قراءةٌ في روايةِ رسلِ السّلامِ لهاني أبو انعيم من منظورِ المذهبِ الواقعيّ

الرابط المختصر

 

يُعدُّ هاني أمين أبو انعيم واحدًا من الأدباءِ الأردنيينَ، وُلِدَ سنةَ ألفٍ وتسعمائة وإحدى وخمسين، في جنينَ، واحدة من محافظاتِ فلسطين المحتلّة، اشتغلَ أبو انعيم على الكتابةِ الأدبيّةِ، لا سيّما الرّوائيّة والقصصيّة. الرّواية: رسل السّلام 1988م، وإشطيّو 1990، وواحة اليقين 2015. أمّا القصّة: ذبيحة 2003م، وأرواح شاحبة، 2015م(1).

الواقعيّة. Realisme

الواقعيّة كمذهبٍ أدبيّ، ظَهَرَ في النّصفِ الثّانيّ من القرنِ التّاسعِ عشر، انطلاقًا من صراعِ الإنسانِ مع الواقعِ وكشفِ حقيقتهِ، وكردّ فعلٍ على الرّومانسيّة الموغلة في الخيالِ، والأدب الواقعيّ فيما يراه محمّد مندور هو الذي يقوم على ملاحظةِ الواقعِ وتسجيله، لا على صورِ الخيالِ وتهاويله، كما تسعى إلى تصويرِ الواقعِ، وكشفِ أسرارهِ، وإظهارِ خفاياه وتفسيره"(1)، من هنا، فإنّ هذه المقالة محاولة لتأطيرِ رؤيةِ المذهبِ الواقعيّ في روايةِ رسلِ السّلامِ للكاتبِ الأردنيّ هاني أبو انعيم. يحسن هنا الإشارة إلى أنّي بعد فراغي من قراءةِ الرّوايةِ وجدتُ مقالاً لمحمود النّوايسة بالعنوانِ: الأجيال تهزم مراحل الضّعف والتّطبيع، وفيها يرى أنّ هاني أبو انعيم "يدخل مجالاً خطيرًا وهامًا من مجالات الأدب التي تعالج قضيّة الصّراع العربيّ الصّهيوني"((2. 

رواية رسل السّلام.

صَدَرَتْ الرّوايةُ سنةَ ألفٍ وتسعمائةِ وثمانٍ وثمانينَ عن دارِ الكرملِ، موزّعةً على مئةٍ وسبعَ عشرةَ صفحةً في خطٍّ صغيرِ الحجمِ.

جَاءَ العنوانُ فضفاضًا رغمَ ما يحتويه التّركيبُ الإضافيّ من دلالةٍ مباشرةٍ، تاركًا مسافةً من التّخيّلِ للقارئِ، لنتساءلَ عن طبيعةِ عملِ هؤلاء الرّسلِ، بحيث تركَ الكاتبُ العنوانَ مفتوحًا على عدّةِ احتمالات، وبـذلك، حققَ عنصري التّشويقِ والإثارة، مع إشراكِ القارئ في عمليّةِ التّخيّل.

ومما يجدرُ ملاحظته بأنّ صورةَ غلافِ الرّوايةِ كمؤشرٍ سيميائيّ بصري، تضمّنَ على ثلاثةِ رجالٍ، مما يجعلُ رواية رسل السّلام تعلنُ منذُ البدايةِ عن شخصيّاتها الأساسيّة. يروي الكاتبُ في روايةِ رسلِ السّلام حكايةَ ثلاثةِ طلابٍ جامعيين، متبايني الاتّجاهات والأفكار والمواقف: فهمي، وعامر، وحسنين. وفقًا لهذا، نستنتج بأنّ الغلافَ يتناسب مع الشّخصيّاتِ محورِ الرّوايةِ ومدارِ الحديث عنها. 

تدورُ الرّوايةُ حول طلاب أوائل في بلادهم، مبتعوثون ليمثّلوا الجانب العربيّ في تطبيعِ العلاقاتِ الثّقافيّةِ مع الكيانِ الصّهيونيّ. بعد أنْ أدارتْ الحربُ ظهرها، باتَ على الجميعِ في نظرِ ساردِ الرّوايةِ قطفُ ثمارِ السّلامِ اليانعة. عاشوا جميعهم في شقّةٍ، لم يستطع عامر وفهمي العيش، فبقي حسنين وحده. راحيل في الرّوايةِ شخصيّة يهوديّة تمثل معادلاً للكيانِ الصّهيوني، ودورها الإشراف على شؤونِ الطّلبةِ، وهي تمثّل حلقة اتّصالٍ بينهم وبين الجانب الثقافيّ، إضافةً إلى ذلك، تعرضُ خدماتها وتعمل على رعايةِ المبتعثين العرب، إلى جانبِ إعطائهم التّعليمات من المستضيفينَ في لجنةِ التّطبيعِ. 

أدمنَ عامر زيارة العرب في المخيمات والقرى والمدن، وجاهر نزوعه القومي والوطنيّ. وحسنين شخصيّة واضحة في الرّواية من البدايةِ، ذلك من خلالِ ملاحقة راحيل، ومحاولة الاستئثار بها، راغبًا بها، وكثيرًا ما كان يرافقها ويقضي وقتًا طويلاً معها، لا يملّ من مطاردتها مبررًا سعيه وراءها، وقد وصل الأمر به أن يطلب الزّواج منها فارضة عليه إغراءها وهي متمنّعة. على العكسِ تمامًا ما يظهر في شخصيّةِ عامر وفهمي في رفضهما دعوتها والاقتراب والجلوس معها، فهما لا يميلان إليها. وهذا ما جعل عامر يتساءل عمّا يريد حسنين منها، وفي يقينه أنّها لن ترفضَ لهُ طلبًا كونه أقرب الثلاثة إليها.

وحسنين يؤمن بالسّلام، ولا يرى في المظاهرات، والإضرابات، والهتافات سبيلاً  لتحقيقِ النّصرِ وإسقاط الاحتلال، وكثيرًا ما كان يتهكّم على الطّلبةِ كونهم مثقفين؛ لأنّهم  يواجهون الاحتلال بالحجارة. فحلّ المشاكل في رأيه لا يكون بالشتم، وإحراق الدّواليب، وقذف الحجارة، لهذا، وقفَ الطلابُ موقفًا معاديًا منهُ. وعلى ذلك، أصبحَ وجوده إلى جانب راحيل وأصدقائها أكثر أمانًا.

تغدو شخصيّة حسنين من منطوقِ الرّوايةِ شخصيّة إسقاطيّة، مسلوبة الإرادة، ضعيفة، وهشّة أكثر انهزامًا واستسلامًا، فقد تمكّن الكيان الصّهيونيّ ممثلاً براحيل وصديقها شلومو من السّيطرةِ عليه، فصار طوع يديهما، مقدمًا لهما الكثير من التّنازلات لتحقيق رغباته المكبوتة ولقاء المستقبل الزّاهر. نجحَ حسنين في تحقيقِ الهدفِ الذي قَدِمَ من أجلِهِ، وهو فتحُ الأبوابِ على مصارعها لتصبّ فيها أشعةُ السّلامِ.

عامر شخصيّة دفاعيّة، وثائرة، ورافضة، ومتحررة في الرّوايةِ، انضمّ إلى مجموعةٍ من الطّلابِ الثّائرين والنّاقمين على الاحتلالِ الصّهيوني، أُبعدَ بسببِ نشاطاته في الجامعةِ ومشاركة الطلاب في المظاهرات، والدّعوة إلى الإضراب، إلى جانب ذلك اتّهامه بخطفِ جندي.

يُمرر كاتب الرّواية بواسطةِ السّارد العليم من خلالِ الشّخصيّات ظاهرةَ التّطبيعِ الثقافيّ السياسي مع الكيانِ الصّهيونيّ، وموقفهم من الصّراعِ الصّهيونيّ الفلسطينيّ، ويقدّمها ليصل بالقارئ إلى فَهْمِ التّطبيعِ معللًا ومفسرًا، وقد استخدمَ لغة بسيطة، بعيدة عن البلاغةِ بمعناها المعقّد والقديم.

عامر: طالبٌ في كليّةِ الهندسة، فُصل من الجامعةِ؛ لمشاركته في مسيرةٍ بذكرى فلسطينيّة تضامنًا مع الموجودين في الأرضِ المحتلّة. والجدير بالملاحظة مع الانتباه أنّ آباء الطّلاب الثلاثة شاركوا في حرب حزيران.

فهمي: مثّل في بدايةِ الرّواية كشخصيّة غامضة، لا رأي له، منزوٍ ومنطوٍ، منعزل، ومرتبك، حائر، ومتردد، وحيادي نوعًا ما. أحبّ طالبة ناشطة في الجامعةِ، تحضّ الطلبة على التّظاهرِ والإضراب، وتبيّن في نهايةِ الرّوايةِ أنّه أكثر ذكاءً، ووعيًا، وتحررًا، رافضًا كلَّ محاولاتِ راحيل لإغرائه، واستدراجه، واستثارته. عَزَمَ على المغادرةِ قبل انتهاءِ السّنة الدّراسيّة، ولم يرَ في بقائِهِ أيّة جدوى، سوى شعوره بفرضِ المحتلِ على حياته، واكتشفَ أنّ هذا البلد لم يزره عربيّ غيرهم. 

والخلاصة التي توصّلنا إليها بأنّ رواية رسل السلام رواية رمزيّة، تجسّد واقعَ الشّعبِ العربيّ المنقسم على نفسه بعد هزيمة حزيران، كما تمثّل الرّوايةُ إسقاطًا على واقعِ التّشتت، والتفرق، والتّمزّق العربيّ. حرصَ المستضيف المتمثل بلجنةِ التطبيعِ على أن يكونَ لكلّ واحدٍ غرفة مخصصة؛ كونهم يحبّون الاستقلاليّة في كلِّ شيء. وبفنّية عالية، جعلَ الكاتبُ من الشّخصيّات تتحدّث عن نفسِها بنفسِها بحرّية، تاركًا لها مساحة كبيرة في التّعبيرِ دون انحياز وتدّخل. رواية تتحدّث عن الجذورِ التّاريخيّة الفلسطينيّة، والوطن، والأرض، والثورة والمقاومة، وبطش الاحتلال الصّهيوني وتعريته.

كسر أفق التّوقع.

يستخدمُ الكاتبُ عنصري المفاجأة والإدهاش كتقنيّة فنّية في نهايةِ الرّوايةِ، ما يمكن أن نسمّيه نقديًا بكسرِ أفق التّوقع. ما إن طلبت لجنة التّطبيع من حسنين أن يعمل جاسوسًا على مصرَ ومحاربة أعداء السّلام حتى باتت هواجس القلق تطارده وتحاصره. وبعد رجوع حسنين إلى بلدهِ مصر ليأخذ مزيدًا من الوقتِ في التّفكيرِ، عادَ مرّةً ثانية إلى الكيانِ الصّهيوني على غير ما كان بحقيبة متفجّرات ليضع حدًا للسّلام. وبالمجملِ، أبدعَ الكاتبُ هاني أبو انعيم في تشكيلِ الشّخصيّة بعامّة وحسنين بخاصّة؛ ذلك من خلال ظهورها في نهايةِ الرّوايةِ على هيئةِ غيرِ المتوقّعِ.

من خلالِ حوارِ الشّخصيّاتِ، يتضحُ للقارئ بما لا يدع مجالاً للشّك  بيئاتهم، حيثُ إنّ لهجاتهم مصريّة، وعمومًا، فإنّ روايةَ رسلِ السّلامِ ليست منقطعة عن الواقعِ ولا مفصولة عن سياقه لا سيّما السّياسيّ بحيث تجسّد الرّواية نبوءة متحققة وصادقة. وفي نهايةِ القراءةِ نجمل الملاحظات التّالية: حصرُ الكاتبِ الشّخصيّات بعدد قليلٍ جدًّا، بحيث لا تتجاوز شخصيّات الرّواية على خمسِ شخصيّات، كما لا تخلو الرّواية من أخطاء مطبعيّة إملائيّة ولغويّة (4).

  • باحث وناقد مستقل، حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب والنّقد الحديث من الجامعة الأردنيّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر والمراجع

  1. الأدب ومذاهبه: محمد مندور، دار نهضة مصر، القاهرة، ص 82 ـ 85. 
  2. الأجيال تهزم مراحل الضّعف والتّطبيع: محمود النوايسة، مجلة أفكار، منشورات وزارة الثقافة الأردنيّة، 1993.
  3. انظر، معجم الأدباء الأردنيين في العصر الحديث: منشورات وزارة الثقافة الأردنيّة، ط1 ـ 2014م، ص 319.
  4. رسل السّلام: هاني أبو انعيم، ط1 ـ 1988م، دار الكرمل للنّشر والتّوزيع، عمّان.

ي

 

أحمد البزور، مواليد الزّرقاء، سنة ١٩٩٠، حاصلٌ على درجة الدّكتوراه في الأدب والنّقد الحديث من الجامعة الأردنيّة، وعضو في الاتّحاد الدّولي للغة العربيّة، ولديه العديد من الأبحاث المنشورة في مجّلات محليّة وعربيّة محكّمة، وكتب عددًا من المقالات والمراجعات عن الأدب والنّقد في الصّحف والمواقع الإلكترونيّة المتخصصة.