
في ظل استمرار الظاهرة.. خبراء يؤكدون أن مكافحة عمل الأطفال مسؤولية جماعية

بمناسبة اليوم العالمي للحد من عمل الأطفال، الذي يصادف في الثاني عشر من حزيران من كل عام، تتجدد الدعوات الدولية والمحلية لحماية حقوق الأطفال وضمان نموهم في بيئة آمنة تكفل لهم التعليم والصحة والكرامة، حيث يشكل هذا اليوم محطة مهمة لتسليط الضوء على واقع عمل الأطفال والتحديات المرتبطة به، خاصة في القطاعات غير المنظمة كـالزراعة وغيرها.
وفي الأردن، تبذل وزارة العمل جهودا مستمرة للحد من عمالة الأطفال من خلال تطوير التشريعات، وتكثيف حملات التفتيش، وتعزيز الوعي المجتمعي، إلى جانب تنفيذ برامج لمعالجة الأسباب الجذرية لعمل الأطفال، وفي مقدمتها الفقر والتسرب المدرسي.
وتؤكد رئيسة قسم تفتيش الحد من عمل الأطفال في وزارة العمل، المهندسة هيفاء درويش، أن الوزارة تعد الجهة الرقابية المسؤولة عن متابعة تطبيق قانون العمل في الأردن، بما يشمل البنود المتعلقة بعمالة الأطفال والحد منها.
وتوضح درويش في حديثها لـ "عمان نت"، أن دور الوزارة يتمثل بشكل رئيسي في تنفيذ زيارات تفتيشية دورية على منشآت القطاع الخاص في جميع محافظات المملكة، بهدف التحقق من التزامها بأحكام القانون، خاصة المتعلقة بتشغيل الأطفال، مشيرة إلى أن الوزارة تكثف جهودها في هذا المجال من خلال حملات ربع سنوية تستهدف القطاعات التي تشهد نسب تشغيل مرتفعة للأطفال، وتتخذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
97 حالة و49 مخالفة منذ بداية العام
رغم الجهود الرسمية المبذولة، لا تزال الأرقام تكشف عن استمرار ظاهرة عمل الأطفال في الأردن، وهو ما تؤكده بيانات وزارة العمل، التي أظهرت ضبط عشرات الحالات خلال الأشهر الأولى من العام الحالي.
وتبين درويش أن الوزارة لا تعتمد الأرقام غير الرسمية التي تشير إلى وجود أكثر من 100 ألف طفل عامل باعتبارها غير مبنية على دراسات أو مسوح وطنية، موضحة أن آخر مسح وطني رسمي حول عمل الأطفال أُجري في عام 2016.
وتشير إلى أنه منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر أيار، تم تنفيذ ما يقارب 2500 زيارة تفتيشية متخصصة بعمل الأطفال، نتج عنها ضبط 97 حالة لأطفال عاملين، وفقا لبيانات وزارة العمل، مضيفة أنه تم تحرير 49 مخالفة وإنذار 16 منشأة أخرى، إلى جانب استقبال 40 شكوى عبر منصة "حماية" الإلكترونية، و15 بلاغا من المواطنين حول حالات عمل أطفال.
وعن الإجراءات القانونية المتبعة بحق أصحاب العمل المخالفين، توضح درويش أن مفتشي العمل يقومون باتخاذ الإجراءات المناسبة بحسب كل حالة، فقد يتم توجيه إنذار إذا كان الطفل على وشك بلوغ سن الـ18، بهدف تصويب الوضع القانوني وضمان دخوله إلى سوق العمل بشروط قانونية لاحقا، أما في حال ثبوت تشغيل طفل يقل عمره عن 18 عاما دون شروط قانونية، فيتم تحرير مخالفة تحال إلى القضاء.
أصوات من الحقول: دراسة تكشف معاناة الأطفال في الزراعة
في سياق اليوم العالمي، أطلقت منظمة "إنقاذ الطفل – الأردن" دراسة جديدة بعنوان "أصوات من الحقول"، تضع واقع الأطفال العاملين في الزراعة في منطقتي المفرق والأغوار تحت المجهر.
وتكشف الدراسة عن واقع مقلق، يتصدره التسرب المدرسي وظروف العمل القاسية، وسط استمرار الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بالأطفال نحو سوق العمل في سن مبكرة.
شملت الدراسة أطفالا أردنيين ولاجئين سوريين، مشيرة إلى أن 18% فقط من الأطفال العاملين في القطاع الزراعي الذين تم مقابلتهم في الدراسة ملتحقون في المدارس الرسمية، في حين أن 65.9% لا يتلقون أي شكل من أشكال التعليم، و15.9% منهم ملتحقون ببرامج التعليم غير الرسمي.
توضح مديرة الإعلام والمناصرة في مؤسسة إنقاذ الطفل، نادين النمري، في حديثها لـ "عمان نت"، أن الدراسة جاءت استكمالا لجهود المؤسسة المستمرة في حماية الأطفال الأكثر هشاشة، لا سيما العاملين منهم، حيث تنفذ المؤسسة منذ سنوات برامج وتدخلات تستهدف الحد من عمل الأطفال، وخاصة في مناطق الشمال مثل البادية الشمالية والأغوار الشمالية، بالإضافة إلى مناطق في الأغوار الوسطى وإربد.
وتؤكد أن الهدف من الدراسة هو فهم الواقع الفعلي لهؤلاء الأطفال واحتياجاتهم، لتصميم برامج وتدخلات فعالة ومبنية على البيانات، مضيفة أن الهدف ليس فقط توصيف المشكلة، بل تقديم حلول مستدامة بالشراكة مع الجهات الرسمية والمجتمع المدني
أرقام مؤلمة: ثلثا الأطفال خارج التعليم
الحرمان من التعليم يظهر كأحد أخطر أوجه معاناة الأطفال العاملين، خصوصا في القطاع الزراعي، حيث أظهرت الدراسة أن غالبية الأطفال لا يتلقون أي نوع من التعليم، حتى أولئك المسجلين في المدارس يعانون من غيابات متكررة تعيق تحصيلهم الأكاديمي وتزيد من خطر ترك المدرسة نهائيا.
وتعتبر النمري أن أبرز ما خرجت به الدراسة من نتائج مؤلمة أن 66% من الأطفال العاملين في الزراعة لا يلتحقون بأي نوع من التعليم، و17% فقط منهم يدرسون في المدارس الرسمية، بينما 16% يتلقون تعليما غير رسمي.
وتضيف حتى من هم في المدارس، فإن 44% منهم يتغيبون يومين أو أكثر أسبوعيا، مما يكشف عن فجوة تعليمية كبيرة، وغالبية الأطفال أرجعوا تسربهم من المدرسة لأسباب اقتصادية 77%، في حين 9% يشيرون إلى تنقلهم المستمر بسبب عمل أسرهم، بينما ذكر عدد أقل أن السبب يعود لعدم حبهم للمدرسة.
التشريعات موجودة ولكن... التنسيق غائب
رغم توفر القوانين التي تجرم تشغيل الأطفال، إلا أن التطبيق العملي والتنسيق بين الجهات المعنية لا يزال دون المستوى المطلوب، بحسب ما تشير إليه منظمة "إنقاذ الطفل"، وتشدد المنظمة على ضرورة شمول الأسر والمجتمع وأصحاب العمل في الحل، بدلا من حصر المسؤولية بالطفل أو بالوزارة فقط.
وتشير النمري إلى أن التحدي يكمن في التطبيق الفعلي والتنسيق بين الجهات المعنية، موضحة أن المؤسسة تعمل حاليا بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم على إعداد دليل للتعامل مع التسرب المدرسي الناتج عن العمل، مع التركيز على المؤشرات المبكرة مثل الغياب والتراجع الأكاديمي.
وتشدد على أن معالجة عمالة الأطفال لا تقتصر على الطفل وحده، بل يجب أن تشمل أسرته والمجتمع المحيط به وصاحب العمل أيضا مضيفة بأنه لا يكفي أن يكون لدينا قانون يمنع، في ظل وجود ظروف اقتصادية واجتماعية تضطر الأطفال للعمل، لا بد من رفع وعي المشغلين حول أثر تشغيل الأطفال على مستقبلهم وعلى المصلحة العامة.
التوعية ضرورية لكنها غير كافية
لا خلاف على أهمية حملات التوعية في محاربة عمل الأطفال، لكن الواقع يظهر أنها غير كافية وحدها، فمع قلة المعرفة بالقوانين لدى الأطفال وأسرهم، تدعو المنظمة إلى تعزيز التوعية ببرامج داعمة ومشاريع بديلة للأسر، بما يقلل من اعتمادها على دخل الطفل.
وترى النمري أن التوعية ضرورية لكنها بحاجة لأن ترافقها حلول عملية، مبينة أن نتائج الدراسة أظهرت أن 82% من الأطفال وأسرهم لا يعرفون شيئا عن قانون العمل، مما يؤكد الحاجة لاستمرار التوعية، لكنها تضيف لا يمكن الاكتفاء بالتوعية فقط، فلا بد أن تترافق مع برامج تعزز فرص العمل اللائق للأهالي، حتى لا يضطروا لدفع أطفالهم إلى سوق العمل.
وتشدد على أن مسؤولية الحد من عمل الأطفال لا تقع على عاتق وزارة العمل وحدها، بل هي مسؤولية جماعية تشمل عدة جهات حكومية، من بينها وزارات التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وأولياء الأمور.
وكانت المؤسسة أطلقت سابقا دراسة حول الأطفال العاملين في التسول، وتعمل حاليا على دراسة خاصة بالأطفال العاملين في نبش النفايات، والتي سيتم نشر نتائجها خلال الأشهر المقبلة، في إطار التزام "إنقاذ الطفل" بتقديم المعرفة والحلول الفعلية لقضايا الطفولة الأشد تعقيدا في الأردن.
وحول وجود خطط لمسح وطني جديد لعمل الأطفال، توضح درويش أن وزارة التنمية الاجتماعية باتت الجهة المسؤولة عن إجراء الدراسات والمسوح بعد صدور نظام حماية الأحداث، وتعهد إليها مهمة مراجعة الاستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال (2022 – 2030)، مبينة أن الوزارة تضع خطة تنفيذية سنوية لمتابعة تطبيق الاستراتيجية، ويتم إصدار تقارير متابعة من قبل المجلس الوطني لشؤون الأسرة، الجهة المعنية بالتقييم، مشيرة إلى وجود تقدم ملحوظ في هذا السياق.
هذا وتواصل الوزارة جهودها في تنفيذ حملات توعية تستهدف القطاعات ذات الخطورة المرتفعة على الأطفال، وعلى رأسها القطاع الزراعي.