خبراء يرون في حل المجالس فرصة لإعادة بناء الإدارة المحلية

الرابط المختصر

في خطوة اعتادت الحكومات اتخاذها قبيل كل استحقاق انتخابي، أعلنت الحكومة الأردنية مؤخراً حل المجالس البلدية ومجالس المحافظات، إلى جانب مجلس أمانة عمان، وتعيين لجان مؤقتة لتسيير الأعمال، تمهيداً للانتخابات المقبلة.

غير أن هذا القرار، وعلى الرغم من كونه إجراء تقليديا، يكتسب هذه المرة دلالات أعمق، وفق ما يؤكده مدير برنامج "راصد"، عمرو النوايسة، الذي يرى أن الحل يأتي ضمن مراجعة شاملة لبنية الإدارة المحلية، في إطار مسار التحديث الإداري والسياسي والاقتصادي الذي تتبناه الدولة.

قرار الحل جاء متزامنا مع نتائج دراسة تقييمية صادرة عن مركز الحياة – راصد، ضمن أعمال "مرصد العمل البلدي"، يكشفت بوضوح عن فجوة متزايدة بين المجالس المنتخبة والمواطنين.

ووفق نتائج الدراسة التي شملت عينة عنقودية من 2343 استبانة من مختلف المحافظات، فإن 59% من المواطنين غير راضين عن أداء المجالس البلدية، فيما رأى 58.3% أن أداء مجالس المحافظات دون المستوى أو عاجز عن تقديم الخدمات، ولم يشعر سوى 19% فقط بتحسن ملموس في مستوى الخدمات المقدمة، مما يعكس أزمة ثقة حقيقية بين المواطن والمؤسسات المحلية المنتخبة.

 

مراجعة قانونية مرتقبة وحوار مجتمعي موسع

 

ويرى النوايسة، في حديثه "لعمان نت"، أن هذه النتائج تعكس فشل المجالس في تلبية التطلعات وتحقيق أثر تنموي على الأرض، رغم مرور نحو عقد على تجربة اللامركزية مضيفا هل كانت المجالس السابقة على قدر التطلعات؟ هل قدمت الخدمات المطلوبة؟، مشيرا إلى التحديات المرتبطة بالتشريعات، ونقص الموارد المالية، وازدواجية الدور التنفيذي والتمثيلي لرئيس البلدية، ما خلق تداخلاً مربكاً في الصلاحيات.

ويؤكد أن القرار الحكومي يمثل فرصة لإعادة النظر في فلسفة الإدارة المحلية، من حيث الحوكمة الرشيدة، الشفافية، العدالة في توزيع الخدمات، وتعزيز المشاركة الفعالة للمواطن.

يشير النوايسة إلى أن الحكومة بدأت فعليا حوارا وطنيا لمراجعة قانون الإدارة المحلية، ومن المتوقع إرسال المسودة إلى مجلس النواب قريبا. 

ويضيف أن اللجنة الإدارية في المجلس أعلنت نيتها فتح حوار مع المواطنين والمجتمع المدني لمناقشة مشروع القانون، داعيا إلى مناقشة التحديات والأولويات بصوت مرتفع، لضمان مجالس أكثر كفاءة مستقبلا.

وفيما يتعلق بالحوار حول تعديل تشريعات الإدارة المحلية، يؤكد النوايسة أن الحكومة بدأت بالفعل هذا الحوار، وأنه من المنتظر أن ترسل مسودة القانون إلى مجلس النواب، مضيفا أن "مجلس النواب هو صوت الشعب، وقد أعلن رئيس اللجنة الإدارية وعدد من النواب نيتهم فتح حوار جاد مع المواطنين والمجتمع المدني وكل الفئات ذات العلاقة، لمناقشة مشروع القانون حين يصل إلى البرلمان".

 

 

تجربة اللامركزية تحولت إلى "مركزية مغلفة"

 

من جهته، يرى المختص في الشأن السياسي والشبابي والتنمية المجتمعية محمد الزواهرة، أن تجربة اللامركزية التي انطلقت قبل نحو عشر سنوات، لم تحقق أهدافها في توسيع المشاركة الشعبية، بل تحولت إلى نمط إداري أقرب إلى "المركزية المغلفة".

ويقول الزواهرة في حديثه لـ عمان نت  منذ البداية، لم يكن هذا النموذج ملاءما للسياق الأردني، فدولة بحجم جغرافي وسكاني واقتصادي محدود، لا تحتاج إلى إدارة لا مركزية معقدة، مضيفا أن تجربة المجالس أثبتت أنها جسم غريب بين المحافظ والمديريات الخدمية والمجالس البلدية المنتخبة، مما خلق تضاربا في المسؤوليات وأربك المشهد المحلي.

ينتقد الزواهرة حالة عدم الاستقرار التشريعي التي رافقت كل دورة انتخابية محلية، حيث يتم تغيير القانون مع كل دورة، دون وجود مرجعية ثابتة أو مؤسسات حزبية تتحمل المسؤولية.

ويشير إلى أن استمرار النواب في أداء الدور الخدمي بدلا من التشريعي والرقابي، ساهم في إضعاف المجالس المحلية، حيث تم تهميشها لصالح نواب لا يمتلكون أدوات رقابية ولا برامج سياسية واضحة.

 

 

جدل حول التعديلات المقترحة: تعيين لا انتخاب

 

وحول التوصيات المنبثقة عن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي تشمل احتمال تعيين رؤساء بلديات كبرى مثل الزرقاء وإربد والسلط، بدلا من انتخابهم مباشرة من قبل المواطنين، يعبر الزواهرة عن قلقه من أن ذلك يشكل تراجعا عن جوهر الديمقراطية التمثيلية.

ويشير إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية الأخيرة لم تتجاوز 30%، وأن حوالي ثلث الناخبين يشاركون فقط لانتخاب رئيس البلدية، بالتالي، فإن سحب هذا الحق من المواطنين سيؤدي إلى مزيد من العزوف والإحباط الشعبي.

ويقول الزواهرة إن بعض المطالب الشعبية بتعيين رؤساء بلديات بدل انتخابهم تعكس حالة يأس من الأداء المتواضع وضعف الخدمات.

في السياق ذاته، أظهرت دراسة "راصد" أن 75% من المواطنين يعتقدون بوجود فساد في البلديات، بينما يرى أكثر من 60% أن هذه المؤسسات لا تقوم بدورها المطلوب.