تقول هند، موظفة في القطاع الخاص، إنها تنتظر "الجمعة البيضاء" خصيصا لشراء الملابس والأجهزة الإلكترونية بأسعار أقل، معتبرة أن العروض حتى وإن لم تكن بالخصومات العالمية، فهي فرصة لتقليل المصاريف، مشيرة إلى أنها تقارن الأسعار بعناية قبل الشراء، لذا فهي لا تشعر بأنها مضللة.
من جهة أخرى، يعبر خالد، طالب جامعي، عن خيبة أمله من بعض المحال التي رفعت أسعارها قبل اقتراب موعد الجمعة البيضاء ثم أعلنت عن تخفيضات تبدو وهمية، مضيفا أن زيادة الوعي الرقمي جعل من السهل اكتشاف العروض الحقيقية من المزيفة عبر منصات المقارنة ومواقع التواصل الاجتماعي.
أما سارة ربة منزل، تقول إن موسم "الجمعة البيضاء" ساعدها على التعرف أكثر على قيمة التخفيضات والتخطيط المالي للمشتريات، معتبرة أن الحدث أصبح أداة تعليمية للمستهلكين في متابعة الأسعار والتخطيط للشراء، حتى لو كانت بعض العروض محدودة.
من ناحية أخرى عبر أيمن، موظف في شركة خاصة، عن شعوره بالانخداع من أحد العروض المعلن عنها، حيث اعتقد أنه سيحصل على خصم كبير على جهاز إلكتروني، لكنه اكتشف بعد الشراء أن التخفيض كان ضئيلا مقارنة بالأسعار الفعلية قبل الحدث، معبرا عن خيبة أمله من التسويق المضلل لبعض المحال الصغيرة.
منذ بداية شهر تشرين الثاني بدأت الأسواق المحلية، التقليدية منها والإلكترونية، الاستعداد لموسم "الجمعة البيضاء" الذي أصبح حدثا سنويا بارزا ينتظره التجار والمستهلكون على حد سواء.
ورغم ما يروج له من كونه فرصة للحصول على خصومات تساعد في تخفيف الأعباء المعيشية، إلا أن الجدل يتجدد سنويا حول مدى واقعية هذه التخفيضات وما إذا كانت تشكل توفيرا حقيقيا للمستهلك أم أنها مجرد أداة تسويقية لتصريف البضائع.
وفي هذا السياق، حذرت نقابة تجار الألبسة والأحذية والأقمشة من استغلال موسم "الجمعة البيضاء" في الأسواق المحلية، داعية وزارة الصناعة والتجارة إلى تشديد الرقابة على التنزيلات لضمان التزام المحال التجارية بالتعليمات وحماية المستهلك من أي تجاوزات محتملة، مؤكدة النقابة أن توقيت الفعالية في الأردن غير ملائم، إذ تقام عالميا في نهاية الموسم وليس في بدايته، مما يقلل من أثرها التجاري ويضعف جدواها محليا.
وتشدد النقابة على أهمية وضع ضوابط واضحة تنظم العروض الترويجية، بما يضمن العدالة بين مصالح التجار وحقوق المستهلكين، مشيرا أن قيمة الاستيراد للموسم الحالي بلغت 20 مليون دينار مقابل 25 مليون دينار في الموسم الماضي.
التوقيت يربك السوق المستهلك أصبح أكثر وعيا..
من جانبه، يرى عضو غرفة تجارة عمان، أسعد القواسمي، أن ما يعرف محليا بـ"الجمعة البيضاء" هو في الأصل "البلاك فرايدي" المعتمد عالميا في آخر جمعة من شهر تشرين الثاني، وهو توقيت يتوافق عادة مع بداية الموسم الشتوي محليا، مما يخلق تضاربا واضحا، ويبين أن هذا التداخل يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في الأسواق، إذ تلجأ العديد من المحال للتنزيلات في الوقت الذي يفترض فيه عرض البضائع الجديدة للموسم، مما يسبب إرباكا تجاريا واسعا.
ويضيف القواسمي أن هذا الحدث يبقى ملزما لكثير من العلامات التجارية الكبرى، التي ترتبط بروزنامة الشركات الأم في الخارج، وبالتالي لا يمكنها تعديل موعده محليا، موضحا أن "الجمعة البيضاء" عالميا تستمر يوما أو يومين فقط في نهاية الشهر، وليست تنزيلات طويلة الأمد كما يحدث في بعض الأسواق.
ويشير القواسمي إلى وجود تباين في المواقف بين مؤيدين لفعاليات "الجمعة البيضاء" ومعارضين لها داخل السوق، معتبرا أن لكل طرف مبرراته، مؤكدا أن النقابات والغرف التجارية لا تستطيع منع هذا الحدث رغم تأثيراته السلبية على بعض التجار، لأن جزءا كبيرا من العلامات التجارية العالمية ملزم بهذا الموعد.
ويؤكد القواسمي أن المستهلك أصبح أكثر وعيا وانتظارا لهذه العروض، سواء في المحلات أو عبر الإنترنت، ما يجعل "الجمعة البيضاء" جزءا من ثقافة التسوق التي لا يمكن تجاهلها، ويرى أن الموسم غالبا لا يختلف كثيرا من عام لآخر، لأن نتائجه تعتمد على إمكانات كل متجر وقدرته على تقديم خصومات حقيقية، فالمتاجر الكبرى تمتلك القدرة على تخفيض الأسعار وتقليل هامش الربح، بينما تواجه المحلات الصغيرة صعوبة في تقديم عروض عميقة في بداية الموسم.
ويشير إلى أن بعض الاتهامات التي توجه للتجار برفع الأسعار قبل "الجمعة البيضاء" ثم الإعلان عن تخفيضات وهمية، أصبحت أقل واقعية في ظل ارتفاع وعي المستهلك ومتابعته للأسعار عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن تعليمات وزارة الصناعة والتجارة باتت صارمة، إذ تفرض تحديد نسب الخصم بوضوح على الواجهات وعلى كل رف داخل المتجر، مع فرض عقوبات على المخالفين.
تراجع قطاع الألبسة ومخاوف من منافسة "الطرود البريدية"
وفي حديثه عن واقع قطاع الألبسة، يؤكد القواسمي أن القطاع يشهد تراجعًا مستمرًا منذ سنوات وقبل جائحة كورونا، نتيجة عدة عوامل أبرزها انخفاض القوة الشرائية واتساع عدد المحال بشكل يفوق الحاجة الفعلية للسكان، إضافة إلى ارتفاع الرسوم الجمركية والضرائب.
كما يسلط الضوء على المنافسة الشديدة التي تفرضها الطرود البريدية القادمة من الخارج، في ظل تسهيلات حكومية يعتبرها القواسمي غير عادلة مقارنةً بالأعباء التشغيلية التي يتحملها التجار المحليون. ويصف قرار مجلس الوزراء المتعلق بإقرار رسم جمركي صفر على الطرود البريدية وفرض 16% ضريبة مبيعات على البضائع التي لا تتجاوز قيمتها 200 دينار بأنه غير منصف لقطاع الألبسة، نظرًا لغياب التدقيق الجمركي الصارم على الطرود مقارنة بما يخضع له التجار المحليون.
ويحذر من أن استمرار هذه التسهيلات يهدد وجود القطاع بكل مكوناته من عمالة وإيجارات واستثمارات، وينذر بتراجع إيرادات الدولة من هذا القطاع الواسع، داعيًا إلى تحقيق العدالة في تعليمات تنظيم التجارة الإلكترونية والطرود البريدية.
وفي سياق متصل، ثمنت النقابة العامة لتجار الألبسة والأحذية والأقمشة قرار مجلس الوزراء بفرض ضريبة مبيعات بنسبة 16% على الطرود البريدية الواردة من منصات خارجية، معتبرا نقيب القطاع، سلطان علان، أن القرار يسهم في تحقيق المساواة بين التجارة التقليدية والإلكترونية، ويعزز العدالة وتكافؤ الفرص، بما ينسجم مع المعايير المطبقة عالميًا لحماية الاقتصاد الوطني.
ويعبر علان عن أمله بأن تنعكس هذه القرارات إيجابيا على السوق المحلي، وأن تسهم في تنظيم التجارة الإلكترونية وتحقيق المزيد من العدالة بين أنماط التجارة المختلفة خلال الفترة المقبلة.












































