
أيهما أهم: الإذاعة أم الموقع الإلكتروني؟

كثيراً ما يراودني هذا السؤال، نظراً لتعقيدات القوانين الأردنية المتعلقة بالمواقع الإلكترونية، في مقابل التسهيلات النسبية في ما يخص ملكية وإدارة الإذاعات التي تبث عبر موجات "إف إم".
أعتقد، بل أجزم، أن للإذاعة — والتي يظل عددها محدوداً بسبب ضيق الترددات — تأثيراً واسعاً، إذ تصل إلى آلاف المستمعين بسهولة وبدون أي تكلفة أو عوائق تقنية، سواء عبر المذياع في السيارة أو في أماكن العمل. في المقابل، يعاني الموقع الإلكتروني من تزاحم آلاف المواقع الأخرى، ويحتاج زائره إلى اشتراك في شبكة الإنترنت، ما يحد من وصوله الفوري والسهل للجمهور.
ومن المفارقات أن المشرّع الأردني يسمح لغير الأردنيين بامتلاك إذاعة "إف إم"، بينما يشترط أن تكون ملكية الموقع الإخباري الإلكتروني محصورة بالكامل بالأردنيين. أي أن شركة يمتلك الأردنيون 99% من أسهمها، والأجانب 1% فقط، تعتبر مخالِفة، ويُطلب منها تصويب أوضاعها.
الأمر الأكثر غرابة أن ترخيص موقع إخباري إلكتروني يشترط أن يكون رئيس تحريره عضواً في نقابة الصحفيين الأردنيين لمدة لا تقل عن أربع سنوات، وأن يكون متفرغاً للعمل الصحفي، في حين لا يُطلب من رئيس تحرير إذاعة تبث أخباراً على مدار الساعة عضوية مماثلة في النقابة. كل ما يُطلب هو أن يكون مدير الإذاعة لديه خبرة إذاعية، دون اشتراط عضوية في نقابة الصحفيين، وهي مغلقة عملياً أمام معظم الصحفيين الإلكترونيين في الأردن.
من خبرتي في إنشاء إذاعات محلية، أعلم أن التسهيلات التي مُنحت لملّاك الإذاعات في البداية كانت تهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي، إلا أن الغالبية العظمى من إذاعات الأردن مملوكة أو مسيطَر عليها من قبل أردنيين. وقد يختلف الوضع قليلاً في ما يخص القنوات التلفزيونية التي تبث من الأردن، والتي يملك أغلبها غير أردنيين.
معالجة هذا التناقض لا يجب أن تكون عبر تشديد شروط الإذاعات، بل بتخفيف القيود المفروضة على ملكية وتشغيل المواقع الإخبارية. ففي عصر الرقمنة والانفتاح العالمي، من غير المنطقي أن يكون شرط عضوية النقابة أو الملكية الأردنية الكاملة عائقاً أمام تأسيس موقع إخباري، في حين لا توجد أي قيود على بث المحتوى نفسه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي لا يمكن للدولة ضبطها إلا من خلال قانون الجرائم الإلكترونية — وهو قانون بالغ في تشديده حتى على الصحفيين المحترفين.
وقد كشف قانون الجرائم الإلكترونية عن انحياز واضح ضد الصحافة الإلكترونية؛ فبينما ينص قانون المطبوعات والنشر على حماية من يكتب في الصحف الورقية، لا تُمنح هذه الحماية للصحفي إذا نشر المادة نفسها إلكترونياً. وهناك أمثلة واقعية لصحفيين نُشرت موادهم في الصحف الورقية دون ملاحقة قانونية، لكنهم أوقفوا بسبب نشرها على المواقع الإلكترونية.
لقد بالغ المشرّع الأردني في وضع شروط ترخيص للصحافة الإلكترونية، دون أن يقدم بالمقابل ميزات حقيقية للجهات المرخّصة. ونتيجة لهذه التناقضات والقيود، تضررت صورة الأردن دولياً، وانعكس ذلك على تراجع ترتيبه في مؤشر "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة — رغم أن واقع الحريات الصحفية اليومية لم يشهد تراجعاً كبيراً، ما يشير إلى أن أصل المشكلة يكمن في التشريعات المقيدة، لا في البيئة الإعلامية نفسها.
* الكاتب صحفي غير أردني، ويمتلك إذاعة "راديو البلد".