمتلك مهنية عالية وتجربة ثرية اكتسبتها من عملها في مؤسسات دولية مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمات إنسانية دولية لما يقارب العشرين عاما كما أنها أكاديميا تحمل شهادة في العلوم السياسية و الماجستير في الإعلام السياسي، إلى جانب خبرتها داخل الديوان الملكي كمديرة لإدارة الإعلام والاتصال في مكتب ولي العهد في السنوات الأخيرة . هذه الخلفية تمنحها قدرة على التواصل مع الفاعلين الدوليين، وفهماً عميقاً لطبيعة صناعة القرار الإعلامي دوليا ومحليا.

الثانية، أنّها تمثل نموذجاً مضيئاً للنساء في قطاع الإعلام، قطاع طالما عانى من هيمنة ذكورية واضحة، إذ لا تتجاوز نسبة الصحفيات في نقابة الصحفيين الأردنيين 22% من مجموع الأعضاء، فيما تقل فرصهن في الترقّي وتولي مواقع القرار.

وفي الخلفية لم تستطع إمرأة في الأردن أن تصل لموقع قيادي في نقابة الصحفيين الأردنيين على سبيل المثال عن طريق الانتخاب الحر، من قبل أهم المؤثرين على الرأي العام في الأردن -الصحفيين-، في حين شغلت أكثر من سيدة منصبا حكوميا متقدما "وزيرة إعلام" في حكومات عدة، ومديرات لمؤسسات إعلامية رسمية مما يشي بأمر بالغ الأهمية ألا وهو أنه تتمتع دوائر صنع القرار في الأردن بنظرة تقديمه وحقيقية نحو تمكين النساء قياسا مع أطياف عديدة من المجتمع الأردني!.

 

قرار تعيين الجازي يحمل رسالة تتجاوز شخصها، فهو بمثابة إعلان بأن تمكين النساء لم يعد  شعاراً أو حبيس المؤتمرات والتوصيات أو أجندات وإنما هو إعلان للدعوة لممارسة فعلية بإعطاء الفرصة لمن تستحق بالتقدم والتجربة، ليتم الحكم عليها بعد ذلك بحياد ومهنية. وهو أيضا مثال مهم بالنسبة للشابات اللواتي يدرسن الإعلام اليوم أو يتطلعن لفرصة عمل في هذا المجال في المستقبل: رؤية امرأة "خبيرة ومتمكنة" تتولى إدارة الإعلام في مكتب رأس الهرم في المملكة الأردنية الهاشمية  يشكل حافزاً كبيراً، ورسالة واضحة بأن سقف الطموح لا يجب أن يتوقف عند حدود وأن على الجميع اكتساب الخبرة واختبار العمل الصعب والتحدي الكبير في هذا المجال لتحجز لها مكانا ومكانة تستحقها.

خاصة ان الطريق ليس معبداً  بالكامل أمام النساء في الإعلام، وخاصة على المستوى القيادي فما زالت الإعلاميات في الأردن يواجهن معيقات كبيرة: بيئة عمل غير جاذبة، فجوة رقمية كبيرة تؤخر تقدمهن ، أجور متواضعة لا تتوافق مع المهام ومتطلبات العمل، غياب التدريب المستمر مما يؤخر الخبرة والاحتكاك، بل وحتى استمرار أشكال مختلفة من التمييز والتهميش بحق النساء في هذا القطاع.

هنا تتجلى أهمية تعيين ريم الجازي؛ فهي ليست مجرد مديرة جديدة في موقع إعلامي رفيع المستوى، بل هي فرصة لإعادة التفكير في المشهد الإعلامي الأردني بالمجمل: كيف يمكن أن يكون أكثر مهنية، أكثر شمولاً، وأكثر تمثيلاً لصحفيات أردنيات متميزات؟ كيف يمكن أن يشكّل هذا التعيين بداية لمسار أوسع من الإصلاح في بنية الإعلام ذاته، وليس فقط على مستوى الأسماء؟

لا شك أن الجازي وصلت إلى موقعها اعتماداً على كفاءتها ومهاراتها، وليس فقط على إرث عائلي -كما تردد- لعائلتها التي تتمتع بالفعل بحضور سياسي واجتماعي معتبر في الأردن منذ تأسيس المملكة، ومع ذلك، لا يمكن تجاهل رمزية هذا البعد العشائري في السياق الأردني، إذ يضفي ثقلاً إيجابيا إضافياً على حضورها. وهو على نحو لافت يمكن اعتباره  رافعة اجتماعية بالغة الأهمية - رغم أنها نفسها لم تعتمد في مسيرتها على اسم العائلة أو العشيرة وإنما على الخبرة والمهنية  لكن ذلك لم يمنع الكثيرين من وضعه بعين الاعتبار أثناء تعاملهم معها بالمجال المهني وتفوقها فيه معتمدة على خبرات ومهارات شخصية صرفة.

وخاصة أنه من غير المألوف أن يرى البعض بعكس من هم مطلعين عن قرب على تركيبة المجتمع الأردني أنه بالفعل تحظى النساء باحترام واضح  في التركيبة العشائرية الأردنية بل و يفاخرون ببناتهم ممن يحققن انجازات مميزة.

ومن المأمول ان يتم الأخذ بعين الاعتبار بأن ذلك يعد محطة فارقة لقطاع الإعلام في الأردن: إمّا أن يكون قرار تكليف الجازي بهذا الموقع الأهم  مجرد حدث بروتوكولي رمزي، أو أن تتحول إلى نقطة انطلاق لتمكين حقيقي وواقعي للنساء، وإعادة بناء الثقة بالإعلام الوطني كمنبر حقيقي يعكس صوت الناسبكل تنوعه، إضافة إلى المهمة الأصعب والأكثر إلحاحا في الوقت الراهن : توحيد الرسالة والخطاب الإعلام الأردني الرسمي   وهو ما نعول عليه وفقا للعديد من المعايير والمميزات التي تتمتع بها.