انهاء حياة طفلة...أين هي الحجة؟!

الرابط المختصر


في الوقت الذي ينشغل العالم بالاحتفال بشهر حقوق الإنسان و يوم الطفل و وانطلاق الحملة الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة، وفي خضم النقاش الدائر في أوساط اجتماعية وعلى مواقع التواصل الإجتماعي ، عن المبالغة  والتضخيم لدى المهتمين والمهتمات بحقوق المرأة  عن مستويات العنف الوهمية تجاه النساء وربما عدم وجوده أصلا ، وأن "احنا مو هيك وأننا مجتمع يحترم المرأة ويراعيها طفلة وفي جميع مراحل العمر ...الخ " نجد أنفسنا في الأردن أمام حادثة بشعة أخرى وهذه المرة الضحية ليست إمرأة، وليست فتاة شابة وإنما طفلة في السادسة من عمرها.

كان الخبر: وفاة طفلة بسبب الضرب المبرح على يد والدها في شمال المملكة والصورة المرافقة للخبر وهي  الأخيرة التي رآها الأردنيون بها : طفلة بملامح بريئة ضاحكة متمسكة بعلبة "حلوى"، وفي الخلفية تصنيف البعض للنساء في مختلف الأعمار كحلوى مكشوفة وأخرى مغطاه، وإن مؤسسات المرأة هي من قادت النساء على التمرد والمطالبة بحقوق ليست منتهكة أساسا ؟! والحقيقة أنها في كثير من الأماكن وعلى مستويات عدة هي  فكر"محض خيال او ترف وخروج عن موروث اجتماعي وديني "  مدعوم  من قوى ابوية ذكورية محافظة مستفيدة من  هذا الواقع وعدم تغييره.

كل مرة ونحن نبحث عن الحجة بسبب جريمة ضحيتها إمرأة – رغم عدم وجاهة ذلك أو منطقيته على الإطلاق-  يعيدنا النقاش الأعمى للمربع الأول :  ما زالت النساء تقتل بلا سبب!

طفلة ربما لم تتقن الكلام جيدا بعد، انتهت حياتها حتى قبل ان تبدأ ، وعلى يد والدها! الذي يصنف دينيا واجتماعيا وإنسانيا بالراعي والحامي لابنته من العالم، اليس من المفترض ان تكون العائلة هي الحصن والحضن الذي تلجأ له الفتيات في بلادنا؟! يبدو ان هذا الحضن ضاق على "رحمه" وتواطئ بالمحصلة عليه، بالسكوت عن  جريمة بشعة لم تقع  وقت لحظة القتل فقط ، وإنما كانت مستمرة عبر سنوات من التعنيف والضرب والتشويه وحلاقة شعر الرأس وغيرها من التصرفات "الإجرامية " وبكثافة !

 أتساءل هنا هل بدأت هذه مأساة هذه الطفلة وهي رضيعة ؟!  كيف استطاع الأب وبمشاركة الأم أحيانا -كما أظهرت التحقيقات الرسمية- أن يمارسو كل ذلك على جسد ابنتهم في بضعة سنوات فقط ، بل إلى أين  كانت مخيلتهم  ووحشيتهم ستقودهم لو كتب لها العمر لسنوات أخرى  !!

لا أظن أن هذه السنوات كانت كافية لتظهر طفلة بوادر رفض، تمرد،  تشب عن الطوق مثلا .."فتتيح" للجاني مرة أخرى  مبررا وحجة لكل من يمارس أو يعطي الشرعية لممارسة سلطة التعذيب تحت مبرر "التأديب " للنساء لدينا، متكئين على  نص المادة 62 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960،  كسند وباب للبراءة والشرعية وهي التي تجيز" للوالدين ممارسة أنواع التأديب تجاه أبنائهم بما لا يتسبب في إيذائهم أو إلحاق ضرر بهم، وفقاً لما يقره العرف العام"وأنها من  الأفعال المصرح بها بموجب القانون ولا تعتبر جرائم.

بالتأكيد لا يقول القانون ولا يجيز التأديب بالضرب للأطفال لا من قبل الأهل ولا من قبل أصحاب أي سلطة أخرى، بل تعاقب النصوص على ضرب الأطفال وممارسة العنف تجاههم وتعد جرائم في قوانين أخرى وبشكل واضح كقانون الطفل وغيرها من تشريعات فالمشكلة ليست هنا، وإنما بالفهم المجتمعي لتلك القوانين من جهة ومن حدود السلطة وبخاصة الأبوية تجاه أولادهم من جهة أخرى.

لا أظن شخصيا أن هذه الجريمة وبهذه البشاعة كانت لتتم وبهذه السهولة لو لم تكن الضحية طفلة ، صحيح أن هناك ذكورا يتعرضون يوميا للضرب والتعنيف ولكن الإناث وفي مختلف المراحل العمرية وهو ليس مجرد أو انطباع او ردة فعل غاضبة تجاه قصة واحدة او قصص نسمعها يوميا وإنما تعكسه أرقام تقارير رسمية التي وثقت انه في العام 2023 تبين أن  الإناث من الفئة العمرية التي تتراوح بين 18-60 عاما، هن الأكثر تعرضا للعنف الأسري،  وأن 80% حوادث العنف الأسرى ضحيتها نساء وفقا للتقرير السنوي للفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف.

صحيح المشكلة ليست محلية ولا إقليمية حتى وإنما عالمية والأرقام صادمة في العديد من الدول ولكننا هنا من اعتدنا حماية النساء وبخاصة الطفلات منهن وتغنينا بهن وأطلقنا عليهن تيمنا بمنظور ديني  "المؤنسات الغاليات" حتى بات إعتقاد عربي راسخ بغض النظر عن الخلفية الدينية للمجتمع.

ألم نبك وتحسرنا على صور المئات منهن في غزة والسودان وسوريا واليمن ...الخ  وطالبنا بحماية وتدخل ورفعنا شعارات الحقوق والواجب ..لماذا نتبرع بالجريمة تجاه من يجب ان نحميهن وننهي حياتهن بلا حرب وانتهاك كرامتهن بلا مجاعة لماذا نحول ما تبقى من مجتمعاتنا الآمنة إلى ساحة حرب نعلنها على أنفسنا ونطلق النار على على صدورنا وبأيدينا ..