أصدر المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" ورقة موقف شاملة بمناسبة اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة، تناول فيها واقع تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن وما يواجهونه من تحديات بنيوية وإدارية وقانونية تحول دون تمتعهم بفرص عمل عادلة وشاملة رغم الإطار التشريعي الذي يوفره قانون العمل وقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2017.
وقالت الورقة إن الإطار القانوني الأردني يلزم المؤسسات التي يزيد عدد موظفيها عن 25 عاملاً بتعيين شخص واحد من ذوي الإعاقة على الأقل ويرفع النسبة إلى 4% للمؤسسات التي تضم أكثر من 50 موظفا، إلا أن الالتزام الفعلي بهذه النسب ما يزال محدودا للغاية، وأوضحت الورقة أنه لا توجد حالات معلنة لفرض غرامات على مؤسسات غير ملتزمة كما أن غياب التقارير الدورية وقواعد البيانات المحدثة يجعل من الصعب تقييم مدى التقدم ويحول الرقابة إلى توجيه وإرشاد بدلاً من أن تكون أداة إنفاذ فعالة.
ووفق البيانات التي عرضتها الورقة فإن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن يتجاوز مليون شخص، منهم 252 ألفا يعانون من إعاقات شديدة، وأكثر من 800 ألف من ذوي الإعاقات الطفيفة، ورغم هذا الحجم الكبير فلا تتجاوز نسبة العاملين منهم 16% فقط من إجمالي الأشخاص ذوي الإعاقة في سن العمل وهو ما يعكس فجوة كبيرة بين حجم الفئة وقدرتها الفعلية على الوصول إلى سوق العمل.
ووفق المؤشرات المتخصصة يبلغ معدل تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة الشديدة 21% فقط، مقارنة بـنسبة 39% لغير ذوي الإعاقة، فيما يصل معدل البطالة لديهم إلى 27% وهي نسبة مرتفعة تعكس حواجز كبيرة أمام دخولهم إلى سوق العمل والاستمرار فيه.
كما أبرزت الورقة فجوة حادة بين الجنسين، إذ تعمل 9% فقط من النساء ذوات الإعاقة الشديدة، مقابل 50% من الرجال من الفئة ذاتها وهو ما يعكس أثرا مضاعفا لتقاطع الإعاقة مع النوع الاجتماعي خاصة في ظل محدودية التدريب وضعف فرص الوصول إلى المعلومة وتدني قبول المؤسسات لتوظيف النساء ذوات الإعاقة.
ووفق الورقة لا تزال بيئات العمل في العديد من المؤسسات غير مهيأة لاستقبال الأشخاص ذوي الإعاقة، سواء من حيث البنية الفيزيائية للمرافق والممرات والمداخل، أو من حيث الترتيبات التيسيرية داخل الوظائف، ويعاني عدد كبير منهم من ضعف الوصول إلى المعلومات الوظيفية والخدمات الإلكترونية ما يحرمهم من فرص التقدم للوظائف أو الاستفادة من الخدمات الحكومية.
ويعتبر النقل أحد أكبر التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة خاصة في المحافظات والقرى حيث تعيق قلة وسائل النقل المجهزة وصولهم إلى أماكن العمل أو التدريب وتحد من قدرتهم على المشاركة الاقتصادية.
وأشارت الورقة إلى أن نسبة كبيرة من الأشخاص ذوي الإعاقة غير راضين عن مستوى خدمات الدعم الاقتصادي المتاحة لهم، سواء في التدريب أو الوساطة الوظيفية أو الإرشاد، كما أن الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية آخذة بالاتساع حيث يواجه سكان المحافظات والقرى صعوبات أكبر في الوصول إلى مراكز التدريب والخدمات، ما يفاقم التهميش ويقلل من فرصهم في التمكين الاقتصادي.
وبخصوص آليات إنفاذ النسب القانونية قالت الورقة إن التجربة أثبتت عدم جدوى الغرامات المحدودة المنصوص عليها في قانون العمل سواء لضعف الرقابة أو لعدم وجود آليات متابعة فعلية ترصد الالتزام، وأكدت أن الغرامات الحالية لا تمثل رادعا حقيقيا ولا ترتبط بآليات تجعل عدم الالتزام أكثر تكلفة من الامتثال.
ودعت الورقة إلى تبني مقاربات تنفيذية أكثر فعالية تجمع بين الإلزام القانوني وأدوات الدعم الفني والمالي كما هو معمول به في بعض الدول المتقدمة حيث تلتزم المؤسسات بتقديم تقارير سنوية حول التزامها بالنسبة القانونية وتفرض مساهمة مالية بديلة على المؤسسات التي لا تحقق النسبة وتستخدم هذه الأموال لتمويل برامج تشغيل ذوي الإعاقة وتعزيز جاهزية بيئة العمل، وفي المقابل يحصل أصحاب العمل الذين يلتزمون بالتشغيل الدامج على حوافز تشمل تمويل الترتيبات التيسيرية والمساهمة في دفع الأجور لفترات محددة وتغطية التدريب وإعادة التأهيل بالإضافة إلى توفير خدمات تشغيل متخصصة تساعد في مواءمة الوظائف وضمان استدامة العمالة.
وأكد "بيت العمال" أن تحقيق إدماج فعلي للأشخاص ذوي الإعاقة يتطلب مقاربة شمولية تشمل تطوير آليات الرقابة وتحسين بيئات العمل وتوسيع الفرص التدريبية وتعزيز المهارات الرقمية وتمكين العمل عن بعد، وتقديم دعم للنقل وتسهيل الوصول إلى المعلومات عبر منصات حكومية مهيأة بالكامل.
كما شددت الورقة على ضرورة تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية ومنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة وتبني برامج واقعية قابلة للتطبيق تراعي احتياجات الفئات الأكثر تهميشا في المحافظات والقرى.
وختمت الورقة بالتأكيد على أن تطوير منظومة تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة هو استثمار تنموي يساهم في توسيع قاعدة الإنتاج وتحقيق العدالة الاقتصادية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.











































