
اغتيال العلماء في القانون الدولي

من وجهة نظر القانون الدولي يعتبر اغتيال العلماء بمن فيهم العاملون في البرامج النووية فعلا غير مشروع حتى وإن كان الهدف المعلن هو منع تطوير أسلحة نووية أو مواجهة تهديدات أمنية محتملة.
فالقانون الدولي يحظر بشكل واضح أي عملية قتل تعسفي أو خارج نطاق القضاء سواء وقعت في سياق نزاع مسلح أو خارجه.
الحق في الحياة يعتبر من الحقوق الأساسية وغير القابلة للتصرف، وقد كفلته الصكوك الدولية وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي نص في مادته السادسة على أن لكل إنسان الحق الأصيل في الحياة ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته تعسفا.
وقد فسرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان هذه المادة في تعليقها العام رقم 36 لعام 2018، مؤكدة أن الدول ملزمة بالامتناع عن تنفيذ أو السماح بأي قتل تعسفي بما في ذلك القتل المستهدف لأفراد لا يشاركون في أعمال قتالية سواء على أراضيها أو خارجها.
كما أكدت مبادئ الأمم المتحدة بشأن منع الإعدام خارج نطاق القضاء والتي طورها المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات تعسفية، أن أي عملية قتل تتم دون محاكمة عادلة ودون استنفاد جميع الإجراءات القانونية تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ويعتبر هذا المبدأ من المبادئ الراسخة في القانون الدولي العرفي ويشكل مرجعا أساسيا في محاسبة الدول على أفعالها.
وفي حال تم الاغتيال ضمن سياق نزاع مسلح فإن القواعد المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية وبخاصة البروتوكول الأول لعام 1977 تحظر بشكل واضح استهداف المدنيين وتحصر الهجمات على أولئك الذين يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية.
والعلماء بمن فيهم العاملون في برامج ذات طابع عسكري أو نووي لا يعتبرون مقاتلين أو أهدافا عسكرية مشروعة ما لم يشاركوا فعليا ومباشرة في العمليات القتالية، وهو شرط صارم، وبالتالي فإن استهدافهم لمجرد دورهم العلمي أو الفني يشكل انتهاكا لمبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين، وهو من المبادئ الجوهرية للقانون الدولي الإنساني.
كما لا يجوز تبرير الاغتيال بالاستناد إلى دوافع الأمن القومي أو السياسات الوقائية، لأن القانون الدولي لا يعترف بوجود استثناءات تسمح بتجاوز الحظر على القتل خارج نطاق القضاء في مثل هذه الحالات، بل إن أي استخدام للقوة ضد أفراد غير مسلحين وخاصة داخل أراضي دولة أخرى يشكل خرق واضحا للمبادئ الدولية، ويعتبر من أعمال العنف التي قد ترقى إلى مستوى الجريمة الدولية، ويحمل الدولة المنفذة المسؤولية أمام المجتمع الدولي.
وقد عكست عدة جهات دولية هذا الفهم بوضوح في حالات واقعية، أبرزها اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده في نوفمبر 2020، ففي تعليق رسمي أكدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء في حينه أن هذه العملية تعتبر "قتلا مستهدفا خارج نطاق القضاء" وانتهاكا للقانون الدولي ما لم تثبت الدولة المنفذة وجود تهديد وشيك للحياة، وهو معيار نادرا ما ينطبق في مثل هذه الحالات، كما أكد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تقاريره المتكررة أن عمليات القتل المستهدف خارج إجراءات القضاء تشكل تهديدا خطيرا لسيادة القانون ولا يمكن قبولها تحت أي ذريعة.
وعليه فإن اغتيال علماء إيرانيين أو غيرهم ممن يعملون في مجالات حساسة بما في ذلك الطاقة النووية لا يستند إلى أي أساس قانوني مشروع في القانون الدولي، ويعتبر انتهاكا صريحا للحقوق الأساسية ولأحكام القانونين الدولي الإنساني والدولي لحقوق الإنسان، وقد يرقى في بعض الظروف إلى جريمة دولية تستوجب المساءلة.