لماذا لن نتوقف عن نقاش قضايا المرأة؟

الرابط المختصر

تبدو قضايا المرأة للبعض وكأنها مطالب قديمة أُشبِعت نقاشاً، أو أنها ملف يمكن إغلاقه بمجرد إصدار قانون أو مبادرة أو حملة توعية. غير أن النظرة العميقة لطبيعة التحديات التي تواجه النساء تكشف أن هذا المجال لا يخضع لمنطق "المهمة التي اكتملت"، بل لمنطق أكثر تعقيداً يتسم بالتغيّر الدائم والتجدد المستمر. ولهذا السبب، لن نتوقف عن نقاش قضايا المرأة، لأن الواقع نفسه لا يتوقف عن إنتاج أشكال جديدة من عدم المساواة والتمييز، ولا يتوقف عن طرح أسئلة جديدة حول العدالة والكرامة وحقوق الإنسان.

أول أسباب هذا الاستمرار هو أن قضايا المرأة ليست ساكنة، بل ديناميكية. فهي تتأثر بالسياق الاقتصادي والتعليمي والتكنولوجي والثقافي، ومع كل تحول اجتماعي أو اقتصادي، تظهر تحديات جديدة تستدعي فهماً أعمق وتدخلاً مختلفاً. على سبيل المثال، مع دخول التكنولوجيا إلى سوق العمل، لم تختفِ الفجوات، بل ظهر تمييز جديد متعلق بالوصول إلى المهارات الرقمية، أو استغلال النساء في وظائف منخفضة الدخل في اقتصاد المنصات. وفي عالم يشهد تحولات سريعة، يتغيّر شكل التحدي، ولكن جوهر المشكلة يبقى: المرأة لا تحصل دائماً على الفرص التي تستحقها، ولا تتمتع دائماً بالبيئة التي تضمن لها التقدم العادل.

ثاني الأسباب أن التغيير المؤسسي والاجتماعي لا يحدث دفعة واحدة. قد يصدر القانون، لكن التطبيق يتطلب وقتاً، والمتابعة تتطلب جهداً، والرقابة تحتاج إلى إرادة سياسية ومجتمعية. ومن دون ذلك، تتراجع المكاسب، وتعود الممارسات القديمة بأشكال جديدة. لذلك، التعامل مع قضايا المرأة يتطلب منهجاً تكرارياً قائماً على التشخيص المستمر، التقييم الدوري، والتعديل المتواصل، لا منهجاً مرحلياً ينتهي بمجرد اتخاذ خطوة واحدة.

السبب الثالث هو أن ثقافة المجتمع نفسها ليست جامدة. ما يُعدّ مقبولاً اليوم قد يصبح تمييزياً غداً، وما يبدو عادياً قد يكشف بمرور الزمن عن تحيّز عميق. النظرة إلى الأدوار الجندرية، التوقعات المجتمعية، والأنماط التقليدية للعمل والأسرة كلها تتغير مع الوقت، وتتطلب نقاشاً دائماً لتفكيك ما يعيد إنتاج عدم المساواة. لذلك، قضايا المرأة ليست "معركة واحدة"، بل سلسلة معارك صغيرة في الوعي والسلوك والمؤسسات.

أما السبب الرابع والأهم فهو أن الإنجازات التي تحققت لا تُغطي جميع النساء، ولا تُترجم تلقائياً إلى واقع عملي للجميع. فالفوارق بين النساء أنفسهن—من حيث الموقع الجغرافي، الطبقة الاجتماعية، فرص التعليم، القدرة على الوصول إلى الخدمات—تعني أن التقدم بالنسبة لفئة لا يعني التقدم للجميع. قضايا المرأة ليست ملفاً واحداً، بل شبكة من ملفات متداخلة تتطلب استجابة شمولية ودائمة.

ولعل أهم ما يجعل هذا الملف مستمراً هو أن العدالة ليست نشاطاً مؤقتاً، بل ممارسة متواصلة. العدالة تتطلب يقظة، وتقييماً مستمراً، وقدرة على اكتشاف ما هو غير مرئي في علاقات العمل، وفي مساحات اتخاذ القرار، وفي توزيع المسؤوليات داخل الأسرة والمجتمع. وما دام هناك فجوة واحدة في الأجر، أو تأثير واحد للتمييز غير المباشر، أو بيئة عمل لا توفر الأمان والكرامة، فإن الحاجة لمواصلة العمل على قضايا المرأة تظل قائمة وضرورية.

نهاية، لن نتوقف عن نقاش قضايا المرأة لأن العالم نفسه لم يتوقف بعد عن إنتاج الظلم.

ولن نتوقف لأن العدالة لا تُصنع بقرار واحد، بل تُبنى بالتراكم، وتتقدم بالنقد، وتتحقق بالاستمرارية.

ولن نتوقف لأن تمكين المرأة ليس هدفاً خاصاً بالنساء وحدهن، بل هو مشروع مجتمع يريد أن ينهض، وأن يحرر طاقاته، وأن يضمن مستقبلاً أكثر عدلاً وإنسانية للجميع.