الأردن وسوريا: دبلوماسية إطفاء الحرائق في ظل تعاون إنساني وتجاري متنامٍ

الأردن وسوريا..ما يجمعهما اليوم أكبر مما يفرّقهما
الرابط المختصر

في ظل تطور تدريجي للعلاقات بين عمّان ودمشق، قدّم الأردن مؤخرًا دعمًا مباشرًا للجارة الشمالية لمواجهة سلسلة من الحرائق التي اندلعت في ريف اللاذقية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ومخلفات الحرب. القوات المسلحة الأردنية شاركت في عمليات الإطفاء من خلال إرسال مروحيات وطواقم متخصصة، فيما ساهمت فرق الدفاع المدني الأردني في الجهد الميداني، في خطوة لاقت ترحيبًا سوريًا رسميًا وشعبيًا.

هذا التحرك لم يكن معزولًا عن سياق أوسع، إذ يشهد التعاون بين البلدين تحسنًا ملحوظًا على عدة مستويات. فالمحادثات المتعلقة بملف الطاقة أدت إلى بحث زيادة كميات الكهرباء الموردة إلى سوريا، كما تُدرس إمكانية استخدام الأراضي السورية لربط شبكة الكهرباء بين الأردن ولبنان، وهو ما يعكس توجهاً إقليميًا نحو تكامل اقتصادي يعوّض سنوات العزلة والحصار.

في الإطار التجاري، يخطط الجانبان لعقد مؤتمر اقتصادي في دمشق يركّز على تكنولوجيا المعلومات والطاقة البديلة، في وقت تعاني فيه سوريا من أزمة طاقة حادة وانقطاعات يومية. هذا النوع من التعاون يعكس رغبة مشتركة في بناء شراكات تخدم المصالح المتبادلة وتُعيد بعض الحيوية إلى الاقتصاد السوري، وتفتح في الوقت نفسه آفاقًا جديدة أمام الشركات الأردنية.

أما قضية اللاجئين السوريين في الأردن، فتأخذ حيزًا واسعًا من اهتمام الطرفين، خاصة مع تراجع الدعم الدولي وزيادة الضغوط الاقتصادية على الأردن. في هذا السياق، بدأت موجات العودة الطوعية إلى سوريا، لكنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة بسبب الأوضاع المعيشية والأمنية داخل البلاد، ما يتطلب مقاربة أوسع تشمل المجتمع الدولي والدول المانحة. فقد عاد خلال شهر أيار الماضي نحو تسعين ألف لاجئ سوري حسب بيانات وزارة الداخلية الأردنية.

على صعيد مختلف، يشهد قطاع السيارات حراكًا لافتًا، حيث نشطت عمليات إعادة تصدير المركبات من الأردن إلى سوريا عبر المنطقة الحرة الأردنية السورية ومعبر جابر–نصيب الحدودي. هذه الحركة تعكس انتعاشًا جزئيًا في السوق السورية بعد سنوات من الحرب، وتسهم في تحريك عجلة الاقتصاد لدى التجار الأردنيين، وإن كانت تؤدي إلى بعض الارتفاع في أسعار السيارات داخل السوق المحلي الأردني بسبب تراجع حجم المعروض.

من جهة أخرى، تزايدت حركة السفر بين البلدين، خصوصًا من الجانب الأردني، رغم استمرار بعض القيود على دخول السيارات الخاصة إلى الأراضي السورية. كما أبدت دمشق اهتمامًا بطمأنة المجتمعات المسيحية في البلاد، عبر تعزيز الأمن حول الكنائس بعد التفجير الانتحاري وسلسلة من التهديدات ضد المكون المسيحي في سوريا.

تحوّل في العلاقة بعد سقوط منظومة العداء

اللافت أنّ هذا التقارب لم يأتِ في فراغ، بل ارتبط بشكل مباشر بتغيّر في بنية النظام السوري نفسه بعد سنوات الحرب الطويلة. فالنظام السابق الذي تزعمه آل الأسد – وخاصة في ذروة الأزمة – لم يُخفِ عداءه للأردن واتهمه مرارًا بالضلوع في دعم المعارضة أو تسهيل تحركاتها. هذه المرحلة كانت تتسم بتوتر حاد وتبادل رسائل غير ودية، انعكست على المستويين السياسي والإعلامي.

إلا أنّ تراجع قبضة الأجهزة الأمنية التقليدية وانشغال النظام السوري الجديد بإعادة ترتيب أوراقه داخليًا، منح مساحة أكبر لبراغماتية سياسية واقتصادية في التعامل مع الجوار، وعلى رأسه الأردن وهذا ما أظهر الرئيس أحمد الشرع من براغماتية في اغيير توجهاته الفكرية. هنا وجدت عمّان فرصة لإعادة بناء العلاقة بما يخدم استقرار الحدود وتخفيف أعباء اللجوء وفتح أسواق جديدة للقطاع الخاص الأردني، بعيدًا عن رهانات الصراع وصفقات المحاور.

في السياق ذاته، لا يمكن إغفال أن الأردن يسعى لتعزيز موقعه كوسيط موثوق في ملفات إقليمية حساسة، مستفيدًا من شبكة علاقاته المتوازنة مع مختلف القوى، بما في ذلك الولايات المتحدة والخليج، في مقابل انفتاح مدروس تجاه دمشق بنظامها الجديد.

توازنات دقيقة ومستقبل مفتوح

هذه التطورات مجتمعة تشير إلى أن العلاقات الأردنية السورية تتجه نحو إعادة التفعيل، وإن كان ذلك يتم بحذر وتدرج، وبما يراعي التوازنات الإقليمية والدولية المعقدة. إلا أن ما يبدو واضحًا هو أن عمّان تسعى إلى ترسيخ دورها كلاعب محوري في دعم الاستقرار السوري، من خلال مقاربة تقوم على البعد الإنساني والمصلحة الاقتصادية المشتركة، مع الإبقاء على قنوات الحوار مفتوحة رغم التباينات السياسية.

فالملفات بين الجانبين كثيرة وشائكة، من قضية اللاجئين إلى التبادل التجاري والطاقة والأمن الحدودي ومكافة المخدرات، لكن ما يجمعهما اليوم أكبر مما يفرّقهما: رغبة في التقليل من آثار سنوات الحرب، وتحويل الجغرافيا المشتركة إلى جسر للتعاون بدلًا من أن تكون ساحة للتوتر.