كيف يستهدف الاحتيال الرقمي ذوي الدخل المحدود؟

الرابط المختصر

في وقت تحولت فيه الهواتف الذكية إلى محافظ مالية متنقلة، أصبح الاحتيال الالكتروني تهديدا مباشرا لمدخرات المواطنني، لا يقتصر على الطرق التقليدية، بل يمتد إلى الشاشات والروابط والرسائل القصيرة، مما يفاقم الخسائر بصمت ويضع الضحايا بين ثغرات الوعي الرقمي وتعقيد الإجراءات القانونية.

تشير الإحصاءات الرسمية إلى ارتفاع حاد في الجرائم الإلكترونية خلال السنوات الأخيرة، حيث ازدادت القضايا المسجلة بما يقرب ستة أضعاف بين 2015 و2022، وفق بيانات وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية بمديرية الأمن العام. 

بلغت عدد الجرائم الإلكترونية المسجلة في 2022 نحو 16,027 قضية مقارنة بـ2,305 في 2015، بينما تضمنت قضايا الاحتيال الإلكتروني أكثر من 2,118 حالة في العام نفسه. 

بالإضافة إلى ذلك، تعاملت السلطات القضائية مع أكثر من 22,759 جريمة إلكترونية خلال الفترة بين 2019 و2023، تشمل الاحتيال والتهديد والاختراق وغيرها من الجرائم التي تمس الأفراد والمؤسسات على حد سواء. 

 

من الفئات الأكثر تضررا ؟

 يشير الخبير الاقتصادي والاستثماري وجدي مخامرة في حديثه لـ "عمان نت"، إلى أن الاحتيال الرقمي في الأردن أصبح يشكل تحديا اقتصاديا واجتماعيا متناميا، خاصة في ظل الانتشار السريع للتحول الرقمي والخدمات المالية الإلكترونية. 

ويؤكد مخامرة أن الأسر ذات الدخل المحدود أو المتوسط هي الأكثر تضررا من هذه الظاهرة، لأسباب عدة أبرزها ضعف الثقافة الرقمية، حيث يفتقر جزء كبير من هذه الفئة إلى التدريب الكافي على التعرف على أساليب الاحتيال الرقمي، مثل الروابط المزيفة وانتحال شخصيات الجهات الحكومية.

هذه الفئة غالبا بحسب مخامرة ما تفتقر إلى التدريب الكافي للتعرف على مخاطر التعامل الرقمي، مما يجعلها عرضة للوقوع في فخ  قد يؤدي إلى خسائر مالية تؤثر على قدرتها على تغطية الاحتياجات الأساسية مثل الإيجار والفواتير، بعكس الأسر الميسورة التي يمكنها امتصاص الصدمات المالية بسهولة أكبر.

وحول تأثير الاحتيال الرقمي على الثقة بالقطاع المصرفي والتجارة الإلكترونية، يشير مخامرة إلى أن اعتماد التجارة الإلكترونية على ربط بطاقات الصراف الآلي والبطاقات الائتمانية بالمنصات الرقمية يجعلها عرضة لانخفاض الثقة بين المواطنين والمؤسسات المالية،  مؤكدا أن هذه المخاوف قد تدفع بعض الأفراد إلى العودة للاقتصاد النقدي وتجنب التطبيقات الذكية للبنوك، وهو ما يعيق جهود الشمول المالي التي يسعى البنك المركزي لتحقيقها على المستوى الوطني.

 

 

ويضيف أن ضعف الثقة يؤثر أيضا على سلوك المستهلكين في التجارة الإلكترونية، حيث يترددون في إدخال بيانات بطاقاتهم على المواقع المحلية، مما يزيد الاعتماد على الدفع عند الاستلام ويرفع التكاليف التشغيلية، ويؤثر في الوقت نفسه على نمو الأسواق الرقمية الناشئة ، مشيرا إلى أن تكلفة الرقابة التقنية اليوم غالبا لا تقل عن تكلفة معالجة الخسائر الناتجة عن الاحتيال، والتي تتجاوز في كثير من الحالات المبالغ المسروقة نفسها.

كما يشير إلى أن الأموال التي يتم الاحتيال عليها غالبا ما تتحول إلى خارج البلاد عبر العملات الرقمية أو الحوالات السريعة، مما يمثل استنزافا غير مباشر للعملة الصعبة ويترك آثارا اقتصادية على الاقتصاد الوطني.

 

 الإطار القانوني: رادع أم تحد؟

في خطوة مهمة على صعيد الإطار التشريعي، صادق الأردن في عام 2023 على قانون رقم (17) لسنة 2023 لمكافحة الجرائم الإلكترونية، والذي أصبح ساري المفعول حاليا. 

وينص القانون على عقوبات مشددة تشمل الحبس والغرامات المالية لمن يرتكب أفعالا مثل الدخول غير المصرح به إلى شبكات وأنظمة المعلومات، مع عقوبات قد تصل إلى السجن لعامين وغرامات تصل إلى 15,000 دينار في حال الإساءة إلى بيانات أو تعطيل الخدمات.

رغم هذا الإطار التشريعي، يوضح مخامرة أن ضعف الردع القانوني يعزز من جرأة المحتالين، إذ يصبح المكسب المالي المحقق من الجريمة أكبر من المخاطر المحتملة ، معتبرا  أن الردع الفعال يتطلب تطويرا تشريعيا سريعا، لا يقتصر على فرض العقوبات، بل يشمل القدرة على استرداد الأموال المحتالة وضمان تنفيذ الأحكام بكفاءة.

ويضيف أن الاحتيال الرقمي يؤثر أيضا على سلوك الادخار والإنفاق، فبعض المواطنين يختارون تخزين أموالهم في المنازل بدلا من وضعها في البنوك، ما يقلل قدرة البنوك على منح القروض ويضعف دورة السيولة المالية في الاقتصاد،  كما أن زيادة الجرائم الرقمية تقلل من جاذبية البيئة الاستثمارية للمستثمرين الأجانب، الذين يبحثون عن بيئة تشريعية وتقنية آمنة، ما يرفع تصنيف المخاطر ويحد من تدفق رؤوس الأموال إلى الشركات الأردنية، خاصة في قطاع التكنولوجيا.

من جانبه يؤكد رئيس وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام المقدم محمود المغايرة، أن حالات الاحتيال المالي الإلكتروني تعد مشكلة عالمية وليست محلية فقط، وهي تقوم على الخداع واستغلال الضحايا للحصول على مكاسب مالية عبر الإنترنت، مشيرا إلى أن الجرائم الإلكترونية متطورة ومتسارعة، وأن المحتالين غالبا ما يختارون عطلة نهاية الأسبوع لتنفيذ جرائمهم.

ويشير المغايرة إلى أن الأردن يستقبل آلاف الشكاوى سنويا في قضايا الاحتيال المالي الإلكتروني، وأن الوحدة نجحت في حل 60 إلى 70% من الحالات عبر القبض على الجناة داخل الأردن وخارجه، مشددا على أهمية الوعي الرقمي كاحتياج أساسي للحد من الوقوع ضحية لهذه الجرائم.

ومن أبرز الحالات التي تم التعامل معها انتحال صفة شخصيات عامة أو مؤسسات مصرفية، والاتصالات الهاتفية لتحديث البيانات، وشراء البضائع والأجهزة الخلوية بالأقساط، واستئجار المزارع، والعلاج الروحاني.

كما تعمل وحدة الجرائم الإلكترونية تعمل على توعية المواطنين بالأساليب الجديدة للاحتيال، وتقوم بالإجراءات التحقيقية وضبط الفاعلين وتحويلهم إلى القضاء، وقد تم بالفعل القبض على العديد من العصابات والمحتالين، بعضهم من خارج الأردن ، مبينا أن الوعي هو الأساس في عدم الوقوع ضحية لهذه الجرائم، مشيرًا إلى أن الدول المتقدمة تسجّل نسب احتيال أقل نتيجة انتشار الوعي المجتمعي.

ودعت الوحدة المواطنين إلى عدم مشاركة رموز التحقق أو معلوماتهم المالية مع أي جهة تطلبها عبر الإنترنت، معتبرة أن أي جهة تطلب هذه المعلومات غير رسمية تُعد عملية احتيال.