في وقت يترقب فيه الأردنيون استقرار أسعار السلع والخدمات، تكشف المؤشرات الاقتصادية عن واقع أكثر تعقيدا، حيث تواصل الأسعار في الأسواق وتسجيل تغيرات ملحوظة خلال عام 2025، الأمر الذي ينعكس على تزايد الضغوط المعيشية على الأسر نتيجة تقلبات الأسواق العالمية وتداعيات الأوضاع الإقليمية.
وبحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأخيرة، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري إلى 112.64 نقطة، مقارنة بـ 110.58 نقطة للفترة ذاتها من عام 2024، أي بزيادة بلغت نحو 1.87٪.
يعكس هذا الارتفاع الزيادة في أسعار عدد من السلع الأساسية التي تمس الحياة اليومية للمواطنين، أبرزها الأمتعة الشخصية، والشاي والقهوة والكاكاو، والفواكه والمكسرات.
هذا التباين بين المؤشرات الرسمية والواقع المعيشي يعكس تعقيدات المشهد الاقتصادي، حيث تتداخل العوامل الخارجية والداخلية لتؤثر في الأسعار، وتدفع بالأسر إلى تغيير أنماط استهلاكها، في ظل ما تصفه جمعية حماية المستهلك بأنه انتقال من مرحلة ترشيد الاستهلاك إلى الترشيد القسري، بعد ارتفاع كلف الكهرباء والماء والإنترنت، وتحولها إلى خدمات أساسية تثقل كاهل الأسر.
90 سلعة تحت المراقبة واستقرار في 92% منها
في المقابل، أظهرت دراسة مقارنة أجرتها وزارة الصناعة والتجارة والتموين لأسعار 90 سلعة غذائية أساسية، أن نحو 92% من المواد المشمولة بالدراسة شهدت انخفاضًا أو استقرارًا خلال شهر تشرين الأول الماضي مقارنة بالشهر الذي سبقه.
فقد انخفضت أسعار 30 سلعة، من أبرزها الدجاج الطازج ودجاج النتافات وبعض أصناف اللحوم والخضار والفواكه، بنسب تراوحت بين 2٪ مثل لحوم العجل البلدية، و32٪ مثل الليمون المستورد، في حين استقرت أسعار 53 سلعة أخرى، أهمها السكر، الأرز، الزيوت، ومشتقات الألبان والأجبان.
أما الارتفاعات فشملت 7 سلع فقط، أبرزها بيض المائدة وبعض أنواع الخضار، حيث تراوحت نسب الزيادة بين 4٪ للبيض و12٪ للثوم.
ويقول الناطق الإعلامي باسم وزارة الصناعة والتجارة والتموين، ينال البرماوي، إن الوزارة تتابع بشكل مستمر تغيرات الأسعار في الأسواق المحلية ومدى ارتباطها بالمتغيرات العالمية، نظرا لأن الأردن يستورد جزءا كبيرا من احتياجاته الغذائية.
ويضيف البرماوي أن أسعار بعض المواد الغذائية مرشحة لمزيد من الانخفاض خلال الفترة المقبلة، خاصة الخضار والفواكه، مدعومة بتحسن الإنتاج المحلي وتراجع الأسعار عالميا واستقرار كلف الشحن البحري.
ويشير إلى أن أسعار الدجاج شهدت مؤخرا انخفاضا ملحوظا مقارنة بمستوياتها في السنوات الماضية، نتيجة وفرة الإنتاج المحلي وتراجع كلف الاستيراد.
اللحوم والقهوة في صدارة الشكاوى
من جانبه، يوضح الناطق الإعلامي باسم جمعية حماية المستهلك، ماهر حجات، أن ارتفاع مؤشر الأسعار خلال الأشهر الماضية جاء نتيجة عوامل خارجية وداخلية متداخلة.
فخارجيا ساهمت الأوضاع الإقليمية، والحروب، والأزمات الدولية في زيادة أسعار عدد من السلع، وارتفاع كلف النقل والتخزين بسبب الضغوط على سلاسل التوريد العالمية، أما داخليا، فقد انعكست هذه الأوضاع على السوق المحلي، مما أدى إلى ارتفاعات إضافية تجاوزت أحيانا المعدلات المبررة، بحسب حجات.
وبين أن بعض السلع الأساسية مثل الشاي والقهوة والفواكه شهدت ارتفاعا ملحوظا، في حين تراجعت أسعار سلع أخرى، مشيرا إلى أن هذا التباين يعود إلى اختلاف العوامل المؤثرة في الأسواق المحلية والعالمية.
ويؤكد أن جمعية حماية المستهلك رصدت منذ بداية العام ارتفاعات مبالغا فيها في أسعار معظم المواد، سواء كانت أساسية أو كمالية، وهو ما أدى إلى زيادة الفاتورة اليومية على الأسر الأردنية وتراجع قدرتها الشرائية.
ويشير حجات إلى أن أبرز الملاحظات التي ترد إلى الجمعية تتعلق بارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية، خصوصا اللحوم الحمراء المستوردة، التي وصلت قبل نحو شهرين إلى أكثر من 12 دينارا للكيلوغرام الواحد من لحم الخروف المستورد، واصفا هذه الأسعار بأنها مبالغ فيها.
كما يوضح أن أسعار القهوة شهدت بدورها زيادات متفاوتة، بعضها مبرر عالميا، إلا أن أنواعا عديدة من القهوة المستوردة لم تتأثر بتلك الارتفاعات، مؤكدا أن الأصناف عالية الجودة فقط شهدت زيادة، بينما الأنواع العادية وهي الأكثر استهلاكا بقيت مستقرة نسبيا، ومع ذلك انعكس الارتفاع العام على السوق المحلي.
من ترشيد الاستهلاك إلى الترشيد القسري
حول دور جمعية حماية المستهلك في التعامل مع موجة الغلاء، يوضح حجات أن مراقبة الأسواق والأسعار هي من اختصاص مديرية حماية المستهلك في وزارة الصناعة والتجارة والتموين، بينما يتركز دور الجمعية على الرصد الميداني والتوعية والإرشاد.
ويقول إن الجمعية تحث المواطنين على الشراء العقلاني وعدم تخزين السلع عند ارتفاع الأسعار، لأن التخزين المفرط يؤدي إلى نقص المعروض ورفع الأسعار مجددا، داعيا المستهلكين إلى الشراء حسب الحاجة فقط، مضيفا أن الارتفاعات المتتالية في الأسعار خلال السنوات الأخيرة دفعت الكثير من الأسر إلى مرحلة الترشيد القسري بعد أن كان ترشيد الاستهلاك خيارا واعيا.
ويوضح أن ارتفاع أسعار الكهرباء والماء والإنترنت ساهم في تغيير نمط الاستهلاك بشكل جذري، معتبرا أن الإنترنت لم يعد سلعة كمالية، بل خدمة أساسية تستخدم في التعليم والعمل والتطبيقات اليومية، وبالتالي أصبحت فاتورته جزءا من النفقات الشهرية للأسرة إلى جانب الكهرباء والماء والصحة.
ويؤكد أن العديد من الأسر أصبحت عاجزة عن تأمين أبسط متطلبات الحياة اليومية، مشددا على أهمية مقاطعة أي سلعة ترتفع أسعارها دون مبرر، والبحث عن بدائل محلية أو أقل كلفة، إضافة إلى تنظيم عملية الشراء بحيث تكون كل يومين أو ثلاثة أيام حسب الحاجة، للحد من الضغط على الأسواق ومنع تفاقم الأسعار.
دراسة صادرة عن البنك الدولي منتصف عام 2025، تبين أن الأسر المتوسطة تنفق ما نسبته 36٪ من دخلها الشهري على الغذاء والشراب، وهي من أعلى النسب في المنطقة، مما يجعلها الأكثر تأثرا بأي تقلبات في الأسعار، حتى وإن بدت طفيفة في المؤشرات الرسمية.
كما تشير الدراسة إلى أن نحو 48٪ من الأسر اضطرت إلى تعديل أنماط استهلاكها وتقليل الإنفاق على السلع غير الأساسية خلال العام الجاري.












































