
نساء على طريق البرلمان الأردني : دعم مجتمعي لمواجهة العنف الانتخابى (تقرير رقمي)

"هددوني بالطلاق إن استمررتُ في الترشح"، بهذه العبارة اختصرت إحدى المرشحات في محافظة الكرك حجم الضغوط العائلية والاجتماعية التي مورست ضدها بهدف ثنيها عن خوض غمارالانتخابات البرلمانية العشرون .
ما تعرّضت له هذه السيدة لم يكن حالة فردية؛ ففي عام 2020، أطلق مركز قلعة الكرك للاستشارات والتدريب مبادرة لرصد العنف الانتخابي المُوجَّه ضد النساء، بعد أن كشفت التجارب الميدانية وشهادات مرشحات سابقات عن ممارسات متكررة وصلت إلى حد التهديد بالطلاق أوالإقصاء القسري من المشهد الانتخابي.
تشكل النساء 47.1 % من المجتمع الأردني حتى عام 2024، وعلى الرغم من الثقل الديموغرافي لهذه الفئة، يبقى تمثيلها ومشاركتها السياسية محدودة، رغم التقدم الذي شهدته نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث تم انتخاب 27 امرأة؛ منهن 18 مقعداً من خلال مسار الكوتا على الدوائر المحلية، و 9 مقاعد على مسار القوائم الحزبية في الدائرة العامة.
يوضح الفيديو المسار الزمني لتمثيل النساء في مجلس النواب الأردني منذ عام 1989 وحتى عام 2024، حيث انتقل تمثيل المرأة من صفر مقعد في أول ثلاث دورات نيابية، إلى ست نساء في دخول تاريخي عام 2003 بفضل نظام الكوتا، وصولًا إلى 27 مقعدًا في الدورة النيابية الأخيرة.
عنف انتخابي ممنهج: من الصمت إلى الرصد
خلال الانتخابات النيابية لعام 2020، أطلق مركز قلعة الكرك برنامجه “مرصد العنف الانتخابي ضد المرأة”، بالشراكة مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، لأول مرة، كآلية استجابة تهدف إلى الكشف عن الانتهاكات التي تتعرض لها النساء خلال العملية الانتخابية، سواء كن مرشحات أو ناخبات وأعيد تفعيل المرصد من جديد في الانتخابات النيابية لعام 2024، بدعم من الصندوق الكندي للمبادرات المحلية، للاستمرار في توثيق مختلف أنماط العنف السياسي الذي تواجهه النساء في العملية الانتخابية.
يعتمد المرصد في عمله على البحث الميداني، والمقابلات النوعية مع النساء، وتحليل الإحصاءات المستخلصة من منصات التواصل الاجتماعي، مما يشكّل قاعدة بيانات قوية تُستخدم في توثيق الانتهاكات واقتراح التدخلات والتوصيات المناسبة.
أوضحت المحامية إسراء المحادين المديرة التنفيذية لمركز قلعة الكرك للاستشارات والتدريب أن غياب البيانات الرسمية حول هذه الانتهاكات،رغم تكرارها، شكّل فراغًا خطيرًا يستوجب التدخل، وهو ما دفع المركز إلى تطوير أدوات بحث وتحليل ميداني لرصد وتوثيق العنف الانتخابي بأشكاله المختلفة.
وأضافت أن الدراسة التي أجراها المركز آنذاك كانت الأولى من نوعها في الأردن، والتوصيات التي قدمها التقرير ساهمت بشكل مباشر في تبني الهيئة المستقلة للانتخاب تعريفًا رسميًا للعنف الانتخابي ضد المرأة، إلى جانب استحداث وحدة تمكين المرأة داخل الهيئة، وإطلاق خط ساخن لتلقي الشكاوى.
وتضيف قائلة شهد المشروع توسعًا لافتًا في نسخته الثانية لعام 2024، من خلال إنشاء أول مرصد متخصص في العنف الإلكتروني ضد المرشحات، وتحليل ما يزيد عن 140 ألف تعليق على منصات التواصل الاجتماعي، بهدف رصد أنماط العنف وتوثيقها بدقة.
قصص من الميدان
من بين الحالات التي وثقها مرصد العنف الانتخابي ضد المرأة خلال الانتخابات النيابية لعام 2024، برزت تجربة الشابة الثلاثينية تقي المجالي التي قررت الترشح للانتخابات البرلمانية. بخطى واثقة وقفت تخاطب جمهورها لا بصفتها امرأة فقط، ولا بصفتها من ذوي الإعاقة، بل بصفتها شابة تحمل رؤية ورسالة
تحمل المجالي شهادة دكتوراه في القانون الخاص من جامعة مؤتة، وخبرة واسعة في العمل الحقوقي مع منظمات دولية ومحلية ،ترشحها كان سابقة على أكثر من صعيد فهي امرأة، شابة، من ذوات الإعاقة البصرية. تقول “كُنت أمثل ثلاث فئات معاً: المرأة، الشباب، وذوي الإعاقة وهذا بحد ذاته تحدٍ ثلاثى "
رغم الدعم الكبير الذي تلقته من عائلتها ومجتمعها ،إلا أن تقي لم تكن بمنأى عن التحديات. تصف بعض المواقف التي واجهتها بقولها: كان هناك من يرى أنني صغيرة، أو أنني لا أمتلك الخبرة الكافية. كنت أسمع عبارات مثل: الشباب ما بصير يترشح او لازم يكون من العشيرة ، او لازم تأخذي موافقتنا، وتعتبر المجالي هذه المواقف شكلاً من أشكال العنف السياسي القائم على الإقصاء، والذي غالبًا ما يُمارس بأساليب مبطّنة تستهدف الثقة بالنفس وتقليص فرص التقدم.
ولم تتوقف محاولات التشويش على مشاركتها السياسية عند هذا الحد، بل امتدت إلى الفضاء الرقمي، حيث تعرضت لتعليقات جارحة على وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها من أشخاص تعرفهم عن قرب. من بين تلك التعليقات ما زال راسخًا في ذهنها: “كبرتي، جد صرتي بدك تترشحي؟”، و”هذول تبعين الأحزاب مجرد فقاعة”، موضحة أن هذه التعليقات لم تكن سوى وسيلة للانتقاص منها كشابة تنتمي لحزب سياسي، في وقت كان فيه هؤلاء المنتقدون أنفسهم يدعمون أحزابًا أخرى.
لم تُثنِ هذه التجربة المجالي عن المضي قدمًا. لقد اختارت المواجهة، وراهنت على صوتها ورؤيتها، مؤكدة أن المشاركة السياسية حق لا يُمنح على أساس العمر أو الانتماء، بل يُنتزع بالإيمان والالتزام والعمل الجاد.

🎧 تقي المجالي تروي تجربتها السياسية كشابة من ذوات الإعاقة البصرية .
إستمع الآن
اما ريمَا الجغبير ،لم تكن مرشحة اعتيادية، بل كانت ضمن أول قائمة مغلقة في الأردن تضم سبع سيدات من محافظة البلقاء. حلمٌ بدا مستحيلاً لكنه وُلد من رحم التحدي. قالت: “اعتدنا أن تكون المرأة رقماً إضافياً في القوائم، ولكننا رفضنا أن نكون مجرد زينة في معركة انتخابية يصنعها الذكور”.
تحمل الجغبير درجة ماجستير في الدراسات الاستراتيجية، تحدثنا عن تجربتها السياسية قائلة لم يكن سهلاً أن نقنع مجتمعاً عشائرياً أن النساء قادرات على أن يقدن، وأن يشكلن قائمة كاملة بأنفسهن، لقد واجهنا نظرة مجتمعية مشككة، وضغوطات نفسية، وتنمّراً رقمياً على وسائل التواصل الاجتماعي. “في ناس حكوا: هذول شو بيطلع بإيدهم”، قالتها وهي تستحضر ألمًا لم تخفه، ثم ابتسمت بمرارة وأكملت: بس كان في ناس دعمت، وقالت: "ما بجيبها إلا نسوانها”.
تختتم حديثها: حتى لو ما فزنا ،إحنا فزنا بالفعل إنا اجتمعنا، وشكلنا قائمة، وخلينا الناس تحكي عنا داخل الأردن وخارجه، بذلك استطاعت الجغبيركسر حاجز الخوف، وتحدت قانون الانتخاب الجديد الذي سمح للرجال باختيار سيدة واحدة في القائمة، وتجاوزت محاولات التهميش، وأثبت أن المرأة الأردنية قادرة على بناء التحالفات، واتخاذ القرار، وخوض غمار السياسة بشرف وإصرار.
يُظهر الرسم البياني انخفاضًا في نسبة المرشحات اللواتي تعرضن للعنف الإلكتروني خلال حملاتهن الانتخابية، حيث تراجعت النسبة نحو 16% بين عامي 2020 و2024، وفقًا لبيانات مقارِنة من عينتين دراسيتين .
جهود وطنية لرصد العنف الانتخابي ضد النساء
في يوليو 2023، عقدت الهيئة المستقلة للانتخابات ورشة عمل فنية جمعت كوادر الهيئة من مختلف المستويات، إلى جانب خبراء من داخل الأردن وخارجه، لمناقشة المفاهيم والتجارب المتنوعة. وقد أثمرت هذه الورشة عن اعتماد تعريف رسمي للعنف الانتخابي ضد المرأة، تم نشره وتعميمه على كافة الجهات المعنية، وتضمينه في البرامج التوعوية والتدريبية التي تنفذها الهيئة.
يُعرف العنف الانتخابي ضد المرأة في السياق الأردني بأنه: أي فعل أو امتناع عن فعل مادي أومعنوي يهدف إلى حرمان المرأة أو إعاقتها عن ممارسة أي من الحقوق أو الحريات المنصوص عليها في قانون الانتخاب، ويكون ذلك على أساس الجنس. أما العنف الانتخابي الإلكتروني، فقد اعتمد وفق قانون الجرائم الإلكترونية، مع تركيز خاص على ما يحدث في سياق العملية الانتخابية من إساءة وتحرش وابتزاز وتشهير وتدخل في الخصوصية، فضلاً عن التحريض على العنف أو الكراهية أو التمييز.
تحدثنا مديرة وحدة تمكين المرأة في الهيئة المستقلة للانتخابات الاستاذه سمرالطراونة أن الهيئة تبنت نهجاً تشاركياً لصياغة تعريف واضح ومتكامل للعنف الانتخابي ضد المرأة، يتماشى مع الإطار القانوني الوطني والاتفاقيات الدولية والإقليمية ذات الصلة، وان اعتماد هذا التعريف الموحد مهم جداً، لأنه يشكل الأساس لبلورة آلية وطنية شاملة لرصد ومتابعة حالات العنف الانتخابي ضد المرأة، كما يسهم في توثيق الانتهاكات وتحليلها بشكل دقيق، ويعزز من الاتساق المؤسسي والتشريعي بين مختلف الجهات المعنية، ويساعد في بناء قاعدة بيانات وطنية موحدة وموثوقة تُوجّه السياسات والبرامج المستقبلية نحو تمكين المرأة سياسياً.
في سياق الجهود الرسمية أطلقت الهيئة المستقلة للانتخابات خلال الانتخابات البرلمانية العشرون مبادرة وطنية لرصد العنف الانتخابي ضد النساء، والتي تهدف إلى ضمان بيئة انتخابية آمنة للنساء.
وأوضحت الطراونة ان لدينا آليات واضحة ومحددة لرصد وتوثيق هذه الحالات،حيث نستقبل الشكاوى من خلال قنوات متعددة تضمن السرية وسرعة الاستجابة،و نُجري تحقيقات شاملة بالتنسيق مع السلطات المحلية، وقمنا بتعيين باحث قانوني في كل لجنة انتخابية بصلاحيات الضابطة العدلية لرفع جودة المتابعة، كما نعتمد على نظام e-monitor لرصد ما يُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي لرصد أي خطاب كراهية أو إساءة ضد المرشحات.
النساء يواجهن العنف الانتخابي بالشكاوى الرسمية
تكشف المقارنة بين انتخابات 2020 وانتخابات 2024 عن تطور لافت في وعي النساء بحقوقهن وآليات المطالبة بها، ففي انتخابات 2020، لم تتقدم سوى ثلاث سيدات فقط بشكاوى رسمية، بسبب غياب الاعتراف بمفهوم العنف الانتخابي وافتقار المنظومة التشريعية لأي إطار ناظم لحماية النساء خلال العملية الانتخابية، مما دفع العديد من المرشحات إلى الامتناع عن تقديم الشكاوى نتيجة لانعدام الثقة. أما في انتخابات 2024، فقد شكّل اعتماد تعريف رسمي للعنف الانتخابي ضد النساء، إلى جانب إطلاق خط ساخن لتلقي الشكاوى، نقلة نوعية ساهمت في تعزيز الوعي القانوني لدى المرشحات، فارتفع عدد الشكاوى إلى 8 شكاوى، وهو مؤشر واضح على ازدياد إدراك النساء لحقوقهن وقدرتهن على المطالبة بالحماية والمساءلة.
وقد توزعت الشكاوي على النحو التالي ، ثلاثة شكاوى حول منع المرأة من الإفصاح عن رغبتها في الترشح وقد تم تحويل واحدة من الشكاوى الى المدعي العام بعد أن تم التحقق منها من قبل الباحث القانوني في الدائرة المعنية، بينما تم سحب الشكوتين. أما الشكوى الرابعة وردت بلاغ من مؤسسات المجتمع المدني حول تعرض احدى المرشحات للضغط من عائلتها بشأن مقرها الانتخابي وتم التحقق منها من قبل الباحث القانوني ولم تثبت صحتها. كما تم تلقي الشكوى الخامسة من مرشحة تعرضت لمساس بدعايتها الانتخابية وحركات لا أخلاقية ونشر بيانات خاطئة وتم تحويلها مباشرة للمدعي العام والتعامل معها بسرية لحماية المشتكية وليتم اتخاذ الإجراء المناسب من قبل الجهات المختصة من ناحية أخرى تم تسجيل الشكوى السادسة من خلال حالة مرصودة لأحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي فيه إساءة واضحة لأحد المرشحات وخطاب كراهية عنصري حقق العناصر والأركان لجريمة العنف الانتخابي حيث تم رصدها عن طريق برنامج e- monitor وتم تحويل الشخص الى المدعي العام .
تختتم المحادين حديثها عن المعوقات قائلة: واجهنا في هذا المشروع العديد من التحديات التي حدّت من قدرة النساء على التبليغ أو الإفصاح عن حالات العنف الانتخابي. أولها أن العديد من السيدات ترددن أو رفضن الحديث علنًا عن تجاربهن خوفًا من الوصمة أو التعرض لمزيد من الضغط. ومن بين التحديات الكبرى أيضًا، قلة الوعي المجتمعي بخصوصية هذا النوع من العنف، حيث كان يُنظر إليه في كثير من الأحيان باعتباره مجرد خلافات عائلية أو انتقادات مشروعة، دون الاعتراف بأنه عنف قائم على النوع الاجتماعي ويتطلب معالجة جدية ومؤسسية.