الأردن يفتقد حضوره الدرامي... وفنانون يطالبون بخطوة إنقاذ عاجلة

الرابط المختصر

أطلق عدد من فناني الدراما الأردنية بيانا حاد اللهجة عبروا فيه عن احتجاجهم على ما وصفوه بالتهميش والإهمال الممنهج الذي يعانيه الفن الأردني خلال السنوات الأخيرة، محذرين من أن استمرار هذا الوضع يشكل خطرا على الهوية الثقافية والدرامية للمملكة.

الفنانون اعتبروا أن ما يجري هو بمثابة "قتل للوعي وخنق للإبداع"، مطالبين الجهات الرسمية بخطوة عملية عاجلة تتمثل في إطلاق منافسة درامية سنوية تبدأ من موسم رمضان المقبل، لإنتاج أعمال قادرة على استعادة حضور الأردن على الساحة العربية.

 

الدراما مرآة المجتمع

ويوضح الفنان ساري الأسعد في حديثه لـ "عمان نت" أن إطلاق البيان الأخير من قبل مجموعة من الفنانين الأردنيين جاء نتيجة شعور عميق بالتهميش والإقصاء، وعدم الاكتراث بما يقدمه الفنانون بشكل عام، إلى جانب غياب الاهتمام بالحركة الفنية.

ويبين الأسعد أّن الفنانين سبق أن أطلقوا صرخات استغاثة متكررة، لكنهم لم يجدوا آذانا صاغية أو عقولا تفكر في حقيقة الفعل الدرامي، وفي مدى تأثيره على ذاكرة المكان والزمان، باعتبار أن الدراما مرآة للمجتمع الأردني بكل ما يحمله من تناقضات.

ويقول إن هذا القطاع ظل مهملا عبر الحكومات المتعاقبة، رغم أنه قطاع حيوي قدم الكثير للأردن وللدراما الأردنية،  مؤكدا أن الدراما البدوية، على سبيل المثال، انطلقت من الأردن وكانت علامة فارقة على مستوى الوطن العربي، حيث ارتبط اسم "المسلسل البدوي" بالدراما الأردنية تحديدا، وهو ما أسهم في صناعة هوية فنية ووطنية مميزة.

 

 

 

إرث غني... وواقع مأزوم

تاريخ الدراما الأردنية حافل بالإنجازات، فمنذ انطلاقها مع تأسيس التلفزيون الأردني عام 1968، حيث قدمت أعمالا اجتماعية وتاريخية مميزة، مثل الحنين إلى الرمال، والقضاء في البادية، قبل أن ترسخ حضورها عربيا عبر الدراما البدوية الشهيرة مثل راس غليص، ووضحى وابن عجلان، وجلوة راكان،  التي ارتبط اسمها بالأردن تحديدا، وأسهمت في صناعة هوية فنية ووطنية مميزة.

ويصف الكاتب الصحفي المهتم بالشأن الفني طلعت شناعة تلك المرحلة بأنها "الفترة الذهبية"، الممتدة من الستينيات حتى ما قبل حرب الخليج، ففي تلك الفترة، لم يقتصر الحضور الأردني على الدراما، بل شمل الإعلام عموما، إذ ساهم إعلاميون وفنانون أردنيون في تأسيس وزارات إعلام ومحطات تلفزيونية بدول الخليج.

كما أثبت الفنانون الأردنيون قدراتهم الفنية والإخراجية والهندسية، حتى أصبحوا جزءا من صناعة الدراما العربية، مشيرا إلى أن أسماء مثل إياد نصار وصبا مبارك ومنذر رياحنة وغيرهم، دليل على أن المواهب الأردنية متى ما أتيحت لها الفرصة استطاعت أن تنافس بقوة.

 

 

 

 

لكن مع مطلع التسعينيات تغيرت الأوضاع السياسية والاقتصادية بعد حرب الخليج، فتراجع الدعم والإنتاج داخل الأردن، وفي عام 2011 بلغ الإحباط ذروته، حيث خرج الفنانون الأردنيون في مسيرة رمزية حملوا خلالها "تابوت الفن الأردني"، في إشارة إلى موت الحركة الفنية، انطلاقا من دوار باريس وصولا إلى مقر نقابة الفنانين،  بحسب شناعة الذي يؤكد أنه منذ 14 عاما دق ناقوس الخطر، لكن الوضع تغير للأسوأ، وهناك فنانون اليوم لا يجدون ما يسد رمقهم، وبعضهم بلا عمل ولا دخل.

ويشير  الأسعد إلى أن ما وصل إليه القطاع اليوم من تراجع يعود إلى غياب الاهتمام والرعاية، ما تسبب في ارتفاع نسب البطالة بين الفنانين الأردنيين، مشيرا إلى أن الجامعات الأردنية تخرج سنويا ما بين 100 إلى 120 شابا وشابة في هذا التخصص، متسائلا عن مستقبل هؤلاء بعد عشر سنوات إذا لم ينهض بالحركة الفنية، مؤكدا أن الحكومة تتحمل المسؤولية في خلق فرص عمل لهؤلاء الخريجين.

 

تفاقم الأزمة

الأزمة التي تعيشها الدراما الأردنية لا تقتصر على شح الدعم والإنتاج، بل تفاقمت مع اتجاه بعض المحطات إلى استقطاب "يوتيوبرز" ومؤثرين من مواقع التواصل الاجتماعي بدلا من الفنانين المحترفين.

ويصف شناعة هذا التوجه بالإهانة للفنان الأردني، بقوله لا يمكن أن يكون هؤلاء بديلا عن قامات مثل زهير النوباني ومحمد العبادي وعبير عيسى. هؤلاء لديهم تاريخ ورسائل مهمة، بينما البعض يلهث وراء المشاهدات بأجور زهيدة لا تليق بفنان كبير.

كما ينتقد ما أسماه بالمسلسلات المصغرة أو الميكرو دراما التي لا تتجاوز بضع دقائق، والتي تعرض أحيانا في شهر رمضان، معتبرا أنها لا تمثل أعمالا درامية حقيقية، بل مجرد مواد خفيفة تمر مرور الكرام بين الفواصل الإعلانية أو شارات البداية والنهاية، حيث يصرف أحيانا على التتر أكثر مما يصرف على العمل نفسه.

ويتفق الأسعد معه  بقوله هذا تلفزيون وطن، لا يجوز أن يتحول إلى منصة للمشاهدات فقط، المطلوب تقديم مضمون يعبر عن المواطن الأردني وقضاياه.

وحول نوعية الدراما القادرة على إعادة الفن الأردني إلى مكانته العربية، يؤكد الأسعد أن الدراما الأردنية مؤهلة لتقديم جميع الأنواع، شرط أن يكون المحتوى نظيفا وهادفا، وهو ما يتقبله المشاهد العربي برحابة صدر.

 

 

غياب الدعم يزيد من التحديات

مع دخول الفضائيات العربية وانتشار الإنتاج الدرامي في مصر وسوريا والخليج، بدأت الدراما الأردنية تفقد مكانتها تدريجيا، حيث تراجع إنتاجها الكمي والنوعي ومع ذلك، واصلت بعض الأعمال الأردنية الفردية تحقيق نجاحات، خاصة على مستوى المسلسلات الاجتماعية والبدوية.

ويرى الأسعد أن غياب الدعم الحكومي جعل المنتجين المحليين يترددون في خوض مغامرة الإنتاج المكلف، مما تسبب في ارتفاع نسب البطالة بين الفنانين الأردنيين.

ويحذر  من أن الإبداع الأردني تم خنقه، حيث لم يعرض على شاشة التلفزيون الأردني عمل محلي منذ أكثر من سنتين، بعدما كان يشاهد على الفضائيات العربية،  مضيفا أن الدراما ليست ترفا، بل وسيلة لنقل رسائل الدولة وقيمها إلى الداخل والخارج، وهو ما تدركه دول عربية أخرى، مثل مصر وسوريا، اللتين تنتجان مئات المسلسلات سنويا صنعت هوية وسياحة واقتصادا.

بينما يرى شناعة أن هناك جهات لا تريد للفن الأردني أن ينهض، موضحا بأن إحدى شركات الإنتاج الأردنية التي كانت وحيدة وقادرة على المنافسة قد تعرضت لمؤامرات حتى توقفت عن العمل، علما أنها كانت تنتج حتى للفنانين المصريين،  مؤكدا أن الأردن بحاجة إلى شركات إنتاج قوية، لأن ميزانية التلفزيون الأردني محدودة، وكذلك وزارة الثقافة ونقابة الفنانين.

كما يشير إلى أن بعض شركات الإنتاج الأردنية القليلة التي كانت قادرة على المنافسة تعرضت لمحاولات إضعاف وتصفية، في ظل محدودية ميزانية التلفزيون الأردني ووزارة الثقافة، ما ترك فراغا كبيرا في السوق،  وهو ما يجعل الدراما الأردنية بحاجة ماسة إلى شركات إنتاج قوية بدعم حكومي وشراكة مع القطاع الخاص.

ويطرح شناعة سؤالا مباشرا "هل تريد الدولة فنا أردنيا أم لا؟" مشددا على أن الفن رسالة وطنية لا تقل أهمية عن أي قطاع آخر، داعيا إلى تخصيص ميزانية سنوية لدعم الدراما، وإنشاء شركة إنتاج وطنية تستفيد من الإعلانات والشراكات مع البنوك ورؤوس الأموال، كما هو الحال مع دعم الخبز والقطاعات الأخرى.

هذا وصرح رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، غيث الطراونة، إن المؤسسة وضعت خطة متكاملة لدعم الأعمال الدرامية والبرامج، تم إعدادها بشكل فعلي، تمهيدا لتنفيذها قريبا، مؤكدا أن المؤسسة مقبلة على مرحلة تطوير مهمة، مشيرا إلى أن هذه الخطة تأتي تنفيذا لتوجيهات رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، الذي شدد على ضرورة تطوير البرامج والإنتاجات الدرامية.