جبهة العمل الإسلامي تحت المجهر: السيناريوهات الثلاثة لمستقبل الحزب بعد القرار الأمريكي

الرابط المختصر

 يضع الأمر التنفيذي الصادر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بخصوص -حظر جماعة الإخوان المسلمين- والمتزامن مع صعود فريق متشدد للخارجية والخزانة (روبيو وبيسنت)، الدولة الأردنية أمام اختبار جيوسياسي وقانوني حرج. 

فقد نقل وزير الخارجية الأمريكي ملف الإسلام السياسي من خانة "الإدارة السياسية" إلى خانة "العداء الأيديولوجي". لا يؤمن روبيو بوجود "إسلام سياسي معتدل"، مما يغلق الباب أمام التبريرات الدبلوماسية التقليدية التي كانت تسوقها عمّان تحت عنوان "إسلام سياسي معتدل".

يأتي هذا القرار في توقيت يشهد فيه الأردن تحولاً في مشهده السياسي الداخلي بعد الانتخابات النيابية الأخيرة التي حصد فيها حزب جبهة العمل الإسلامي كتلة وازنة (22% من إجمالي المقاعد) عقب عملية تحديث سياسي أطلقها الملك عبد الله الثاني في حزيران 2021.

تخلُص هذه الورقة إلى أن خيار "الإبقاء على الوضع الراهن" أصبح شبه مستحيل، وأن خيار "الحل الجذري" مكلف جداً وتطرح 3 سيناريوهات محتملة لمصير الحزب.

وبناءً عليه، ترجح الورقة سيناريو "إعادة التموضع القسري"، الذي يتطلب هندسة سياسية دقيقة تفصل كلياً بين "الحزب" ككيان وطني قانوني، وبين "الجماعة المحظورة في الأردن" كفكر عابر للحدود، لتجنب العقوبات الأمريكية دون نسف مخرجات التحديث السياسي الأردني.

 

مد وجزر 

لم تكن الأردن بحاجة فعلاً إلى قرار ترامب للبدء بإجراءات ضد الإخوان؛ فقد دخلت حكومة الأردن عام 2025 دوامة تصعيد قانوني وأمني ضد الإخوان والمساجد والجمعيات التابعة لهم، من مصادرة مقرات الجماعة إلى اعتقال قيادات فيها وتوجيه اتهامات بالتمويل غير المشروع.

ومع إعلان ترامب عزمه تصنيف فروع الإخوان، عاد ملف الحزب الإسلامي إلى الواجهة بقوة، ليؤكد مراقبون أن القرار الأمريكي يمنح الحكومة الأردنية الحليفة القوية للويات المتحدة الأمريكية غطاءً سياسياً لإجراءات قد تتخذ ضد نفوذ الإخوان وحزبها السياسي.

إقليمياً تُعَدّ هذه الخطوة جزءاً من توجه أمريكي حديث لتقييد حضور التنظيمات الإخوانية؛ فإلى جانب الأردن، تستهدف الدراسة فروع الإخوان في لبنان ومصر، وقد أشادت تل أبيب وحلفاء مثل الإمارات والسعودية بقرار ترامب.

وعلى الرغم من أن الأمر التنفيذي أمريكي ويحكمه القانون الأمريكي (أي أنه يطبق أولاً في الولايات المتحدة)، إلا أن النفوذ المالي والمصرفي للولايات المتحدة يوحي بأن لتصنيف الإخوان في قوائم الإرهاب أثره على المستوى العالمي.

 في الأردن، نشط الحزب الإسلامي على مدى عقود كوجه للعمل الإسلامي المعتدل سياسيًا، رغم القطيعة القانونية مع التنظيم الأم المحظور. ولذلك، تسلّط هذه الورقة الضوء على ثلاث سيناريوهات محتملة لمستقبل «جبهة العمل الإسلامي» في ظل هذه التطورات، من حيث الفرص والتحديات والتداعيات داخليًا وخارجيًا، مع تقييم مواقف الفاعلين الأردنيين قبل التوصية بالأرجح منها.

الخلفية السياسية والتشريعية في الأردن

تعود علاقة الإخوان المسلمين في الأردن إلى ما قبل تأسيس “الحزب السياسي” (جبهة العمل الإسلامي) عام 1992.

ففي العقود الماضية كانت «الحركة الإسلامية» – الإخوان في الأردن – جزءًا من المشهد السياسي كمعارض «وطني معتدل»، وأشارت تحليلات إلى أنه كان يُنظر إليها كـ«شريكٍ رئيسي في السلطة» خلال سنوات الأحكام العرفية السابقة ثم كمعارضة برلمانية بعد 1989.

تأسس حزب جبهة العمل الإسلامي في 1992 ويظهر النشاط الدعوي والسياسي للإخوان، ولكن ظل التنسيق بين الحزب والجماعة الأم وثيقًا.

على الصعيد التشريعي، لم يحظَ الإخوان بتشريعات خاصة، بل واجهوا قوانين تحجّم دور أي تنظيم ذي مرجعية دينية. ففي 2012 جرى تعديل قانون الأحزاب بحيث يحظر تأسيس أحزاب على أساس ديني أو طائفي، كما فرضت تعديلات انتخابية شروطًا صارمة مثل نسبة تصويت لا تقل عن 7% لحصد المقعد البرلماني.

وقد أوصلت هذه الشروط حزب جبهة العمل الإسلامي إلى غياب شبه تام عن مجلس النواب في انتخابات 2020، إذ لم يستطع تجاوز العتبة الوطنية. إلا أن تعديل نظام الانتخاب عام 2022 ضمن إدخاله قوائم حزبية، أعاد للحزب الحضور البرلماني بقوة، فقد حصد 31 مقعدًا من أصل 138 في انتخابات سبتمبر 2024 (17 مقعدًا في القائمة العامة و14 في الدوائر المحلية).

إلا أن الإنجازات الانتخابية لم تُنهِ الضغوط على الحزب. في إبريل 2020 قضت محكمة التمييز بحل جماعة الإخوان المسلمين غير الشرعية، وصدرت لاحقًا قرارات حكومية في 2025 بحظر نشاط الجماعة ومصادرة مقراتها وأموالها.

وبناء عليه، أصبحت فكرة «الحركة الإسلامية» تشمل الأن الإخوان «المحظورة وغير الشرعية» وكذلك ذراعها السياسي المرخّص قانونًا.

 تزامن ذلك مع تحقيقات أمنية استهدفت قيادات الجماعة والحزب؛ ففي أبريل 2025 داهمت الأجهزة الأمنية مكاتب الإخوان وجرى ضبط وثائق مالية تؤكد وجود تجاوزات في تمويل الحزب.

شهر أبريل 2025 كان صدمة للحركة الإسلامية في الأردن، إذ فرضت الحكومة «تصويب الاختلالات القانونية والتشوهات في الحياة السياسية الناتجة من تداخل العلاقة بين الجماعة والحزب».

باختصار، الوضع التنظيمي للحزب يواجه إشكاليات قانونية وتشريعية مزدوجة: فمن جهة يفتقر إلى جهة أصلية موحدة تمثل الإخوان بعد حل الجماعة الأم، ومن جهة أخرى يخضع لضوابط قانون الأحزاب الجديد (رقم 7 لسنة 2022) التي تشدد على الشفافية ومصادر التمويل والعضوية. 

يعتبر الحزب كان من أكثر الأحزاب المعارضة  بقاءً في البرلمان إذ كان يُنظر إليه أنه المعارضة معتدلة تحترم النظام، ولم ينخرط الحزب تاريخيًا بأعمال عنف.

 ولكن التوترات الأخيرة مع الحكومة وارتباط الحزب بقضية الخلايا المسلحة التي ضبطتها الأجهزة الامنية تضع مصيره في مقدمة الأولويات السياسية. وقد أعلن الملك عبد الله الثاني في تصريحات صحفية أن مستقبل الحركة الإسلامية في الأردن «أمر بيد القضاء»، مؤكداً أن سيادة القانون تضمن العدالة للجميع.

 

السيناريوهات المحتملة

 

1. حل الحزب بالكامل

 

أوّل السيناريوهات وأكثرها صرامة، يتمثّل في حل حزب جبهة العمل الإسلامي نهائيًا وفقدانه مقاعده في مجلس النواب (حال توجيه إجراء بحله). وهذا أمر لا يستبعده مصدر في الحزب الذي يصف ما يجري من سيناريوهات "بالغموض".

قد تستغل الحكومة الأردنية هذا السيناريو لإظهار جدية في مكافحة أي تأثير للإخوان. فمن ناحية، قد يساهم القرار في تقوية العلاقة مع حلفاء غربيين وعرب؛ فقد أشارت تقارير إلى أن خطوة تصنيف فروع الإخوان تعمل على إضفاء مشروعية لأي دولة تسعى إلى توسيع إجراءاتها ضد التنظيمات  مرتبطة بالإخوان المسلمين.

كما أن إزاحة الحزب عن المشهد قد تسمح بتقديمه كنموذج لحركة إسلامية «معتدلة» تتم تصفيتها عبر آليات الدولة القانونية، وهو ما قد يكسب الحكومة الأردنية غطاءً دوليًا.

لكن، يحمل حل الحزب مخاطر كبيرة على الاستقرار السياسي. أولًا، يؤدي فقدان 31 نائبًا من أصل 138 إلى خلل فوري في التمثيل النيابي.إذ توقّعت تحليلات صحفية أن انهيار الحزب سيحسم 31 مقعدًا شاغرًا، ما قد يدفع باتجاه حلّ المجلس وإجراء انتخابات مبكرة لتعبئة المقاعد.

لا يستبعد مصدر في حزب جبهة العمل الإسلامي هذا الخيار، بالرغم من وصفه للمشهد، بـ"الضبابي"، يتوقع سيناريو "إقرار الموازنة للسنة المالية 2026، وحل البرلمان، واجراء انتخابات مبكرة".

هذا السيناريو يهدد بالاحتقان. فقاعدة الحزب العريضة في الشارع قد ترى في الحل انتهاكًا للحريات السياسية، مما قد يؤجج الاحتجاجات ويحرض على العنف، خصوصًا إذا استمرت الحكومة في الإجراءات الأمنية القوية ضد أنصار الحزب.

وقد نبّه مراقبون إلى خطورة الانسياق وراء إجراءات «أجنبية متسرعة»؛ إذ يحذرون من أن خطوات سابقة استخدمت تصنيفات إرهابية على تنظيمات كـ«جبهة النصرة» ثم «هيئة تحرير الشام» قد أثارت شبهات حول جدواها النهائية مع فارق التشبيه الأيدلوجي بين هذه التنظيمات وجماعة الإخوان المسلمين.

داخلياً، يحرم حل الحزب نواب الأمة من تمثيل جزء مهم من الناخبين، وقد يُنظر إليه على أنه «إغلاق للفرصة» أمام المعارضة. 

وقد يؤدي الفراغ إلى تفاقم الاستقطاب؛ فبدلًا من احتواء الإحتجاج من خلال برلمان فيه صوت معتدل، قد يندفع بعض الشباب الإسلاميين إلى تنظيمات أكثر تطرفًا لوجود فراغ سياسي يحتويهم.

أما  خارجيًا، من المحتمل أن تحتفي الولايات المتحدة وإسرائيل بهذا السيناريو لأنه يتماشى مع سياستها الجديدة ضد الإخوان، لكن في الوقت نفسه قد تثير ردود فعل سلبية من الغرب التقليدي والمنظمات الحقوقية التي ترى في ذلك مخالفة للإصلاحات السياسية. 

كما أن خطوة كهذه قد تُثير توترات مع دول داعمة للإخوان والاسلام السياسي مثل تركيا وقطر.

 

2- إعادة هيكلة الحزب ودمجه مع أحزاب أخرى

يتضمن هذا السيناريو تغيير هوية الحزب التنظيمية أو دمجه ضمن كيانات سياسية أخرى لمواصلة نشاطه في إطار جديد.

 يتيح القانون الأردني (قانون الأحزاب 2022) إمكانية اندماج الأحزاب بحيث ينقضي الكيان القانوني للحزب الأصلي ويبدأ كيان جديد.

من هذا المنطلق، قد تتحول جبهة العمل إلى حزب جديد غير معترف رسميًا بانتمائها لجماعة الإخوان (مثل حذف إيحاءات الميثاق أو تغيير اسمها)، أو تنضم إلى تحالف برلماني مع أحزاب إسلامية أخرى أو وطنية.

يجدر بالذكر أن مصادر مختلفة رأت أنه بالحل الذاتي وإعادة التأسيس تحت اسم جديد قد يتسنى لهما استكمال النشاط السياسي ضمن ظروف قانونية أكثر مرونة.

في هذا الإطار، يحتفظ الحزب بعنصر نضال معارض في الساحة مع وقف التصادم المباشر مع السلطات؛ ويمكن أن يُقدم هذا النموذج باعتباره مساهمة إيجابية في إنجاح معايير الشفافية والحوكمة (مثل الالتزام بإفصاح التمويل والنظام الداخلي الجديد)، مما قد يقنع الشركاء الدوليين بمرونة منهج الحزب.

لكن تواجه إعادة الهيكلة منعطفات صعبة. فعلاقات الحزب بجماعة الإخوان الأم شبه عضوية ومتشابكة رغم الفصل القانوني (فعلى سبيل المثال الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الاسلامي مراد العضايلة أصبح المراقب العام للجماعة قبل حظرها)، ومن الصعب أن تقبل جميع الأعضاء بفصل كامل عن المرجعية التاريخية.

وقد يواجه محاولة إعادة صياغة أهداف الحزب ونظامه الأساسي على أساس الفصل عن الجماعة الأم يواجه رفضًا شديدًا من تيار متشدد داخله.

وبالتالي قد يفقد الحزب جزءًا من قاعدته التقليدية رافضة للابتعاد عن الإخوان، والأصعب من ذلك، أن أي اندماج مع حزب آخر مقبول سياسياً أمر بعيد؛ إذ ستتردد الأحزاب الأخرى في استقبال أنصار إخوان لم يُغيّروا أيديولوجيتهم. من جهة أخرى، حتى مع تبني هيكلة قانونية، فإن المراقبة الحكومية «الدقيقة» على مصادر التمويل والنشاط التنظيمي لا تزال قائمة، الأمر الذي يعني أن أي تغيير شكلي قد لا يعفي الحزب من الملاحقة القانونية لاحقًا.

ومن المرجّح أن تولد هذه الخطوة جدلاً حادًا بين كوادر الحزب وأعضائه، خصوصًا أن شريحة من الأعضاء الشباب ترى في إعادة الهيكلة انسحابًا عن المبادئ.

ولذا قد تنشطر الحركة إلى جناحين: أحدهما يسعى للحفاظ على خطها الإسلامي المعروف، والآخر يقبل بالتحول كحل استراتيجي.

دوليا،قد يرى بعض المراقبين إعادة الهيكلة كتحرك حسن نية من الحزب تجاه الشركاء الدوليين، مما قد يقلل ضغوط الإدارة الأمريكية عليه. غير أن هناك من قد يعتبرها مناورة تكتيكية فقط. إن أغلبية الدول العربية الداعمة للحظر (مثل مصر والسعودية) قد لا تمنح ثقة إلا بعد رؤية نتائج ملموسة، بينما قد تستمر قوى غربية (فرنسا، أوروبا) في مطالبة الأردن بضمانات ديمقراطية أوسع.

 

3. إبقاء الوضع الراهن ضمن تفاهمات سياسية

يعني هذا السيناريو استمرار عمل الحزب باسم «جبهة العمل الإسلامي» دون حل أو إعادة هيكلة جذرية، مقيداً باتفاقيات ضمنية مع الحكومة.

يسمح هذا الخيار بالحفاظ على ثبات نسبي في المشهد السياسي، حيث يستمر الحزب في ممارسة دوره كمعارضة معتدلة ترفع مطالب شعبية (مثل دعم قضية غزة، ومحاربة الفساد) لكن ضمن إطار تفاهمات مع السلطة.

 يتيح هذا التوازن للحكومة الاستفادة من شرعية الحزب الشعبية في توجيه الاحتجاجات السلمية والإسهام بالاحتجاجات الخاضعة للقانون (عدم تكرار احتجاجات بعض الدول العربية ف الربيع  العربي متظاهرون دون قيادة)، كما يحمي ذلك الأردن من إفراغ الساحة السياسية من صوت إسلامي معتدل، وهو ما يخشاه النظام دائماً لتجنّب فراغ سياسي قد يسدّه متطرفون

من ناحية أخرى، يحافظ الاستمرار دون خطوات تصعيدية على صورة الأردن دولياً، حيث قد يُنظر إليه كدولة توازن بين ضبط الأمن وسيادة القانون مع احترام الحريات النسبية.

هذا المسار ليس بلا مخاطرة. فهو يعني إبقاء الحزب تحت التدقيق الأمني والقانوني للحكومة، وقد يعرّضه لمزيد من القيود. فعلى سبيل المثال، قد ترفع الولايات المتحدة أو لوبيات في واشنطن مطالب بإجراءات أكثر صرامة على الحزب بعد تصنيف فروعه عالمياً، مما يضع عمان في معضلة بين رضا حليفها الأمريكي وإشباع قاعدتها الداخلية.

داخل الحزب نفسه، قد تُعتبر هذه الوضعية «مهادنة»، مما يزيد حساسية «شباب الإخوان» الذين يدفعون باتجاه مواقف أكثر صرامة.

بالإضافة إلى ذلك، يبقى الحزب عرضة لاستمرار التحقيقات المالية والقضائية؛ فقد أشار المراقبون إلى أن الحزب «يخضع الآن تحت المجهر» لأية خروقات محتملة للدستور أو القانون، مع ترجيح تأجيل قرار حله إلى ما بعد انتهاء هذه التحقيقات.

ويحتفظ هذا الحل بوضع الحزب القانوني الحالي. فقد جرى في أبريل 2025 حظر نشاط الجماعة رسميًا، بينما لم يُلغَ ترخيص الحزب.

وعليه، يبقى الحزب حاضرا في البرلمان وحضور في الشارع. إلا أن ذلك يأتي مصحوبًا بانقسام داخلي؛ فتيارٌ في الحزب يطالب بإصلاحات قانونية وإدارية (مثل تعديل النظام الأساسي) لتجنّب المآزق القادمة، في حين يتمسك آخرون بإبقاء الروابط الأصلية مع الإخوان.

دوليا، قد تُعتبر هذه الاستمرارية مقبولة دوليًّا أكثر من حله القسري؛ فالاحتفاظ بصوت معارض تقليدي يُحدّ من انتقادات حقوق الإنسان. بيد أن استمرار الوضع الراهن لا يكفي إذا واصل البيت الأبيض الضغط؛ فالجهات الدولية الأخرى قد تضغط لإظهار إجراءات ملموسة. وفي حالة عدم تغيير واضح، قد تُصنف حكومة الأردن في نظر واشنطن أو بعض المؤسسات الدولية بأنها لا تتفاعل مع تحذيرات حلفائها.

موقف الدولة الأردنية وردود الفعل الحزبية

منذ صدور الأمر الأمريكي، حافظت الحكومة الأردنية على موقف حذر، فقد أكد الملك عبدالله الثاني أن «مصير الحركة الإسلامية أمر بيد القضاء» في إشارة إلى استمرار الإجراءات القانونية الجارية. 

وقد وُضعت جبهة العمل الإسلامي تحت مراقبةٍ أمنية وقضائية مشدّدة، وشُكِّلَت السلطات لجنة لحصر أموال الجماعة وممتلكاتها، وأُغلقت مؤسسات اقتصادية مرتبطة بالحركة الإسلامية.

على الساحة الحزبية، نددت جبهة العمل الإسلامي بالضغط الخارجي، مطالبة بلقاء بين الحكومة والحزب للنقاش بعيدًا عن «التدخل الأمريكي».

وحسب قيادات الحزب، فإن التحقيقات الحالية استخدمت مواد مالية ضدهم وشنّت حملة إعلامية، بينما يؤكدون التزامهم بالقانون وسلامة تمويل نشاطاتهم. بيد أن أصواتًا أخرى داخل الحزب، خصوصًا من جيل الشباب، ترى أن الوقتَ قد حان لإعادة بناء المنظمة بالكامل؛ فقد أوردت «الشرق الأوسط» أن هناك من يطالب بفصل تام عن الجماعة الأم وإعادة صياغة النظام الأساسي للحزب

تتبين من المعطيات أن الحكومة الأردنية ستمضي بحذر بين الخيارات الثلاثة؛ فهي لا تنوي بتاتًا الاستعجال بحل الحزب قبل انتهاء الإجراءات القضائية الجارية

على المدى القصير، يبقى السيناريو الثالث (الحفاظ على الوضع الراهن مع مراقبة مشددة) هو الأكثر احتمالاً، إذ يسمح للسلطة بشراء الوقت وإدارة الأزمة ضمن ثالوث قانوني- سياسي- أمني. 

وفي إطار هذا السيناريو، قد يجري التوافق ضمن أروقة صنع القرار على منح الحزب فرصة لتبني إصلاحات تنظيمية داخلية (كما أعلن هو نفسه تعديل نظامه الداخلي)، بحيث يلائم تمامًا متطلبات القوانين الجديدة ويتجنب أي انطباع بالارتباط الصريح بالإخوان.

بالمقابل، يبقى السيناريو الثاني (إعادة الهيكلة أو الاندماج) خيارًا احتياطيًا إذا تفاقم الضغط الشعبي أو الخارجي. فبدلًا من حل مقترن بغضب داخل الشارع، قد ترضي الحكومة مخرجًا يعيد تسمية الحزب أو دمجه قانونيًا، مما قد يقلص مبررات التدخل، ويجنب البلد سيناريو الفراغ النيابي والانتخابات المبكرة المُكلِفة. أظهرت تقارير أن استراتيجية «فك ارتباطه عن الإخوان الأم» قد تكون طرحت داخل أروقة الحزب ذاته

لذا يمكن اعتبار التحول نحو حزب موسع أو ائتلافي – رغبة مؤجلة – كحل وسط يجمع بين استمرار قنوات الحوار الإسلامي والدستور.

أما السيناريو الأشد تشدداً (الحل الكامل)، فيبدو بعيد المنال حاليًا، لاعتبارات داخلية وخارجية. فالحكومة الأردنية لن تتسرّع بتفريغ البرلمان من معارضيه الإسلاميين، خشية حدوث فراغ سياسي يصعب ملؤه، خاصة في أجواء الحرب المحيطة بالمنطقة

كذلك فإن الأحكام القضائية المنتظرة ستشكل الإطار النهائي لأي خطوة، وبالتالي لا يُحتمل إعلان الحل الفوري قبل صدور هذه الأحكام

بناءً على ذلك، يبدو السيناريو الثالث (الإبقاء على الوضع ضمن تفاهمات) هو الرائج الأوسع، مع التسليم بأن الحزب سيُطلب منه القيام بإصلاحات تنظيمية داخلية تزيل اللبس القانوني. وحتى مع ذلك، يبقى الحزب على المحك؛ فإما أن يعيد تعريف نفسه بعيدًا عن مرجعية محظورة، وإما أن يخسر شرعيته بالكامل لصالح تحالفات سياسية جديدة. 

وفي كل الأحوال، ستبقى الأيام المقبلة حاسمة، فالتوازن الحذر الذي تنتهجه عمان الآن خاضع لامتحان الضغط الشعبي والإقليمي المتصاعد، وستظهر رؤية الحكومة النهائية حين يستقر مصير الملفات القانونية وينضج قرار الإدارة الأمريكية.