تجربة محفوفة بالمخاطر: القصور الصحراوية الأردنية بلا إجراءات سلامة

الرابط المختصر

 في قصر عمرة، أحد أبرز المعالم الأثرية الأردنية،  والمدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، كاد مشهد عابر أن يتحول إلى كارثة، فبينما كانت مجموعة من الزوار تتجول في الموقع، أفلت طفل يبلغ أربع سنوات من يد والده واندفع نحو بئرٍ يزيد عمقه على 20 مترًا في فناء القصر، محاولا صعود العتبة المنتهية بحاجز يرتفع نصف متر، قبل أن يتمكن والده من الإمساك به في اللحظة الأخيرة.

لم تكن تلك الحادثة الوحيدة التي تكشف غياب معايير السلامة العامة في المواقع الصحراوية. ففي قصر الحرانة، الذي لم يطرأ عليه أي تغيير منذ زيارتي له قبل نحو عشرين عاما، يبدو الخطر أكثر وضوحا. ما إن يدخل الزائر الطابق الأرضي، ويصعد عبر درج بازلتي أنيق ينتهي إلى نافذة مستطيلة تمتد من الأرضية إلى السقف، إلى جانبيها منفذان يقودان إلى جناحين متشابهين. كلا الجناحين تطل منهما نافذة على ساحة القصر المربعة، مشابهة لنافذة الدرج، من دون أي عنصر حماية.

 

 

 

تجارب زوار

التصميم المعماري الفريد الذي يظهر روعة العمارة الأموية وشغف الزائر، يخفي في الوقت ذاته ثغرات خطرة تتعلق بسلامة الزوار، خاصة الأطفال والمصورين الذين يتقدمون بحذر نحو النوافذ؛ لالتقاط الصور.

 تقول ربى، وهي زائرة من الضفة الغربية: "على الأقل لو في شبك صغير، والله قلبي وقع خوف على أولادي" ،  بينما تروي أم شهد تجربتها بصوت ممتلئ بالغضب: "كنت طالعة.. انتهى الدرج مباشرة بشباك! فكّرته باب! وقع قلبي، مافي أي تنبيه أو منطقة خطر أو حماية، وين وزارة السياحة؟".

أما أبو هادي القادم من عمّان، يتأمل إحدى النوافذ، ليقترح حلا بسيطا: "ممكن تثبيت حديد حماية قريب من طابع القصر، لا يشوّه المنظر."

وعند سؤال أحد الأدلة السياحيين حول تقييمه وأراء السياح الأجانب قال :"طبعا سمعت من سائحين  عدة تعليقا حول قصر الحرانة،  فالطابق الثاني مطل الساحه الداخليه خطر، بحاجه الى وضع حمايات تكون مناسبه للمبنى ".

مفارقة لافتة

على خلاف تلك المشاهد، حظيت  قلعة عجلون بإجراءات سلامة واضحة، عند المدخل والنوافذ، وثبت على البئرشبك حماية، وفي كل منطقة خطرة تقرأ تحذيرا، ، بينما في الحرانة لا تجد سوى بوابة خشبية تنفذ إلى سطح القصر دون عليها عدم الاقتراب، هذا النقص في الإرشادات يزيد من مخاطر الحوادث، ويجعل التجربة السياحية أقل أمانا.

 

مقطع فيديو - يكشف  الفيديو الفرق بين  إجراءات المخاطر في كل من قصر الحرانة وعمرة وقلعة عجلون.

 

وفي ردها على هذه الملاحظات، تقول ياسمين ، مدير الإعلام في مديرية الآثار وزارة السياحة: " لم تسجل  أي حوادث سقوط في القصور الصحراوية خلال السنوات العشر الماضية، ولقد  تم إغلاق الأبواب المؤدية إلى السطح ووضع إشارات تحذيرية بعدم الصعود لأعلى،  وأضافت بأنه  لا توجد خطة محددة لإدارة المخاطر في القصور الصحراوية، لكن هناك تعاون بين موظفي الآثار والسياحة والشرطة السياحية، إضافة إلى وجود مركز دفاع مدني على بعد  7  كم بين موقعي قصير عمرة والخرانة."

في عام 2024، شهدت المواقع الاثرية الصحراوية إقبالا قياسيا بلغ 79,158 زائرا، مع تفوّق عدد الأجانب 75,984 زائرا مقارنة مع 3,174 ألف زائر أردني، بينما استحوذ الزوار الأردنيون على النسبة الأكبر في عجلون وقلعة الكرك، وبحسب بيانات التقارير السنوية لوزارة الأثار، شهدت القلاع التاريخية تباينا واضحا في عدد الزوار، حافظت عجلون  على أعلى نسبة لعامين، فيما انخفض زوار الشوبك لأكثر من النصف، والكرك لنحو النصف.

 

ولقد أظهر دليل توجيهات وإجراءات التشغيل المعيارية لعام 2021 أن أربعة مواقع فقط تم تجهيزها بإجراءات تشغيل معيارية متكاملة، وهي: جرش، قلعة عجلون، أم قيس، وجبل القلعة، بينما تفتقر بقية المواقع، بما فيها قصور عمرة، الحلابات، الخرانة، الكرك، الشوبك، أم الرصاص وقلعة العقبة، إلى تطبيق هذه الإرشادات بشكل كامل، مما يستدعي تحديث إجراءات السلامة والصيانة الدورية و تركيب الحواجز أو الشبك عند النوافذ العالية دون المساس بالطابع التاريخي للمواقع.

وأكدت الوزارة  في دليلها أن هذه المواقع الحساسة أثريا تحتاج إلى مراقبة دقيقة وعمليات ترميم منفصلة، ولقد كان لوزارة السياحة اهتماما واضحا في سلامة الزوار والسياح أثناء أشد  موجات الحر في المملكة عام 2023، حين اتخذت الوزارة إجراءات احترازية شملت تجهيز مظلات واقية، ماء بارد، ومعدات إسعافات أولية لضمان سلامة الزوار والعاملين في المواقع السياحية والأثرية.

 

ورغم أن الأرشيف الرسمي لم يسجل حوادث سقوط في هذه القصور، إلا أن الملاحظات الميدانية تظهر ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لتعزيز السلامة، مشهد يبقى التساؤل مطروحا عبر عنه أحد الزائرين، بالقول:"  هل نظل نقول بعناية الله، أم نأخذ بالاسباب كما دعانا؟