يقول شاب يبلغ من العمر 26 عاما إن قرار إعادة تفعيل خدمة العلم مطلع العام المقبل، يشكل دافعا مهما لفئة الشباب، حيث يمنحهم فرصة لاكتساب خبرات حياتية ومهارات عملية تساهم في تطوير شخصياتهم وتعود بالنفع على الوطن.
بينما يرى شاب آخر 23 عاما في حديثه لـ "عمان نت"، أن الخدمة تأتي في توقيت مهم، خصوصا مع ما تتضمنه من تدريبات تعزز الانضباط مثل الانقطاع عن وسائل التواصل الاجتماعي وتحمل المسؤولية بشكل أكبر.
فيما يؤكد شاب 25 عاما أن الشباب الأردني هم ذخر الوطن، وأن عودة خدمة العلم ستسهم في رفع جاهزيتهم في ظل الأوضاع الإقليمية الحساسة، معتبرا أنها خطوة في الاتجاه الصحيح.
تشير بيانات دائرة الإحصاءات العامة إلى أن فئة الشباب ما بين 15 إلى 24 عاما تشكل حوالي 20% من سكان الأردن، أي ما يقارب 2.3 مليون شاب وشابة من أصل 11.7 مليون نسمة حتى منتصف عام 2024.
كما يظهر تقرير المجلس الأعلى للسكان أن عدد المواليد الأردنيين في عام 2017 بلغ حوالي 192,800 مولود، ما يعكس التركيبة السكانية الفتية للمملكة، ويبرز التحديات والفرص المرتبطة بدور الشباب في التنمية الوطنية.
تفاصيل البرنامج الجديد
بحسب ما أعلنته الجهات الرسمية، ستبدأ القوات المسلحة الأردنية تنفيذ البرنامج اعتبارا من شباط 2026، حيث يشمل العام الأول 3 دفعات بواقع 2000 شاب لكل دفعة 6000 شاب إجمالا، وستضم الدفعة الأولى مواليد 2007، مع توزيع جغرافي عادل بين المحافظات.
تم تحديد مدة الخدمة بثلاثة أشهر، يحصل خلالها كل مكلف على مخصص مالي بقيمة 100 دينار شهريا، وسيتم الاستدعاء عبر وزارة الداخلية ومديريات الشرطة، إضافة إلى تطبيق "سند" والرسائل النصية القصيرة (SMS)، كما ستطلق منصة إلكترونية مخصّصة للاستعلام عن البرنامج وآليات التنفيذ.
أبعاد وطنية واجتماعية
يعتبر الناشط الشبابي والمحامي خليف الزيود أن قرار إعادة تفعيل خدمة العلم يمثل خطوة مهمة استقبلت بترحيب واسع، لما تحمله من جوانب إيجابية على الأصعدة الأمنية والسياسية والاجتماعية، ولما لها من أثر على استقرار الدولة وتعزيز الهوية الوطنية لدى الشباب.
ويوضح الزيود أن الأجيال الحالية لم تعش أجواء الحروب التي مر بها الأردن سابقا، الأمر الذي جعلها أقل انخراطا في العمل العسكري.
التحديات والفرص
من هنا تأتي أهمية خدمة العلم في تهذيب نفوس الشباب، وتعزيز شعورهم بالانتماء والولاء للوطن وقيادته، فضلا عن تنمية روح المبادرة لديهم، حيث أن البرنامج قد ينعكس إيجابا على شخصية الشباب من خلال الانضباط العسكري، الالتزام بالمواعيد، والعمل ضمن منظومة واحدة، ما يعزز الحس بالمسؤولية والوعي الجمعي لديهم، وهو ما ينعكس على المجتمع ككل، بحسب الزيود.
وفيما يتعلق بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية، لفت الزيود إلى أن الخدمة لن تكون حلا مباشرا لمشكلة البطالة نظرا لقصر مدتها ثلاثة أشهر والمكافأة المحدودة التي يحصل عليها المكلف، لكنها تظل قادرة على ترسيخ قيم الانتماء والانفتاح بين الشباب من مختلف مناطق ومكونات المجتمع الأردني.
تظهر المؤشرات أن معدل بطالة الشباب ما بين 15 إلى 24 عاما تبلغ نحو 46% محليا في 2024، بينما يقدر البنك الدولي النسبة بحوالي 41.7%، مقارنة بالمعدل العام للبطالة الذي استقر عند نحو 21%.
المرصد العمالي الأردني كان قد أصدر ورقة موقف بمناسبة اليوم العالمي للشباب الذي يصادف 12 من الشهر الحالي من استمرار تفاقم معدلات البطالة بين الشباب في الأردن الذين بات نحو نصفهم عاطلا من العمل، في ظل استمرار تطبيق سياسات اقتصادية واجتماعية غير فعالة، والتي أسهمت في زيادة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة مقارنة بالمعدلات العالمية والمحلية.
الزيود يبين أن بعض المخاوف ما زالت قائمة لدى الشباب، خصوصا ما يتعلق بتأجيل الدراسة أو تعطيل العمل، في ظل غياب تفاصيل واضحة حول الاستثناءات وآلية التنفيذ، مشيرا إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب يتطلب مراعاة ظروف من يعيلون أسرهم أو يعملون لإعالة ذويهم.
ويؤكد الزيود على ضرورة إشراك الشباب أنفسهم في تطوير البرنامج عبر حوار وطني منظم، يتيح لهم طرح مقترحاتهم وتصوراتهم، مضيفا أن شباب الأردن واع ومثقف وقادر على صياغة توصيات عملية تجعل البرنامج أكثر فاعلية وملامساً لاحتياجاتهم".
منظور اجتماعي ونفسي
من جانبه، يوضح أستاذ علم الاجتماع الدكتور محمد الجرابيع أن خدمة العلم لا تعني مجرد تدريب عسكري، بل هي أداة لإعادة التوازن للشباب في ظل التحولات الاجتماعية والتكنولوجية التي يعيشها العالم اليوم.
ويشير الجرابيع إلى أن المجتمعات الافتراضية والقيم الرقمية أضعفت الروابط الواقعية لدى الشباب، مما يجعل من خدمة العلم فرصة عملية لتعزيز الانتماء والهوية الوطنية.
ويضيف أن الأردن مجتمع فتي يعاني من نسب مرتفعة من البطالة والفراغ بين الشباب، حيث بلغت معدلات البطالة نحو 21% في الربع الأول من 2024، مما يضع على عاتق البرامج الوطنية مثل خدمة العلم مسؤولية كبيرة في معالجة مشكلات متراكمة، ليس فقط على مستوى العمل، بل أيضا في غرس قيم الانضباط والإصرار.
ويؤكد الجرابيع أن إعادة تفعيل الخدمة لم يأت من فراغ، بل جاء استجابة لمطالبات مستمرة منذ أكثر من 15 عاما بضرورة عودتها، باعتبارها وسيلة لإنتاج جيل أكثر التزاما وانضباطا، وأكثر استعدادا لمواجهة التحديات الوطنية والإقليمية.
هذا وتعود خدمة العلم في الأردن إلى عام 1976 عند صدور القانون لأول مرة، ثم جرى تعديلها عبر قانون خدمة العلم والخدمة الاحتياطية رقم 23 لسنة 1986.
وتوقفت الخدمة بداية التسعينيات، وأعيد طرحها بشكل تجريبي في عام 2020 ضمن صيغة أطول مدتها 12 شهرا، قبل أن تجمد، ليعلن عن الصيغة الحالية المختصرة ابتداء من 2026.












































