
بيت الكشافة.. نقطة تحول في الحركة الكشفية الأردنية

تعتمد المجموعات الكشفية في المملكة بشكل عام على مقرات مؤقتة للتجمع خلال أوقاتٍ محددة أسبوعيًا، مثل الملاعب، المدارس، الغابات، أو حتى قاعات الكنائس، الأمر الذي قد يسبب تشتتًا في تنفيذ الأنشطة ويحد من القدرة على توفير أوقات مرنة أو استخدام مرافق المكان بشكل كامل.
الحاجة لايجاد مقرات كشفية مجهزة لتنفيذ البرامج النوعية سواء الدورية أو الأسبوعية كانت وراء فكرة افتتاح “بيت الكشافة” في قلب العاصمة عمان قرب نفق الصحافة، في منتصف كانون الأول عام 2024، كأول مركز تدريب كشفي متخصص في الأردن، ليكون مقرًا دائمًا لمجموعتي خالد بن الوليد الكشفية وشقائق الخنساء الإرشادية، يخدم حوالي ألف كشاف ومرشدة من المنتسبين بالإضافة لكونه مساحة لتنفيذ الدراسات والبرامج الكشفية لكل منتسبي الكشافة الأردنية.
يقول المدير التنفيذي للبيت وقائد مجموعة خالد بن الوليد الكشفية عبدالرحمن الزميلي، إنها "فكّرنا بتأسيس مكان يشكّل بيئة جاذبة للأطفال واليافعين من الذكور والإناث، لتدريبهم على المهارات الحياتية والكشفية، ضمن بيئة آمنة، منضبطة، ومألوفة للأهالي".
وأضاف أنّ تأسيس البيت جاء حلًا يحملُ روح الحركة الكشفية ورسالتها، متميزًا بمرونة تتيح تنفيذ برامج متنوعة خلال أيام الأسبوع المختلفة والعطل الرسمية، بلا قيود.
الغاية والهدف
وأوضح الزميلي أن رسالة "بيت الكشافة" الأساسية تكمن في تمكين الأطفال واليافعين من الجنسين بالمهارات الحياتية التي تتناسب مع متطلبات العصر، مبينًا: "نركز في البيت على بناء الشخصية، وتنمية التفكير الناقد، إلى جانب تعزيز المهارات اليدوية التي تسهم في بناء ثقة الأفراد بأنفسهم، وتمكينهم ليكونوا مواطنين فاعلين يؤدون دورهم في بيوتهم ومجتمعاتهم، بأفضل صورة ممكنة".
وفي ظل تعدد مشكلات هذا العصر من إدمان على التكنولوجيا وعزلة اجتماعية، أشار الزميلي إلى أن الكشافة وبيت الكشافة جاءا لمعالجتها، من خلال برامج ممتعة وهادفة تعتمد الطريقة الكشفية المعروفة عالميًا بأثرها الكبير في التدريب اللامنهجي والممارسة في الهواء الطلق.
عقبات التنفيذ
وكما هو الحال مع تنفيذ أي مشروع، واجه بيت الكشافة العديد من التحديات، كان من أبرزها أن جميع أعضاء الفريق متطوعون ولا يتلقون أي دعم مالي، إذ يقتصر التمويل على مساهمات القادة وأولياء الأمور وبعض مؤسسات المجتمع المحلي المؤمنة برسالة الكشافة، بحسب الزميلي.
ونوه الزميلي إلى أن هذه التجربة تُعد الأولى من نوعها محليًا وعربيًا، قائلاً: “لم تكن هناك تجارب سابقة نقتبس منها، بل كانت فكرة رائدة بنيناها من الصفر بهمة القادة والقائدات الشباب”.
حين يتحدث المكان بلغة الكشافة
منبع كلِّ تأثير يمتد إلى خارج المكان، لا بدّ يبدأ من داخله، إذ ذكرت مساعد قائد مجموعة شقائق الخنساء الإرشادية فتحية أبو غزالة أن ما يميز بيت الكشافة عن غيره من المساحات الكشفية في الأردن هو الطابع التنفيذي له والإبداع في التصميم، موضحة: "أين ما تنقلت في البيت ستجد جزءًا يربطك في الكشافة، يدفعك لحب التعلم".
وأشارت إلى أن بيت الكشافة اليوم يوفر ملعبًا عشبياً آمنًا ومريحًا تحت مسجد في قلب العاصمة، ما يمنحه موقعًا مميزًا من حيث الأمان وسهولة الوصول والمواصلات، جامعًا بين التعليم والرياضة والتراث في آنٍ واحد، إذ يعد الملعب أكثر من مجرد مكان للعب، موضحة أنه مجهز لممارسة رياضتي كرة السلة وكرة القدم، حاملًا كلُّ جدار فيه لمسة إضافية، من شعارات للهيئات الكشفية وصور أرشيفية للمجموعتين، إلى جانب الإرث والمعالم الأردنية والمقدسات الإسلامية كالمسجد الأقصى.
وأضافت أبو غزالة أن داخل المبنى يوجد نظام مبتكر من العلامات اللاصقة الأرضية الدالة التي تساعد الزوار على الوصول بسهولة إلى القاعات المختلفة.
وحول الطاقة الاستيعابية للمكان، بين الزميلي: “نحن نتحدث عن مساحة تزيد على 1700 متر مربع داخليًا و1000 متر مربع خارجيًا، ونستقبل من 400 إلى 500 فرد في الوقت ذاته، يتلقون برامجهم بشكل مريح ومتنوّع، تشمل أنشطة داخلية وخارجية".
وأفادت أبو غزالة أن كل غرفة في بيت الكشافة يطلق عليها اسم خاص يعكس محتواها، مثل قاعة التوأمة التي تسلط الضوء على الشراكات الكشفية مع مجموعات من دول عربية وعالمية كليبيا وتركيا، من باب إبراز الأخوة الكشفية وتوسيع الشراكة والانتشار.
وعن أكبر قاعة في المقر، أشارت أبو غزالة إلى قاعة القائد منذر الزميلي -رحمه الله- التي تبلغ مساحتها 220 مترًا مربعًا وتتسع لـ200 شخص، وهي قاعة تدريبية مجهزة سُمّيت تيمنًا بالقائد المربي، تخليدًا لذكره وأثره.
كما لفتت إلى مدرج الكرامة، القاعة التدريبية المجهزة بتقنيات حديثة كتكييف السينما والشاشات الكبيرة، بسعة ٨٠ فرد "أي مجلس كامل"، موفرًا بيئة مريحة للقادة والأفراد للتدريب والعرض.
وفي السياق ذاته، تابعت أبو غزالة أن بيت الكشافة يضم أيضًا متحفًا كشفيًا أولًا من نوعه، يعرض مقتنيات تاريخية، شارات وأوسمة حصلت عليها المجموعتان، بالإضافة إلى صور لشخصيات كشفية أردنية تركت أثرًا.
وفيما يتعلق بالمرافق الأخرى، ذكرت أن بيت الكشافة يحتوي على قاعات تدريبية صغيرة مثل قاعة النشامى وقاعة مؤتة، إضافة إلى قاعة قائد أنور الخطيب التي تضم مكتبة كشفية تحتوي على حوالي 1000 كتاب يمكن استعارتها أو قراءتها في المكان.
بعيون الأهل
وذكرت علا النوش، إحدى أولياء الأمور، التي بدأت رحلة بناتها الأربع مع مجموعة شقائق الخنساء الإرشادية منذ عام 2017، إن “بيت الكشافة” كان له أثر بالغ في حياة بناتها، مضيفة: “بالنسبة لهن، الكشافة وبيت الكشافة هما أجمل ما في الأسبوع، ورغم التضحيات، إلا أن الغياب لم يكن خيارًا مطروحًا؛ فهن وجدن هنا ما لم يجدنه في أي مكان آخر”.
وأضافت أن ما يميز بيت الكشافة هو التنوع المستمر في برامجه، موضحة أنه لم يحدث أن تكرر نشاط أو مطلب، ودائمًا هناك أفكار جديدة وضيوف مميزون يقدمون دورات وورش عمل مؤثرة.
وتابعت النوش أن شعور بناتها بالانتماء إلى بيت الكشافة يفوق شعورهن بالانتماء إلى المدرسة رغم قصر مدة اللقاءات، موضحة إلى أن هذا الشعور لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة تلبية هذا المكان لاحتياجاتهن النفسية والاجتماعية، وصنعه بيئة يجدن فيها ذواتهن.
ونوهت إلى إلى صعوبة إيجاد بيئة آمنة في المجتمع تتيح للأهل إرسال أبنائهم دون قلق، مؤكدة أنها عندما ترسل بناتها إلى بيت الكشافة، تشعر وكأنهن في بيت العائلة؛ ضمن جو من الأخوة والمحبة والرعاية الحقيقية.
وثمنت النوش جهود بيت الكشافة، متمنية أن يؤمن الجميع بأهمية هذا المكان، واصفة انتساب بناتها إلى الكشافة "من أجمل القرارات التي اتخذتها".
ثمار البيت
وأفاد الزميلي أن بيت الكشافة اليوم أصبح الملاذ الأول لكل قائد كشفي يرغب في تعريف الآخرين بالحركة الكشفية أو تنفيذ أنشطته الكشفية، مبينًا: “استضاف بيت الكشافة العديد من المجموعات الكشفية التي عقدت أنشطتها وبرامجها لدينا، سواء على مستوى جمعية الكشافة والمرشدات أو اتحاد الكشافة المسلم، وغيرها من المؤسسات”.
وأشار إلى أن الأثر الذي أحدثه بيت الكشافة كبير، إذ عبّر الزوار محليًا وعربيًا وعالميًا عن سعادتهم بروح الكشافة الحاضرة فيه، رغم أن تجهيزاته ليست ضخمة، إلا أن روح الكشافة التي غابت عن كثير من المقرات الأخرى كانت حاضرة بقوة بفضل سعة المكان، وجهود الشباب، والأفكار النوعية التي قدموها.
وبعد مضي ستة أشهر فقط على افتتاح البيت، يؤكد الزميلي أنهم يلمسون الأثر الإيجابي، آملين قريبًا بافتتاح فروعٍ أخرى، وإطلاق أنشطة نوعية ودورات متخصصة يمتد أثرها إلى كل مكان.
وقالت أبو غزالة إن مجموعة شقائق الخنساء الإرشادية تنعم اليوم بخيرات بيت الكشافة، إذ يمثل اليوم المقر الأساسي للمجموعة، وتُعقد فيه لقاءات الأفراد يوم السبت، بالإضافة إلى اجتماعات القادة وتنفيذ مختلف الفعاليات الكشفية، مشيرة إلى أن المجموعة كانت في السابق تعتمد على أماكن مستأجرة مؤقتة حدّت من تنفيذ بعض الأنشطة.
وأضافت: "كان تأسيس بيت الكشافة بمثابة التكريم الحقيقي لنا، بتضمنه لشاشات عرض، ومناطق آمنة للألعاب، ومطبخًا مُجهّزًا، وأماكن مناسبة للمبيت، إضافة إلى إمكانية توحيد العهدة واستثمار الموارد بشكل أفضل"، منوهةً إلى أن هذا التطور انعكس مباشرة على رفع عدد المنتسبين وشعورهم بالفخر والاعتزاز عند رؤية هوية وإنجازات المجموعة منعكسة في أرجاء البيت.
وأوضحت أن بيت الكشافة أصبح مكانًا مميزًا لاستقبال الوفود الكشفية العربية والدولية، مما أسهم في تعزيز تبادل الخبرات مع القادة والأفراد من مختلف الدول.
ولفتت إلى أن بيت الكشافة فتح آفاقًا جديدة بإقامة دورات تدريبية متخصصة للقادة والأفراد، شملت مجالات متنوعة مثل الكروشيه، الروبوتكس، الخط العربي، والطبخ، الأمر الذي ساهم في تطوير مهارات المشاركين ورفع كفاءاتهم.
ووصفت أبو غزالة بيت الكشافة بـ"البيت الثاني"، معبرةً عن استعدادهم لقضاء كل أيام الأسبوع فيه "ندرس، نطهو، نجتمع، ونتعلم"، مشددة على أن بيت الكشافة سيواصل مسيرته في التطوير، ليبقى مركزًا رائدًا بالنشاط الكشفي المتميز.