في أحد المصانع الأردنية، كان بهاء* (27 عام)، يمارس عمله الروتيني حين نال منه الإرهاق والتعب، فكلفه ذلك بتر إصبعين من يده بعد أن التقطتهما آلة الإنتاج التي يعمل عليها. هرع زملاؤه لإسعافه إلى المستشفى، غير أن أحد مديري المصنع طلب منهم نقله إلى عيادة خاصة.
خضع بهاء في تلك العيادة لعملية جراحية لمعالجة يده بعد أن بُتِرت أصابعه، وعلى إثر الحادثة تعطل عن عمله شهرًا كاملًا كان خلاله يراجع الأطباء بشكل دوري لمتابعة حالته، وهو ما رتب عليه مصاريف والتزامات مالية إضافية كان يعجز عن توفيرها في كثير من الأحيان، سيما وأنه لا يملك أي مدخرات كما أن المصنع تنصل من دفع راتبه في ذلك الشهر، وهو ما دفعه لطلب سلفة من إدارة المصنع "اقلهم بدي سلفة اروح على المراجعة ما يرضو. يحكولي بعد ما تدفع وتخلص بتجيب فاتورة"، يقول بهاء.
ويتقاضى بهاء من عمله في المصنع راتب أساسي قدره 290 دينار يصل مع العمل الإضافي الإجباري إلى 400 دينار، ينفقها على عائلته المكونة من ستة أفراد.
ومع نهاية الشهر وتحت وطأة الإلتزامات المادية عاد إلى العمل في المصنع رغم حاجته إلى مزيد من الراحة، عند عودته توقع بهاء أن توكل إليه مهام تتناسب مع ظرفه الصحي، لكن إدارة المصنع أعادته للعمل على ذات الآلة التي بترت أصابعه، "حاليا في شغلات صعبة علي ما بقدر اشتغلها. الخط أربعة مكنات انا ما بقدر زي قبل الحق على الخط كامل"، طالب بإعطائه مهام أخرى، كما رفض العمل الإجباري لساعات إضافية في الليل، لكن المسؤولين هددوه بالخصومات والفصل من العمل "قالولي بنخصم عليك أسبوع".
وتجبر إدارة المصنع العمال الوافدين من الجنسية السورية والمصرية على العمل يوميًا حتى الساعة الثامنة مساءًا "إذا ما بدك تشتغل إضافي ما في إلك شغل نهائي"، يقول زميله في العمل، فادي (24 عام).
ويضيف أن الإجازات الأسبوعية ممنوعة، إذ تمنعهم الإدارة من أخذ إجازاتهم مع وعود بإعطائهم إياها في نهاية العام وبذلك يقضي فادي وزملائه شهورًا طويلة دون يوم إجازة واحد "حتى في الأعياد ما بنعطل"، حتى في يوم زفافه تغيب عن العمل لثلاثة أيام "خصموهن من راتبي"، يقول فادي.
ولا يعوض المصنع هؤلاء العاملين بدل إجازاتهم التي لا تُمنح لهم تحت التهديد بالفصل من العمل، إذ يتلقون وعودًا بمنحهم إياها في نهاية العام، وهي وعود لا تفي بها إدارة المصنع في نهاية العام طالما هناك طلب على منتجاتهم، متذرعين بأن "اللي ما أخذ إجازاته راحت عليه".
ويعمل فادي في المصنع منذ أكثر من خمس سنوات، وطوال هذه المدة لم يحصل على أي ترقيات أو زيادات أو مكافآت "حتى لو محافظ على شغلك وما عليك أي مخالفات أو شكاوى او تنبيهات"، يقول فادي الذي يتقاضى الحد الأدنى للأجور، منذ بدأ العمل " كان الراتب 220 دينار ارتفع إلى 240 دينار، حاليًا 290 دينار".
راتب لا يبقى على حاله بسبب خصومات تعسفية أحيانًا، وفي هذا الإطار يستذكر فادي أحد الأيام حين عاقبت الإدارة عشرة موظفين يعملون على خط إنتاج واحد لأن شعار المنتج كان مائلا قليلا، يقول بهاء ويضيف "خصموا على كل واحد خمسة دنانير. كل إنسان معرض للخطأ، خصوصي لما تداوم ساعات طويلة بدون استراحات".
وتمنح إدارة المصنع العمال استراحة واحدة طوال النهار تتراوح بين 5 - 15 دقيقة للغداء والصلاة، وهو وقت غير كاف وفق فادي، "كل أسبوع في مشكلة بسبب البريك. بنقوم بدون ما نخلص أكلنا".
ينتظر بهاء قرار الضمان الاجتماعي بشأن تعويضه، ويواصل عمله مكرهًا كما يقول، لوفاء التزامات عائلته المعيشية والتزامه مع إخوته في إعمار منزلهم الذي هدمته الحرب "مجرد ما يخلص البيت راجعين كلنا على سوريا". لكنه يدرك أن فرص العمل هناك شبه معدومة. أما فادي، فلا يرى عودة قريبة إلى بلده بسبب تدهور الأوضاع. ويخطط لتعلم صيانة الأجهزة الإلكترونية. ، فيما يفكر بهاء بالانتقال إلى قطاع الخياطة الذي طالما أحب العمل فيه.
شهادة بهاء وفادي تكشفان عن واقع قاسٍ يعيشه عدد من العمال السوريين داخل بعض المصانع في الأردن، حيث تتقاطع الانتهاكات العمالية مع ضعف الرقابة الرسمية وغياب آليات الشكوى الفاعلة. فإجبار العمال على العمل الإضافي دون أجر عادل، وحرمانهم من الإجازات، وتهديدهم بالفصل، كلها ممارسات مخالفة لقانون العمل الأردني الذي يضمن للعامل حدا أدنى من الأجر وساعات عمل لا تتجاوز ثماني ساعات يوميا مع فترات استراحة كافية.
* تم انتاج هذا التقرير ضمن مشروع "تعزيز حقوق العمال المهاجرين ومكافحة الاتجار بالبشر"، نفذه مركز المعلومات والبحوث-مؤسسة الملك الحسين، بالتعاون مع مؤسسة هينرش بُل - مكتب فلسطين والأردن. الآراء الواردة في التقرير لا تعكس بالضرورة عن آراء مؤسسة هينرش بُل.











































