لماذا لم تتأثر الأردن بالتهديدات الإسرائيلية بشأن المياه؟
يُفهم رد الأردن المتزن على مزاعم وسائل الإعلام الإسرائيلية الأخيرة بشأن قطع إمدادات المياه عنها، على نحو أفضل، ليس من خلال العناوين الرئيسية، بل من خلال واقع المياه الإقليمي، ولا سيما التعاون المتجدد والمتزايد التنظيم بين عمّان وسوريا.
في الوقت الذي انتشرت فيه تقارير مثيرة للقلق تُشير إلى أن إسرائيل تُحضّر لحجب حصة الأردن المتفق عليها من المياه، كان المسؤولون السوريون يُؤكدون علنًا التزامهم بتقاسم المياه بشكل عادل والمسؤولية المشتركة في إدارة حوض نهر اليرموك. وقد أكد نائب وزير الطاقة السوري للموارد المائية، أسامة أبو زيد، أن دمشق وعمّان قد دخلتا مرحلة جديدة من التنسيق الفني والمؤسسي، بما في ذلك إعادة تفعيل اللجان المشتركة، والزيارات الفنية المتبادلة، والتقييمات السنوية لتدفقات المياه في ضوء تغير المناخ.
والأهم من ذلك، أن أبو زيد قد عبّر عن موقف سياسي وأخلاقي لاقى صدىً واسعًا في عمّان: لا يُمكن لسوريا أن تقبل بوفرة المياه بينما يُعاني الأردن من العطش. ولم يكن هذا التأكيد مجرد كلام. ترافق ذلك مع خطوات ملموسة، شملت عمليات تفتيش مستمرة لسد الوحدة، وتبادل البيانات، وتقييمات مشتركة لآثار الجفاف، ومناقشات حول تحديث آليات إدارة الأحواض المائية بالتراضي. ولا تزال اتفاقية المياه السورية الأردنية القائمة سارية المفعول ومحترمة من كلا الجانبين.
يساعد هذا السياق في تفسير سبب عدم تأثر الأردن بالتهديدات الإعلامية الإسرائيلية. فبينما زعمت وسائل إعلام إسرائيلية، مثل صحيفة معاريف، أن إسرائيل أبلغت الأردن بنيتها عدم تسليم حصة المياه السنوية المتفق عليها، أكدت مصادر أردنية رسمية أنه لم يتم إبلاغ الأردن بأي قرار من هذا القبيل عبر القنوات الرسمية أو الدبلوماسية. ففي العلاقات القائمة على المعاهدات، لا تُعتبر التقارير الإعلامية، حتى من الصحف الكبرى، بمثابة سياسة رسمية.
في الواقع، لم تظهر العبارات الأكثر إثارة للجدل، مثل "قطع المياه" أو "إغلاق الصنبور"، في أي بيان إسرائيلي رسمي. بل كانت نتاجًا لتداول مبالغ فيه على وسائل التواصل الاجتماعي وترجمات غير دقيقة لتقارير عبرية غامضة. حتى أن نص صحيفة معاريف الأصلي لم يذكر سوى عدم وجود نية لاستئناف الضخ، وهو مجرد تكهنات وليس قرارًا ملزمًا.
كما رفضت وزارة المياه الأردنية الادعاءات الإسرائيلية بأن المسألة فنية بحتة أو متعلقة بالتسعير. وكانت عمّان قد أبدت استعدادها للتفاوض بشأن الأسعار، وهو عرض لم يُرد عليه. هذا الصمت يُضعف مصداقية الحجة الفنية ويعزز الرأي القائل بأن قضية المياه تُسيّس بدلاً من حلها إدارياً.
وهذه العوامل مجتمعة تُفسر هدوء الأردن. ففيما يتعلق بالمسار الإسرائيلي، لم يصدر أي قرار رسمي، ولا إخطار رسمي، ولا إجراء قانوني. أما في المسار السوري، فقد كان هناك انخراط فعّال، وتأكيد للالتزامات، وإدراك مشترك بأن ضغوط تغير المناخ تتطلب التعاون لا الإكراه.
وتكشف هذه الحادثة أيضاً عن مشكلة أعمق: تحويل التقارير التخمينية إلى ضغط سياسي من خلال التضخيم غير المنضبط. فقد استُخدمت المياه، وهي من أكثر الموارد حساسية في المنطقة، كأداة لتصعيد الخطاب بدلاً من التواصل المسؤول مع الجمهور. ومثل هذه التغطية تُخاطر بتأجيج الرأي العام وتقويض الثقة دون تغيير الواقع على الأرض.
ويعكس موقف الأردن الواقعية الاستراتيجية. يرتكز هذا النهج على اتفاقيات رسمية، وتواصل موثق، وتعاون إقليمي متنوع. ومن خلال تعزيز شراكتها المائية مع سوريا، ورفضها الرد على التهديدات الإعلامية الإسرائيلية غير الموثقة، أشارت الأردن إلى أن أمنها المائي لن يخضع لعناوين الأخبار، بل للقانون والتنسيق والتوازن الإقليمي.
وفي منطقة تتداخل فيها ندرة المياه والرسائل السياسية بشكل متزايد، قد يثبت هذا النهج أنه ليس حكيماً فحسب، بل ضرورياً أيضاً.












































