
العناني: 15 مل فقط من الميثانول كافية للموت.. والمدمنون يبحثون عن الأرخص

بدأت القضية بعد تسجيل عدة حالات وفاة غامضة في مستشفيات محافظة الزرقاء، وسرعان ما كشفت التحقيقات الجنائية والتقارير الطبية أنها ناجمة عن تناول مادة "الميثانول" السامة، المستخدمة في الصناعات الكيميائية، ومع تطور الأحداث، ارتفع عدد الضحايا إلى تسع وفيات و17 إصابة من محافظات الزرقاء وعمان والبلقاء، وفقا لبيان صادر عن مديرية الأمن العام.
مادة الميثانول، بحسب المختصين هي مادة شديدة السمية لا تصلح للاستهلاك البشري، تستخدم عادة في الصناعات الكيميائية والدوائية، إلا أن تناولها يعد قاتلا، حيث يؤدي إلى أعراض خطيرة تشمل العمى المؤقت، الغيبوبة، ثم الوفاة.
هذه الحادثة أثارت موجة من الاستياء الشعبي، وسط تساؤلات عن مدى فاعلية الرقابة على المصانع والمحال التجارية، خاصة بعد الإعلان عن أن بعض المصانع المتورطة مرخصة رسميا.
وفي هذا السياق، كان قد أعلن مدير عام المؤسسة العامة للغذاء والدواء، الدكتور نزار مهيدات، عن إغلاق ثلاثة مصانع تقوم بتصنيع الميثانول، من بينها مصنع ثبت وجود المادة في أحد خزاناته، موضحا أن فرقا مشتركة من المؤسسة والأجهزة الأمنية توصلت إلى أن المادة السامة كانت السبب الرئيسي في حالات الوفاة.
من جهته، يؤكد مدير إدارة الشؤون الفنية في وزارة الصحة ورئيس اختصاص طب الطوارئ، الدكتور عماد أبو يقين في تصريحات له، أن بعض الحالات المصابة خضعت لعمليات غسيل دم في ساعات متأخرة من الليل، ولا تزال حالات منها ترقد في أقسام العناية الحثيثة.
تصنيف المؤثرات العقلية
الرئيس السابق للمركز الوطني لعلاج الإدمان في وزارة الصحة الدكتور جمال العناني في حديثه لـ "عمان نت"، يحذر من خطورة مادة الميثانول، التي تستخدم أحيانا بشكل غير قانوني في المشروبات الكحولية المغشوشة، وتشكل تهديدا مباشرا على حياة من يتناولها.
ويوضح العناني أن المؤثرات العقلية تقسم حسب تأثيرها إلى ثلاث مجموعات منها مثبطة، ومنشطة، ومهلوسة، ومن حيث قانونيتها، فبعضها قانوني وبعضها غير قانوني، كما وتصنف الكحوليات ضمن المواد المثبطة، إلى جانب مواد مثل الفاليوم والهيروين والأفيونات، وكذلك المواد الطيارة والمستنشقة.
ويشير إلى أن الكحول القانوني المستخدم في المشروبات الروحية المعترف بها هو "الإيثانول"، أو ما يعرف بإيثيل الكحول، وهو خاضع للرقابة في المصانع الرسمية وتعرف كمياته وتركيزاته بدقة، وعلى الرغم من كونه قانونيا، إلا أن الإيثانول قد يؤدي إلى التسمم في حال أسيء استخدامه بكميات كبيرة، كما يمكن أن يسبب الإدمان.
اما مادة "الميثانول، وهي كحول صناعي يستخدم في صناعات متعددة مثل مضادات التجمد، الوقود، وصناعات الأخشاب، ولا تستخدم للاستهلاك البشري إطلاقا، أن تناول كمية لا تتجاوز 10 مل من الميثانول وهي تعادل قاع كأس صغير، قد يسبب شللا في العصب البصري يؤدي إلى العمى، في حين أن تناول 15 مل فقط يمكن أن يؤدي إلى فشل في أجهزة الجسم الحيوية كالكبد، والكلى، والرئتين، والقلب وبالتالي الوفاة، بحسب العناني.
طرق الغش التجاري
ويشير العناني إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في الغش التجاري، حيث يتعمد بعض تجار المؤثرات العقلية إلى تفريغ زجاجات المشروبات الكحولية القانونية واستبدال محتواها بالميثانول، لبيعها بسعر أرخص، مستغلين تشابه لون ورائحة الميثانول مع الإيثانول، مما يجعل تمييزه شبه مستحيل بالنسبة للمستهلك.
وفي حال التسمم بالميثانول، يشدد العناني على ضرورة نقل المصاب إلى الطوارئ بشكل فوري، حيث يتطلب العلاج تبديل الدم وتنظيف الجسم بمادة البيكربونات، مؤكدا أن غالبية الحالات لا تكتشف في الوقت المناسب، لأن الضحايا غالبا ما يتناولون الكحول في أماكن منعزلة دون مراقبة.
يؤكد العناني، أن الإدمان على المواد المؤثرة عقليا له علامات واضحة تستوجب التوقف والوقاية، محذرا من مخاطر تناول الكحول المغشوش، لا سيما الميثانول، الذي قد يؤدي إلى العمى أو الموت.
علامات الإدمان وفرص العلاج
من أبرز علامات الإدمان بحسب العناني ما يعرف بـ"الكريفين" أو "الرغبة القهرية" في تناول المادة، إذ يصبح المتعاطي غير قادر على التمييز بين المواد الخطرة كالميثانول والإيثانول، باعتبار المدمن لا ينتظر التحقق، بل يريد فقط أن يشرب.
ويشرح أن مدمن الكحول يطور ما يعرف بالتحمل، أي زيادة الجرعة تدريجيا للحصول على التأثير نفسه، وأحيانا يصل المدمن إلى شرب لتر ونصف في الجلسة الواحدة، رغم أن 10 مل من الميثانول قد تسبب فقدان البصر، و15 مل قد تؤدي إلى الوفاة
يعتمد العناني على مقياس لتشخيص الإدمان، وهو اختصار لأربعة مؤشرات، وهي محاولة التوقف عن التعاطي دون نجاح، الشعور بالانزعاج من السلوك الإدماني وتأثيره على المحيط، الإحساس بالذنب تجاه التعاطي، الحاجة الفورية للتعاطي عند الاستيقاظ لتجنب أعراض الانسحاب، ففي حال ظهرت علامتان أو أكثر، فهذا مؤشر على وجود مشكلة إدمانية تستدعي التدخل.
يحذر العناني من الأثر المدمر للكحول على الجسم، خاصة الكبد، بقوله الإدمان قد يبدأ بتشحم الكبد، ثم يتطور إلى تليف لا رجعة فيه، ومن المضاعفات الخطيرة الأخرى، دوالي المريء التي قد تؤدي إلى نزيف قاتل دون إنذار.
ويرى العناني أن الإدمان يقود المتعاطي إلى تدهور اقتصادي واجتماعي، فيبدأ بالبحث عن البدائل الأرخص، حتى لو كانت سامة، بسبب فقدان الوظيفة أو ضعف الدخل، يتجه المدمن إلى الميثانول وغيره من المواد الرخيصة الخطيرة.
وعن فرص العلاج، توفر وزارة الصحة خدمات علاج الإدمان مجانا وبسرية تامة في المركز الوطني لتأهيل المدمنين، مع إعفاء قانوني لمن يتقدم طوعا، كما أنشأت إدارة مكافحة المخدرات مركزا متخصصا بسعة 120 سريرا بنفس الشروط.
وتنتشر العيادات النفسية في جميع المحافظات لتقديم التقييم الطبي وتحديد مسار العلاج، سواء كمرضى داخليين أو خارجيين، ضمن برامج تأهيل شاملة تضمن استمرارية التعافي.