
مختصون: التربية الجنسية للأطفال تبدأ منذ الولادة وتقلل من مخاطر التحرش

"ماما شو يعني تحرش" سؤال بريء، لكنه كان كفيلا بأن يدخل الأم في حالة من الصدمة والهلع، لم تتجاوز لحظة الصمت دقائق، لكنها كانت كافية لتشتعل في ذهنها عشرات الأسئلة التي أثارت شكوكها ما بين هل تعرض طفلها البالغ من العمر تسع سنوات لتحرش، أم سمع الكلمة في مكان ما، وهل سأقدر على شرح معناها له دون أن تربكه أو تخيفه.
هذا الموقف ليس جديدا، بل بات يتكرر لدى العديد من الأسر في ظل واقع تزداد فيه التحديات التي تحيط بالأطفال والمراهقين، في عالم مفتوح يضعهم في مواجهة مفاهيم وقضايا دقيقة قد لا يكونون مهيئين لفهمها وحدهم.
ورغم أن مفهوم التربية الجنسية غالبا ما يواجه بالتحفظ المجتمعي، ويصنف ضمن "المحرمات" أو "العيب"، إلا أن خبراء في مجال التوعوية بالتربية الجنسبة للأطفال يشددون على أهمية فتح الأهالي مساحات آمنة للحوار مع الأطفال، تمكنهم من حماية أنفسهم، وفهم أجسادهم، وبناء وعي صحي ونفسي سليم.
الوعي المبكر يحمي من الخطر
يعرف خبراء التربية والطب النفسي، الصحة الجنسية للأطفال بأنها جزء لا يتجزأ من صحتهم العامة، وتشمل فهم الطفل لجسده وحدود خصوصيته، وتعليمه كيفية التعبير عن مشاعره، والتفرقة بين اللمسة الآمنة وتلك غير المناسبة، مشددين على ضرورة إدماج التربية الجنسية في مراحل الطفولة المبكرة بطريقة مبسطة وآمنة، خاصة مع ازدياد المخاطر التي تهدد الأطفال سواء عبر الإنترنت أو في الواقع اليومي.
في عام 2022، أقرت الحكومة قانون حقوق الطفل رقم 17 لسنة 2022، والذي يهدف إلى تعزيز حماية الأطفال ورعايتهم من خلال تنظيم العلاقة بين الجهات المعنية بالطفل .
وتطالب منظمات المجتمع المدني، مثل جمعية معهد تضامن النساء بتجريم التحرش الجنسي بشكل صريح في قانون العقوبات، وزيادة البرامج التوعوية والتثقيفية حول التحرش الجنسي بالأطفال .
ورغم خطورة الأمر، لا تزال التربية الجنسية تواجه رفضا واسعا في المجتمع، وهو ما يرجعه المختصون إلى الخوف من تعليم الطفل أمورا لا تناسب عمره، بينما يشددون على ضرورة التوعية كي لا يعرض الطفل لمزيد من الخطر.
مصطلح "التربية الجنسية" مخيف ولكن
ترى الأخصائية النفسية والمتخصصة في التربية الجنسية للأطفال والمراهقين ياسمين حرب، في حديثها لـ "عمان نت" أن التربية الجنسية ما زالت تعد من التابوهات في مجتمعنا، رغم أنها ضرورة وقائية وتربوية.
توضح حرب أن العديد من الأسر تشعر بالقلق من مصطلح "التربية الجنسية"، لأنه غالبا ما يربط مباشرة بالعلاقات الجنسية، رغم أنه في جوهره يركز على احترام الجسد، والخصوصية، و التوعية بمفاهيم الأمان، والموافقة، وحدود اللمس، والفرق بين الأسرار الآمنة وغير الآمنة.
وتضيف التربية الجنسية لا تبدأ في سن المراهقة، بل من اللحظة الأولى لولادة الطفل، عبر تعريفه بأعضاء جسده كلها بأسمائها العلمية دون خجل، ومن ثم بناء فهم للحدود والموافقة واحترام الخصوصية.
مع ازدياد قصص التحرش بالأطفال، تؤكد حرب على أهمية العلاقة القائمة على الثقة والتواصل بين الأهل والأبناء، معتبرة أن هذه العلاقة هي خط الدفاع الأول، وتقول إذا كان الطفل يخشى إخبار والديه عن كسر كأس، فكيف سيبوح بتعرضه لتحرش، ولكن تدعو إلى الانتباه للمؤشرات السلوكية، مثل تغير مزاج الطفل، التبول اللاإرادي، الخوف من أشخاص معينين، قد تكون إنذارات غير مباشرة، في حين أن أي احمرار أو كدمات في المناطق الحساسة تستوجب فحصا طبيا فورا.
تؤمن حرب بأن البدء في التربية الجنسية لا يكون فقط مع الأطفال، بل يبدأ أولا مع الأهل أنفسهم من خلال تفكيك معتقداتهم، وتعلم الأدوات الصحيحة للتعامل مع فضول الطفل وسلوكياته، "فحين اشرح لطفلي الفرق بين الذكر والأنثى عبر صور مرسومة، وأحدد له حدود اللعب المقبول وغير المقبول، أكون قد مكنته، وقللت احتمالية تكرار سلوك خاطئ دون أن أصرخ عليه.
وللمزيد من توعية الأطفال أطلقت منصة "علمتني كنز" إصدارها الأول من سلسلة قصصية تعليمية بعنوان "لوحة أهلا"، موجهة للأطفال من عمر 4 إلى 8 سنوات، تسرد القصة بأسلوب بسيط مفاهيم مثل "الحق في الجسد"، و"حرية اختيار طريقة السلام"، وتعليم الطفل أن من حقه ألا يصافح أحدا إن لم يكن مرتاحا لذلك.
تشير حرب إلى أن القصة تمثل أول درس عملي في التربية الجنسية، وتكتب بأسلوب يعكس الثقافة العربية، القصة لا تقدم فقط المفاهيم، بل تفعل ذلك من خلال بيئة مألوفة للطفل، شخصيات عربية، لهجة مألوفة، ملابس واقعية، ومواقف يومية حقيقية مثل عبارة عيب يا بنتي قومي سلمي.
مبادرة "فتحولي عيوني"
نور سكجها، دفعها الاعتداء على طفلها ذي الـ 5 أعوام، من قبل أحد زملائه داخل أسوار المدرسة، إلى تأسيس مبادرة لحماية الأطفال من مثل تلك الاعتداءات، خاصة بعد تجاهل إدارة المدرسة التعامل مع الحادثة، بحجة عدم السماح للحديث مع الأطفال بالمواضيع الجنسية.
وتعمل سكجها ضمن مبادرة "فتحولي عيوني "، على تنظيم جلسات توعوية للأطفال والأمهات والمعلمات، بطرق غير تقليدية لتجنب تعرض الأطفال للتحرش الجنسي، في ظل افتقار الجهات الرسمية الى احصاءات دقيقة تشير إلى حجم تلك القضية نتيجة عدم التبليغ عنها.
باستخدام اللعب، و دمى اليد، وقراءة القصص، والرسم، تكشف سكجها عن حالات تعرض فيها أطفال من عمر مبكر الى الاساءة الجنسية، اضافة الى تعليمهم كيفية التبليغ عن أي اساءة قد يتعرضون لها للأشخاص يثقون بهم.
وتنصح سكجها الأهالي، بضرورة الاجابة على أسئلة أطفالهم حول المفاهيم الجنسية، كي لا يذهب الى مصادر اخرى وبالتالي يحصل على معلومات خاطئة قد تؤذيه.
ومع ذلك لا تزال سكجها تواجه العديد من المعيقات التي تقف أمام تفعيل المبادرة، وذلك بعدم تعاون المدارس واهالي الطلبة ممن يرفضون الحديث عن الإساءات الجنسية لحساسيتها.
تشير الدراسات الاجتماعية التي قامت بها منظمة اليونيسكو عام 2007 إلى أن التربية الجنسية تؤدي إلى تأخير ظهور السلوك الجنسي عند الأطفال واتسامه بمزيد من المسؤولية.