تقدير موقف حول مستقبل الأونروا في ضوء تقرير اللجنة المستقلة لمراجعة الحيادية

يؤسس التقرير لمرحلة استراتيجية جديدة لمستقبل الأونروا جار العمل عليها منذ سنوات من قبل الدول الكبرى، وحتى من قبل دول مانحة تتعتبر شريكة للأونروا، بالعمل على فصل البُعد السياسي من عمل الوكالة المرتبط بعودة اللاجئين، وتعزيز الدور التنموي للوكالة على حساب الدور الإغاثي في مخيمات الدول المضيفة، تمهيداً لتوطين اللاجئين..

 

مقدمة:

بناء على مزاعم دولة الاحتلال بتورط 12 من موظفي الوكالة في أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، اتخذ على إثرها المفوض العام للاونروا فيليب لازاريني قراراً بإيقاف الموظفين عن العمل، وبناء على طلب لازاريني سارع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في الخامس من شهر شباط/فبراير 2024 لتشكيل لجنة وُصفت بالمستقلة لمراجعة حيادية عمل الأونروا برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة كاثرين كولونا مدعومة بثلاث مراكز بحثية من السويد والنروج والدانمرك.

مباشرة بدأت اللجنة بالقيام بدورها حيث عقدت اجتماعات شملت 47 شخصاً يمثلون دولاً وهيئات دولية بالإضافة الى عقد لقاءات مع 200 شخص، وبعد 9 أسابيع صدر التقرير (54 صفحة)، بجزأيه المتفق عليهما.

قدمت اللجنة أحد تقريريها وهو الرسمي الأولي للأمين العام للأمم المتحدة في العشرين من شهر آذار/مارس 2024 ولم يجر تعميمه على العوام بناء على اتفاق مسبق، ثم تم تقديم الجزء الثاني من التقرير (وهو التقني والأهم) في الـ 22 من شهر نيسان/ابريل 2024 والذي تضمن 50 توصية.

لا بد من الإشارة إلى أنه ومنذ تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945، لم تتعرض أي من المنظمات الأممية إلى هذا الكم من الملاحظات والمراجعة والانتقادات والاستهداف والملاحقات وتشكيل لجان تحقيق ومتابعة كما تعرضت له وكالة الأونروا التي تأسست وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 لتاريخ 08/12/1949، إذ انه وبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 فقط تم تشكيل لجنة من المجموعة الأوروبية وأخرى من السويد واليابان وغيرها للمراجعة، حتى باتت دول إذا أرادت ان تتبرع بمبالغ مالية للوكالة أن تقتطع جزء من ميزانيتها لأعمال الرقابة الداخلية كما حصل مع فنلندا التي اقتطعت ما نسبته 10% من تبرعاتها المالية للأونروا بهدف إجراءات الرقابة على الحيادية من خلال تشكيل لجنة خاصة، وهذا حتماً يُضعف عمل الوكالة ويزعزع ثقة المانحين ويثير حفيظة العاملين.

 

في المعلومات:

1- باستثناء دولة الاحتلال الاسرائيلي رحبت العشرات من الدول بما ورد في التقرير، أبرزها الدول المضيفة للاجئين وهي مناطق عمليات للأونروا (لبنان والأردن وفلسطين "الضفة الغربية وقطاع غزة")، والجامعة العربية والبرلمان العربي ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي والدول المانحة... وعلى رأس تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية التي قالت نتطلع إلى تنفيذ التوصيات التي وردت في التقرير "فوراً".

 

2- دعا التقرير إلى تشكيل جسم دولي تنفيذي من خارج الأونروا يشرف على عمل الوكالة، وهذا بتقديرنا يمهّد لنزع المسؤولية القانونية والسياسية للجمعية العامة للأمم المتحدة تجاه اللاجئين من خلال الأونروا، ويعطل عمل اللجنة الاستشارية للوكالة التي تأسست مع تأسيس الأونروا (حالياً 28 دولة و3 أعضاء مراقبين).

 

3- دعا التقرير إلى إضافة المزيد من الموظفين الدوليين في جسم الوكالة وذلك للمزيد من أعمال الرقابة الداخلية وممارسة الادوار البوليسية ودور الملاحقة للموظفين ولكافة اعمال الوكالة.

 

4- دعا التقرير إلى ضرورة زيادة الشراكة في أعمال الأونروا من ناحية توزيع الخدمات للاجئين الأمر الذي سيفكك ويُضعف عمل الوكالة ويحجّم دورها وهو ما يحدث حاليا من إعطاء أدوار لمنظمة الغذاء العالمي، واليو أس ايد التابعة لوزارة الخارجية الامريكية، ومنظمة المطبخ المركزي الأمريكية في غزة.

 

5- اعتبر التقرير أن عمل اتحاد العاملين في الوكالة في مناطق عمليات الأونروا الخمسة هو اتحاد مسيّس ومعاد لقرارات إدارة الوكالة، وهذا بتقديرنا سينتج عنه نزع أي دور وطني للإتحاد في المستقبل عدا عن حالة الصدام التي يمكن ان تحصل بين الاتحاد وبين ادارة الأونروا.

 

6- دعا التقرير للمزيد من مراجعة المنهاج الدراسي في مدارس الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي أُشبع متابعة بعد ان تم مراجعة 157 كتاب يُدرس في مدارس الأونروا من قبل، ولم يُشر التقرير ولو بكلمة عن المناهج الدراسية في المدارس الحكومية الاسرائيلية والمدارس التلمودية التي تحفز على الكراهية وقتل العرب والفلسطينيين.

 

7- أشاد التقرير بأهمية عمل الأونروا، وتحدث عن بطلان المزاعم التي تحدث عنها الاحتلال بمشاركة 12 من موظفي الوكالة في أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لكن الوكالة حسب التقرير لا تزال تعاني من مشكلة الحيادية على الرغم من تنويه التقرير إلى ان الوكالة لديها اهم برنامج بين منظمات الامم المتحدة لممارسة الحيادية، وفي هذا بتقديرنا دعوة الـ 31 ألف موظف بالالتزام بالمزيد من الحيادية بمعنى انتزاع انتماؤهم الوطني على الرغم من رؤية شعبهم يُباد أمام أعينهم.

 

8- أشار التقرير الى اهمية حيادية مُنشئات الأونروا عن أية اعمال عسكرية وهو ما نرحب به ايضا، ولكن لم يشر التقرير الى تدمير الاحتلال الى حوالي 160 منشأة تابعة للوكالة في قطاع غزة وإخراج 18 عيادة صحية عن العمل وقتل 180 موظف يعمل في الوكالة وقتل 400 من الفلسطينيين المدنيين في مراكز الايواء التابعة للوكالة.

 

9- تحدث التقرير عن ضرورة إجراء إصلاحات في عمل الوكالة وهو المصطلح الذي يجري تكراره مرات ومرات ومنذ عقود، وليس له إلا معنىً واحد وهو المزيد من إضعاف الوكالة والتقليل من أهميتها وتحجيم دورها ورمزيتها تدريجيا.

 

في تقدير الموقف:

نعتقد أن ما جاء في التقرير (حوالي 90% منه)، يؤسس لمرحلة استراتيجية جديدة لمستقبل الأونروا. هذه المرحلة جار العمل عليها منذ سنوات من قبل الدول الكبرى، وحتى من قبل دول مانحة تعتبر شريكة مع الأونروا؛ بالعمل على فصل البُعد السياسي من عمل الوكالة المرتبط بعودة اللاجئين وتعزيز الدور التنموي على حساب الدور الإغاثي في مخيمات الدول المضيفة تمهيدا لتوطين اللاجئين..

 

لهذا نتوقع انفراجات مالية جزئية مهمة للأونروا في المرحلة القادمة على شكل محفزات من جهة وشروط من جهة أخرى وقد برزت معالمها من قبل فرنسا التي وضعت اصلاح نقابات الموظفين في الوكالة من الشروط التي تمكنها من صرف مساهمتها السنوية للوكالة والبالغة 33 مليون يورو لسنة 2024. كما سترتبط الانفراجات بسرعة تقديم تقارير من قبل الوكالة تلتزم فيها بتطبيق الـ 50 توصية التي وردت في التقرير، وبتعزيز للبرامج التنموية في المخيمات، خاصة أن التوصيات التي صدرت سيجري تنفيذها بالتعاون والتنسيق ما بين الأونروا والدول المانحة والدول المضيفة للاجئين في ظل رقابة دولية وافقت عليها جميع الأطراف..

 

في التوصيات:

- ضرورة أن يقوم جميع من وافق على مجمل ما ورد في التقرير في مراجعة الموقف التي نرى فيه تسرعاً واستنتاجاً غير موضوعياً.

 

-ذروة الحذر والانتباه لما يحاك لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة من خلال استهداف الوكالة، لا سيما من قبل الدول المضيفة للاجئين التي يمكن ان تنغمس في مشروع التوطين وتداعياته. وضرورة أن يكون هناك برامج عمل مكثفة للدفاع عن هذه المؤسسة الأممية وتحصينها في خضم حرب الإبادة المستمرة على غزة والحرب على حق العودة.

 

-دور مضاعف للحراك الشعبي والدبلوماسي والقانوني والإعلامي والسياسي ولمراكز الدراسات والأبحاث على قاعدة أن الرطل يجب أن يقابله رطلان؛ فمحاولات التضليل وتشويه عمل الوكالة المستمر التي يقودها الاحتلال وأدواته، يجب ان يقابله حملات مضادة تثبت أهمية استمرار عمل "الأونروا" على المستوى السياسي والإنساني واستقرار المنطقة، وإبراز أن ما يتم تسويقه من قبل الاحتلال هو المشكلة وليس "الحل" كما يدّعي لا سيما على مستوى تفكيك عمل الوكالة، ونقل الخدمات إلى منظمات أخرى.

 

-أن يكون حراك نوعي لكل المنضويين تحت مسمى مؤسسات المجتمع الأهلي أو اللجان أو الهيئات والمنتديات والمؤتمرات والروابط... في المخيمات والتجمعات والعالم، لزيارة سفارات الدول المعنية سواء المانحة ماليا أو الداعمة سياسيا ومعنوياً، ولا سيما تلك التي لا تزال تعلق مساهماتها المالية للوكالة.

 

-أن تبقى هذه قضية الأونروا حاضرة وبشكل دائم من قبل كافة المشارب السياسية الفلسطينية، كقضية وطنية تستحق أن تكون على رأس جدول أعمال المتابعات اللحظية وهي التي تتعلق بالمستقبل الإنساني والسياسي والقانوني لأكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني.

 

أضف تعليقك