
خبراء: اتفاق المياه الأردني السوري يتجاوز البعد الفني ويحمل دلالات سياسية وبيئية

بعد سنوات من التوترات المائية والتفاهمات المتعثرة، أعاد الأردن وسوريا فتح ملف نهر اليرموك باتجاه تحول نوعي في إدارة هذا المورد الحيوي، مع توقيع اتفاق جديد خلال اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة التي عقدت على الجانب الأردني من سد الوحدة.
الاتفاق الذي تضمن مراجعة شاملة لاتفاقية عام 1987 وتحديثها بناء على معطيات الواقع المناخي والموارد المائية الحالية، جاء وفق تصريحات الناطق باسم وزارة المياه والري عمر سلامة، نتيجة تفهم متبادل للظروف المائية الصعبة التي يواجهها البلدان، لا سيما في ظل الجفاف المتفاقم في الجنوب السوري والطلب المتزايد على مياه الشرب والزراعة في الشمال الأردني.
إحياء ملف نهر اليرموك
ويوضح الناطق الاعلامي باسم وزارة المياه عمر سلامة في حديثه "لعمان نت" أن الجانبين اتفقا على إجراء دراسة علمية متكاملة لحوض اليرموك، تشمل رصد كميات الأمطار وتدفقات المياه والآبار والسدود، وتركيب أجهزة قياس حديثة لضمان التوثيق الدقيق والشفاف للموارد.
في السياق ذاته، يشدد سلامة على أن حفر الآبار العشوائية داخل سوريا، والتوسع غير المنسق في بناء السدود، كان لهما أثر بالغ في جفاف الحوض خلال السنوات الماضية، مشيرا إلى أن اجتماعا جديدا سيعقد قريبا في دمشق لبحث هذا الملف واتخاذ قرارات فنية لمعالجته.
ويؤكد أن الأردن سيتولى إعداد الدراسة بالتعاون مع جهة فنية عالمية، في محاولة لوضع أسس موضوعية لرسم سياسات مائية عادلة ومستدامة للطرفين.
أبعاد سياسية وبيئية للاتفاق
أما الأمين العام السابق لوزارة المياه والري والخبير الأكاديمي في إدارة الموارد المائية، الدكتور عدنان الزعبي، يعتبر الاتفاق الأخير تطورا إيجابيا يتجاوز البعد الفني ليحمل دلالات سياسية وبيئية عميقة.
ويضيف الزعبي في حديثه لـ "عمان نت"، أن نهر اليرموك لطالما شكل تحديا لصناع القرار في الأردن، نظرا لاختلال توازن الحصص وعدم التزام الجانب السوري سابقا بإطلاق الكميات المتفق عليها، خاصة خلال سنوات الجفاف.
ويؤكد أن الاتفاق الجديد يبني على أسس اتفاقية 1953 واتفاقية 1987، التي حددت للسوريين حصة تقترب من 90 مليون متر مكعب مقابل حصة أردنية وأخرى لإسرائيل، ضمن اتفاقات ثلاثية معقدة ، مشيرا إلى أن المشهد الإقليمي اليوم أكثر هدوءا، وهو ما يتيح فرصة حقيقية لإعادة ترتيب أولويات التعاون المائي.
ويقول إن الجانب السوري أبدى استعدادا فعليا لتقديم كميات طارئة من المياه لسد الوحدة خلال الصيف، كما أن بعض السدود السورية قد يعاد النظر في استخدامها لصالح تعزيز التدفقات المائية نحو الأردن.
وحول الدراسة المشتركة التي ستبدأ منتصف تموز، يوضح الزعبي أنها ستتطلب مرور موسم مطري على الأقل لإتمامها، مما يعني أن مدتها لن تقل عن عام، وستشارك فيها جهات فنية من البلدين، تحت إشراف اللجنة المشتركة.
وبخصوص اتفاقية 1987، يوضح الزعبي أنها منحت الأردن الحق في بناء منظومة تخزينية مائية، مقابل السماح لسوريا ببناء ما بين 24 إلى 28 سدا لري أراضيها، كما نصت الاتفاقية على تقاسم الطاقة الكهربائية المتولدة وحماية الحوض المائي، خاصة في الجانب السوري، وهو ما يعتبر محورا أساسيا في أي تعاون مستقبلي ناجح.
ويشدد الزعبي على أن نجاح هذه المرحلة من التعاون مرتبط بالتنفيذ الفعلي، والشفافية في تبادل البيانات، والدعم السياسي المستمر للطرفين، مؤكدًا أن هذه الخطوة قد تفتح آفاقًا جديدة لإدارة الموارد المائية المشتركة بشكل أكثر كفاءة وعدالة.
ويأتي ذلك في وقت يواجه فيه الأردن واحدا من أخطر أزماته المائية تاريخيا، مع تراجع حاد في مصادر المياه وتزايد في الطلب المحلي، مما يجعل التعاون مع سوريا التي تتقاسم 70% من الحوض ضرورة ملحة وليست خيارا.
اليوم، يتفاقم الوضع بسبب ندرة المياه الناتجة عن التغير المناخي، وتزايد الطلب المحلي في كلا البلدين، فضلا عن الأضرار الواسعة التي لحقت بالبنية التحتية السورية نتيجة سنوات الحرب. وفي هذا السياق، يبدو التعاون أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
حصة إضافية للأردن مرهونة بنتائج الدراسة
في ما يتعلق بإمكانية زيادة حصة الأردن المائية خلال فصل الصيف في حال تفاقم الشح المائي، يوضح سلامة أن هذا الموضوع سيكون مرهونا بنتائج الدراسة التي ستعتمد على أرقام دقيقة يتم جمعها من خلال زيارات ميدانية ولجان فنية مختصة، ستكشف على وضع الآبار وتأثيرها على الحوض الجوفي، وتقييم المخزون المائي القائم.
وبين أن حوض اليرموك يشكل تحديا خاصا نظرا لكون أكثر من 70% من مياهه تقع في الأراضي السورية، مشددا على أن الجانب السوري أبدى التزاما واضحا بتوفير كميات مياه إضافية للأردن، خاصة في فترة الصيف، لسد النقص الحاد في محافظات الشمال.
ويؤكد بأن إعداد الدراسة سيأخذ وقتا وجهدا كبيرين، لكنها تشكل خطوة نوعية نحو تعاون مائي مستدام يعزز الأمن المائي في البلدين، مضيفا نعول على العمل الفني الدقيق والمضني لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع خلال الفترة المقبلة.
هذا ويعد الأردن من أكثر دول العالم فقرا بالمياه، إذ يصنف منذ سنوات طويلة ضمن قائمة الدول الخمس الأكثر معاناة من شحّ المياه، ويبلغ نصيب الفرد الأردني من المياه سنويًا أقل من 100 متر مكعب، في حين يعتبر خط الفقر المائي عالميا عند مستوى 500 متر مكعب للفرد في السنة، مما يعني أن الأردنيين يعيشون في حالة عجز مائي حقيقي الأردن جولات سياحية.