شهد جسر الملك حسين خلال الأيام الماضية إغلاقات متكررة، سواء بسبب إجراءات أمنية أو من الجانب الإسرائيلي، مما انعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين والسائقين على حد سواء، وزاد من أعباء السفر والتكاليف اليومية عليهم.
لا تقتصر تداعيات الإغلاق على تأخير المواعيد أو تعطل السفر، بل تمتد لتترك آثارا مؤلمة على حياة الناس، فمن بين هذه القصص، تروي إحدى الأمهات عن فقدانها القدرة على وداع ابنتها المريضة قبل وفاتها، موضحة أن "بنتي كانت نازلة تشوف أمها وهي تحتضر، وما وصلنا في الوقت، كنت عم أبكي بشكل مش طبيعي، لأن الواحد بحس بالعجز قدام هالمواقف".
وفي قصة أخرى، تحدثت طالبة عائدة من بريطانيا بعد غياب سنتين عن شعورها بالخيبة الشديدة حين تم منعها من لقاء أهلها وتقول"وصلت عالجسر وقالولي لازم أرجع قلبي انكسر، كنت منتظرة اللحظة هاي بفارغ الصبر، وخلص كل شي ضاع في ثانية".
ولم يقتصر التأثير على الحالات الطارئة، بل امتد ليصل إلى المواطنين ممن يعانون من صعوبات يومية، مثل ذوي الإعاقة الذين يضطرون للانتظار لساعات طويلة للوصول إلى ذويهم، أو الموظفين الذين يخسرون أيام عملهم ومصاريفهم بسبب التأخير.
هذه القصص اليومية تعكس الوجه الإنساني لما يراه الكثيرون مجرد إغلاق مؤقت للجسر، وعلى المعاناة الحقيقية للمواطنين الذين يواجهون صعوبات حياتية متزايدة بسبب أي توقف مفاجئ في حركة التنقل بين الأردن والأراضي الفلسطينية.
يعد جسر الملك حسين المعبر البري الرئيسي الذي يربط الأردن بالضفة الغربية، تدار شؤون العبور من خلال التنسيق مع الجهات الأردنية والجهات الإسرائيلية المسؤولة عن الجانب المقابل.
أظهرت إحصاءات عام 2024 أن إجمالي حركة المسافرين عبر معبر الكرامة بلغ تقريبا 1.74 مليون مسافر قادما ومغادرا، وهو رقم يعطي مؤشرا على أهمية المعبر كمسار بري حيوي قبل أن تؤثر تطورات لاحقة على الحركة، بحسب تقديرات وزارة الداخلية للشرطة الفلسطينية.
كما سجلت تقارير محلية ذروة أسبوعية تجاوزت 25 ألف مسافر في بعض الأسابيع، فيما يقدر مشغلون وسائقون أن هناك نحو 3000 مسافر يوميا على منصة الجسر في أيام الذروة، مع تراكم مستحقي سفر يصل إلى حوالي 8,500 مسافر خلال يومين بعد إعادة فتح الجسر نتيجة الأيام السابقة من الإغلاق.
معاناة السائقين
سائقو حافلات نقل الركاب يعدون أكثر الفئات تضررا، حيث يعتمدون بشكل يومي على الجسر في رزقهم، وأي إغلاق مفاجئ يهدد مصدر دخلهم ويزيد الضغوط الاقتصادية عليهم.
ويؤكد أحد سائقي الحافلات على الجسر، حذيفة الطمراوي أن المواطنين المسافرين والقادمين يتحملون تكاليف كبيرة أثناء السفر، تصل أحيانا إلى أكثر من 100 دينار، خاصة عند العودة إلى الأردن، بسبب رسوم التصاريح ومصاريف السفر.
ويضيف الطمراوي في حديثه لـ "عمان نت" أنه في كثير من الأحيان، يعيد الجانب الإسرائيلي الركاب مرة أخرى دون تمكنهم من العبور، بينما نحن من الجانب الأردني نتحمل تكاليف النقل من وإلى الجسر، سواء للمسافرين أو للعودة.
أما بالنسبة للسائقين، يؤكد أنه هذا فقدان دخل، لأن الحركة تقل بشكل كبير، والركاب يحسبون حساب كل خطوة قبل أن ينزلوا، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في أعداد المسافرين.
وحول تأثير الإغلاقات على دخل السائقين والمعيشة اليومية، يقول الطمراوي إنه فقدنا رحلاتنا اليومية، وحتى السيارات التي تعمل على خط عمان والزرقاء وإربد، بالكاد تنجز رحلة واحدة في اليوم، منذ أربعة أيام تقريبا، لم تعمل السيارات بشكل طبيعي، وهذا أثر بشكل مباشر على دخلنا المعيشي.
تبعات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة
ويضيف الطمراوي أن عدد الرحلات التي فقدوها خلال فترة الإغلاق كان كبيرا، مشيرا إلى أن يوم الخميس الماضي، منذ منتصف النهار، كان هناك نحو 188 سيارة وحافلة تعمل على خط جسر الملك حسين، إلا أن حوالي ربعها فقط تمكن من نقل الركاب بسبب الإغلاق المفاجئ وإرجاع البعض منهم.
ويشير إلى انه من يوم الخميس الماضي وحتى اليوم الاثنين، السيارات العمومية لم تعمل بشكل طبيعي، والناس كانت مضطرة للانتظار لساعات طويلة، وهذا يمثل خسارة مالية كبيرة لنا، خصوصا مع مصاريف البنزين والوقود التي ندفعها.
كما أن التواصل مع الركاب الذين يحجزون الرحلات أصبح صعبا جدا، إذ غالبا ما يصابون بالصدمة عند علمهم أن المعبر لا يزال مغلقا، مضيفا أنه "إذا قال لي أحد الركاب 'بدك تنزلني معك؟' أكون مضطرا أشرح له أن الأمر على مسؤوليته، نحن كسائقين نقل عام لا نتكفل بمسؤولية النقل في ظل هذه الظروف" ، بحسب الطمراوي.
وبخصوص أعداد الركاب بعد الإغلاق، يوضح الطمراوي أن الضغط على الجسر كبير جدا "كل يوم لدينا نحو 3000 مسافر على المنصة، والأعداد تزيد يوما بعد يوم بسبب تأجيل الرحلات أيام الإغلاق، مشيرا إلى أنه خلال يومين من فتح الجسر، كان هناك حوالي 8500 مسافر مستحق للسفر، وهذا يخلق ضغطا هائلا علينا كسائقين وعلى النظام العام للجسر.
الحاجة إلى حلول عاجلة
أمام هذه التحديات، يطالب السائقون بوجود تنظيم أفضل لحركتهم، بما في ذلك تخصيص مواقف في منطقة الشونة الجنوبية لتقليل الازدحام والتعديات من سيارات خاصة تعمل دون ترخيص.
من جهتها، حاولت وزارة النقل التخفيف من الأزمة عبر زيادة عدد الحافلات المخصصة للجسر من 20 إلى 30 حافلة، لكن السائقين والمواطنين يؤكدون أن الأزمة أعمق وتتطلب حلولاً جذرية تراعي الأبعاد الإنسانية والاقتصادية في آن واحد.












































