لم تكن عائدة أبو عليم وهي أم لثلاثة أطفال تدرك أن حياتها ستنقلب رأسا على عقب عام 2008، حين بدأت تظهر عليها أعراض غريبة أربكتها، حيث تغير لون يديها فجأة إلى الأبيض ثم الأصفر فالأزرق، ترافق ذلك مع تورمات وآلام حادة في المفاصل تشبه وخز الإبر، لتكتشف لاحقا بأنها مصابة بمرض نادر هو "تصلب الجلد الجهازي" (Scleroderma)، أحد أمراض المناعة الذاتية.
تقول أبو عليم "كانت صدمة قاسية، لم أكن أعاني حتى من صداع بسيط سابقا، وفجأة وجدت نفسي أمام رحلة علاج معقدة.
ورغم صعوبة البداية، شكل التقبل لأبو عليم نقطة تحول في حياتها، وتؤكد بأنها تعلمت أن التعايش مع المرض نصف العلاج، والدعم النفسي لا يقل أهمية عن الدواء، كما أن الحظ حالفني بعد أن التقيت بطبيب خبير استطاع أن يشخص مرضي النادر سريعا بعد الفحوصات اللازمة.
لكن الوحدة والعزلة كانتا أصعب من المرض ذاته، إذ لم تجد من يشاركها التجربة أو يجيب عن تساؤلاتها، بينما كان البحث عبر الإنترنت يزيد إحباطها بعرض أسوأ مراحل المرض، على حد وصفها.
ومن بين الألم خرج الأمل، قررت أبو عليم أن تحول تجربتها القاسية إلى رسالة دعم لكل من يواجه الأمراض النادرة، وفي عام 2024، أسست جمعية التوعية بالأمراض النادرة، لتكون أول منصة في الأردن تعطي صوتا لهؤلاء المرضى، وتوفر لهم مساحة للتواصل، الدعم النفسي، والمعلومة الطبية الصحيحة بعيدا عن التضليل.
تقول عائدة إن كل ما أتمناه أن لا يمر أحد بالتجربة وحيدا كما مررت بها أنا، وأن يجد المريض مكانا يسأل فيه ويجد من يجيب.
اليوم تضم الجمعية 15 مريضا مصابا بتصلب الجلد الجهازي، إلى جانب أطباء مختصين، اختصاصي تغذية، وأخصائي نفسي ضمن مجموعة دعم عبر الواتساب، وتعمل الجمعية على تمكين المرضى عبر بناء شبكة تعاون، تنظيم ورش للأطباء والممرضين، وتوفير قناة تواصل بين المرضى وعائلاتهم من جهة، وبين وزارة الصحة والقطاع الخاص من جهة أخرى.
مرض نادر.. ومعاناة في التشخيص
يعرف مرض تصلب الجلد الجهازي، بأنه مرض مناعي ذاتي نادر يسبب تندبا وتصلبا في الجلد والأعضاء الداخلية نتيجة لإنتاج مفرط للكولاجين، ويبلغ نسبة انتشاره عالميا نحو 17.6 حالة لكل 100 ألف شخص، فيما يقدر معدل الإصابة السنوي بحوالي 1.4 حالة لكل 100 ألف شخص، مع إصابة النساء بشكل أكبر، خاصة بين سن 30 و50 عاما.
أما في الأردن، فتشير رئيسة جمعية التوعية بالأمراض النادرة عائدة أبو عليم إلى أن غياب الإحصاءات الرسمية يمثل تحديا حقيقيا، إذ لا تتوفر أرقام دقيقة حول عدد المصابين لا بهذا المرض ولا بغيره من الأمراض النادرة، موضحة أن ما هو متوفر لا يتجاوز اجتهادات بعض الأطباء المهتمين بالموضوع، دون وجود قاعدة بيانات أو مرجع رسمي.
أهمية التشخيص المبكر
من جانبها تؤكد استشارية الباطنية والروماتيزم ونائب رئيس جمعية الدكتورة منال المشاعلة، أن التشخيص المبكر لأي مرض نادر يعد حجر الأساس في نجاح الخطة العلاجية، موضحة أن التأخر في التشخيص مشكلة شائعة، خاصة في الأمراض النادرة، إذ قد يظل المريض سنوات قبل أن يعرف طبيعة مرضه، في المدن الطرفية تحديدا قد لا تتوفر التخصصات الدقيقة، مما يؤدي إلى تأخير إضافي، كذلك بعض الفحوصات اللازمة للتشخيص قد تكون مكلفة، وهو ما يفاقم المشكلة.
وتشير إلى أنها استقبلت حالات وصلت في مراحل متقدمة من المرض، وقد أثر بالفعل على الرئة والقلب، مما جعل العلاج أكثر صعوبة، مضيفة أنه أحيانا يتم تشخيص المرضى بشكل خاطئ، كأن يشخص مريض بهذا المرض بالصدفية، رغم أن طريقة العلاج مختلفة تماما.
وتنصح المشاعلة في حال ظهور تغير في لون اليدين عند التعرض للبرد أو التوتر، أو وجود تورم وتيبّس في المفاصل صباحا، أو ملاحظة أي علامات على نقص التروية في الأطراف، يجب مراجعة طبيب روماتيزم مختص دون تأخير، لأن التشخيص المبكر يختصر سنوات من المعاناة ويقلل من المضاعفات، مشيرة إلى أن بعض الدراسات العالمية أظهرت أن أمراضا مثل التهاب الفقار اللاصق قد يتأخر تشخيصها حتى 14 عاما، بسبب تشابه الأعراض مع مشكلات أخرى كالانزلاق الغضروفي.
ورغم عدم وجود علاج شاف حتى اليوم، تمكنت أبو عليم من التعايش مع المرض عبر تغيير نمط حياتها، من خلال الغذاء الصحي، النوم المنتظم، ممارسة الرياضة الخفيفة مثل السباحة واليوغا، والحصول على دعم نفسي متواصل، مؤكدة أن تقبلها للحالة وتغيير أسلوب حياتها جعل تأثير العلاج الطبي أكثر فاعلية، إلى جانب دعم العائلة والأصدقاء كان فارقا حقيقيا في رحلتي، على حد تعبيرها.
دور جمعية التوعية بالأمراض النادرة
تعمل جمعية التوعية بالأمراض النادرة على تمكين المرضى عبر إنشاء شبكة تعاونية تربطهم ببعضهم البعض، وبمقدمي الرعاية الصحية والداعمين، ومن خلال تبادل المعرفة، وتشجيع البحث، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي.
تقول رئيسة الجمعية، عائدة أبو عليم نحن لا ننظر إلى المريض كحالة طبية فقط تحتاج إلى أدوية وفحوصات، بل نهتم أيضا بظروفه المعيشية والنفسية والاجتماعية، هدفنا أن نكون حلقة وصل بين المرضى وعائلاتهم من جهة، وبين وزارة الصحة والقطاع الخاص، مع الاستفادة من التجارب الدولية.
وترى أبو عليم أن التوعية لا تقتصر على المرضى وأسرهم، بل يجب أن تمتد أيضا إلى الكوادر الطبية، فالأمراض النادرة ليست مألوفة يوميا لدى الأطباء، ولهذا تعمل الجمعية على تنظيم ورش عمل ومحاضرات للأطباء والممرضين، مما يسهم في تعزيز الوعي وتمكينهم من التشخيص المبكر.
وتسعى الجمعية إلى رفع مستوى الوعي وتحسين جودة الرعاية الصحية وضمان أن يكون لكل مريض صوت مسموع.












































